2020 .. سنة سياسية باهتة في الجزائر

31 ديسمبر 2020
تمرير الدستور الجديد مثّل واحداً من أبرز الأحداث بالجزائر في 2020 (الأناضول)
+ الخط -

 

كان يُنتظر أن تشهد الجزائر تحولات سياسية عميقة في 2020 بعد تسلم الرئيس عبد المجيد تبون السلطة في 19 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، لكنّ ظروفاً كثيرة لم تسمح بإنجاز هذه التحولات، وفرضت جائحة كورونا نفسها على واقع الحال، وأفشلت تنفيذ أجندة سياسية مكثفة.

وكان لافتاً أن الظروف الطارئة، بعد بروز الأزمة الوبائية، حَوَّلت وجهة الجهود الحكومية، من خطة التغيير السياسي إلى مواجهة لهذه الأزمة وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية، وتحضير شبكة المرافق الصحية لاستقبال المرضى والمصابين وتوفير الموارد المالية لذلك.

السنة الحالية لم تخل من أحداث سياسية ومحطات هامة، ويبدو الدستور الجديد وما رافقه من جدل ومقاطعة شعبية غير مسبوقة، ومرض الرئيس تبون من أهم تلك الأحداث

 

وعلى الرغم من تأجيل وتأخير الانشغال بالملفات السياسية إلى وقت لاحق، إلا أن السنة الحالية لم تخل من أحداث سياسية ومحطات هامة، ويبدو الدستور الجديد وما رافقه من جدل ومقاطعة شعبية غير مسبوقة، ومرض الرئيس تبون من أهم تلك الأحداث. 

وبقدر ما كان عبء الأزمة الوبائية ثقيلاً على السلطة وكشف كثيرا من مكامن الخلل في الادارة الحكومية، بقدر ما وفرت الأزمة للسلطة شجرة تختبأ وراءها لتبرير الجمود السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي عانى منه الجزائريون هذه السنة، واكتفت السلطة بتحقيق إنجاز وحيد، وهو تمرير الدستور الجديد الذي كان قد أثار منذ تشكيل لجنة صياغته الكثير من الجدل والنقاشات والصدام السياسي. 

وجاء جدل تمرير الدستور على مستويين، مستوى أفقي بين السلطة ومكونات المعارضة السياسية والمدنية رفضاً لطريقة صياغته وآلية إدارة المشاورات بشأنه، ومستوى عمودي اتخذ بعداً أيديولوجيا بين المكونات السياسية نفسها التي تتبنى مشاريع وأفكار سياسية متباينة.

 وأفرزت عملية الاستفتاء على الدستور حدثاً فارقاً وبارزاً خلال الاستفتاء الشعبي الذي نُظم في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهو تسجيل أكبر مقاطعة شعبية للانتخابات في تاريخ الجزائر، إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة 24 بالمائة. 

وفي الخامس من يناير/كانون الثاني، أعلن الرئيس تبون عن تشكيل أول حكومة له، بقيادة الأستاذ الجامعي والأمين العام السابق لوزارة الخارجية عبد العزيز جراد، ضمت هذه الحكومة عدداً هاما من الخبراء والكفاءات الجامعية، وبقدر ما كان مأمولاً أن يُسهم ذلك في تحقيق تغيير في إدارة الملفات الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن السياسات المتبعة وضعف الإبداع الحكومي، إضافة إلى أشكال الاتصال المؤسساتي والخطاب الذي اتخذ أبعاداً شعبوية في بعض الأحيان، وانعدام أية تجربة لبعض الوزراء أو سوابق في العمل السياسي والإداري، أفرز نتائج متواضعة في الأداء الحكومي، وهو ما يفسر بشكل لافت تزايد الدعوات في الفترة الأخيرة إلى تعديل حكومي عميق.

ما لم تتمكن السلطة من تحقيقه خلال عام 2019، بوقف مظاهرات الحراك الشعبي، فعلته ظروف الأزمة الوبائية التي غطت أيضاً على الحراك الشعبي

 

وما لم تتمكن السلطة من تحقيقه خلال عام 2019، بوقف مظاهرات الحراك الشعبي، فعلته ظروف الأزمة الوبائية التي غطت أيضاً على الحراك الشعبي، خلال الأشهر الثلاث الأولى من العام استمر الجزائريون في التظاهر كل يوم جمعة وثلاثاء، وجرت محاولات لتمديد التظاهر إلى يوم السبت أيضاً، لكن انتشار فيروس كورونا دفع مكونات الحراك الشعبي إلى تعليق التظاهر.

وبدأت السلطة  في تنفيذ سلسلة تدابير تهدئة، إذ تم الإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين كان أبرزهم المناضل الثوري لخضر بورقعة  وكريم طابو وسمبير بلعربي وفوضيل بومالة، وعشرات الناشطين حتى شهر إبريل/نيسان الماضي، لكن الفترة التي تلت ذلك ،أظهرت مراوحة للسلطة في السياسات الأمنية، بعد عودتها منذ شهر يوليو/تموز الماضي إلى حملة الاعتقالات التي طاولت عدداً من الناشطين بسبب المواقف والآراء السياسية.

وكان يُتوقع أن تكون 2020،  التي تزامنت مع صعود رئيس جديد للبلاد، سنة تسابق فيها الجزائر الزمن للعودة إلى محافل الدبلوماسية الدولية والإقليمية ولعب دورها المحوري في المنطقة، لكن صعوبة الإرث وحجم الفراغ الذي خلفه غياب الجزائر في السبع سنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، جعل الأمر أصعب، خاصة أن الانتباه الجزائري لأزمات المنطقة جاء متأخرا بشكل بالغ، إذ قد حدثت خلاله متغيرات جيوسياسية كثيرة، قبل أن تستفيق الجزائر على صدمة إفلات الحوار الليبي الليبي من بين يديها، وكذا التطورات غير المحسوبة  في مالي بعد الانقلاب على الرئيس أبو بكر كيتا، ثم التطورات المتعلقة بالنزاع في الصحراء والتطبيع المغربي. 

واستقبلت الجزائر خلال عام 2020 ثلاث زيارات لرؤساء دول فقط، هم أمير دولة قطر تميم بن حمد والرئيس التركي طيب رجب أردوغان والرئيس التونسي قيس سعيد، بينما لم يقم الرئيس تبون سوى بزيارة واحدة إلى خارج البلاد قادته إلى الرياض، إضافة إلى مشاركته في مؤتمر برلين حول ليبيا، وألغيت زيارته التي كانت مقررة الى تونس في 16 مارس/آذار الماضي.

وليست كورونا وحدها من شكلت حدثاً طارئا غطى على كثير من الوقائع والتوقعات، لكن الوعكة الصحية للرئيس عبد المجيد تبون في الوقت الذي كان يستعد فيه لطرح الدستور الجديد على الاستفتاء الشعبي، مثلت حدثاً أيضاً أدت تداعياته إلى إرباك لافت في الأداء الحكومي والقطاعات الوزارية، وإلى طرح كثير من الأسئلة حول مستقبل المشروع السياسي للرئيس تبون، بعدما نُقل على جناح السرعة إلى مستشفى في ألمانيا. 

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن السنة المنصرمة شهدت بروز تحول كبير في الاتصال الرئاسي، إذ أجرى الرئيس حوارات شهرية مع الصحافة الوطنية والقنوات الأجنبية، لتبليغ المواقف وشرح الرؤى والخيارات السياسية والاقتصادية.

وتسجل سنة 2020 نفسها في تاريخ الجزائر، كأكثر السنوات التي تكشفت فيها وبشكل فادح قضايا الفساد ونهب المال العام والتلاعب بمقدرات البلاد من طرف رؤساء حكومات ووزراء ومسؤولين في مختلف المستويات، وسجل هذا العام التحاق عدد كبير من الوزراء والمسؤولين بنظرائهم في السجون بسبب تورطهم في قضايا الفساد، كان آخرهم وزيرا البريد والاتصالات هدى فرعون، والصناعة جميلة تامزيرت. 

وسجلت المحاكم الجزائرية إصدار سلسلة طويلة من الأحكام القضائية والإدانات ضد هؤلاء، كما شهدت نهاية العام بدء تصفية تركة قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح، واعتقال عدد من العسكريين أبرزهم قائد جهاز المخابرات الداخلية واسيني بوعزة، في مقابل إطلاق مسار تسوية لملفات عدد من العسكريين الذين كانوا ملاحقين في عهد قائد الأركان الراحل، أبرزهم وزير الدفاع السابق خالد نزار الذي عاد مؤخراً إلى البلاد.

المساهمون