عبد الله عبد الله: 40 عاماً من خوض المعارك

27 سبتمبر 2019
بدأ عبد الله مساره بالقتال ضد السوفييت(وكيل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -
من بين الشخصيات الأفغانية الحاضرة في المشهد السياسي والعسكري على امتداد العقود الأربعة الماضية، يبرز اسم الرئيس التنفيذي للحكومة الحالية عبد الله عبد الله، أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية المقررة غداً السبت. لم يترك طبيب العيون المشهد السياسي والحربي في أفغانستان قط، بل انتقل من ساحة القتال إلى السياسة بعد أن أخرجت حركة "طالبان" قادة الجهاد السابقين (المحاربون ضد غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان بين عامي 1979 و1989) من البلاد، إثر سيطرتها على كابول في عام 1995. كان عبد الله من أبرز وجوه جبهة الشمال المعارضة لـ"طالبان"، المشكّلة من قادة الجهاد وأمراء الحرب السابقين، ومن أحد الأوفياء مع هذه الجبهة بعد اغتيال القائد العسكري، رائد الجبهة، أحمد شاه مسعود بيد تنظيم القاعدة في 9 سبتمبر/أيلول 2001، قبل يومين من أحداث 11 سبتمبر الأميركية. خسر بسبب سياساته الأخيرة، تحديداً خلال السنوات الخمس الماضية حين تولى منصب الرئيس التنفيذي في حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت بإشراف أميركي ومساعي وزير الخارجية في الإدارة الأميركية السابقة جون كيري، معظم رفاق أيام الجهاد، بل اتُهم بتفتيت جبهة الشمال والجمعية الإسلامية وتوزعها إلى فرق وقادة متفرقين على معسكرات انتخابية مختلفة.

ومن بين القادة الذين خسرهم عبد الله عبد الله، وهم ليسوا معه في الانتخابات الحالية، الأمين العام للجمعية الإسلامية، حاكم إقليم بلخ السابق، عطاء محمد نور، صاحب النفوذ الكبير في بعض مناطق الشمال، وحاكم إقليم هرات السابق، القائد إسماعيل خان، والقيادي البارز في الجمعية الإسلامية وجبهة الشمال، محمد يونس قانوني. كما خسر الرجل في مسقط رأسه إقليم بروان الحاضنة الأساسية له، بعد انضمام رئيس الاستخبارات السابق، وأحد حلفائه في الانتخابات الرئاسية الماضية، أمر الله صالح، إلى معسكر الرئيس الحالي أشرف غني. أضف إلى ذلك لم يتمكن الرجل من الحصول على دعم أسرة قائده الأول أحمد شاه مسعود، إذ أن أخاه أحمد ولي مسعود رشح نفسه للرئاسة، كما ظهر أخيراً نجل مسعود، أحمد مسعود، الذي يبدو مؤيداً لمعسكر الرئيس غني، رغم عدم إعلانه موقفاً واضحاً بهذا الشأن.

غير أنه في المقابل تمكن عبد الله، بسبب طبيعته المرنة ونبرته وسجيته الهادئة وبسبب سياسات الرئيس الأفغاني مع المعارضين الذين يصفهم بالضالعين في الفساد، من أن يحصل على دعم شخصيات كبيرة في أفغانستان، تحديداً في الشمال. واستطاع تشكيل تحالف قوي في وجه الرئيس الأفغاني، يضم النائب الأول للرئيس الجنرال عبد الرشيد دوستم، وذلك بعد محاكمته بتهمة الاعتداء على أحد معارضيه، علماً أن نائب وزير الداخلية السابق الجنرال مراد علي مراد، اتهم غني بالتخطيط لقتل دوستم، بصفته زعيماً للعرقية الأوزبكية، التي ساهمت في التطورات الميدانية على مر العقود الأربعة. كما يضم تحالف عبد الله وجوها شيعية بارزة مثل زعيم حزب الوحدة حاجي محمد محقق، الذي كان نائب الرئيس التنفيذي خلال الأعوام الخمسة الماضية، ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الأفغاني، محمد كريم خليلي.

ومع أنه حصل على دعم بعض الشخصيات إلا أن المشكلة الأساسية في معسكر عبد الله بحسب المراقبين، هي غياب دعم العرقية البشتونية له، إذ لا وجه بارزاً يؤيده ويمثل هذه العرقية، سوى وزير الخارجية الأسبق أنوار الحق أحدي، الذي لم يتوصل بالأساس لاتفاق مع الرئيس الأفغاني، ما اضطره للانضمام إلى معسكر عبد الله عبد الله. مع العلم أن أحدي لا يملك نفوذاً واسعاً في الأوساط البشتونية، وهو ما تُرجم بضعف اجتماعاته ولقاءاته الانتخابية في المناطق البشتونية في شرق أفغانستان وجنوبها.



اتُهم عبد الله عبد الله بتشكيل عقبات في وجه الرئيس الأفغاني خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية، لذلك بدأ الرئيس الأفغاني يصفه خلال الحملة الانتخابية بأنه كان طوال الأعوام الخمسة الماضية مثل العظم في حنجرته، يمنعه من تنفيذ سياساته بطلاقة. أما عبد الله فيعيب على الرئيس غياب الشفافية في السياسات، ويحث الرئيس على تنفيذ ما يحلو له من السياسات، وأن شركاءه في الحكومة هم السبب الأساسي في فشل سياسات غني وعرقلة المشاريع التنموية الكبيرة. ووصف عبد الله الرئيس الأفغاني بـ"المختل والدكتاتور".

لم يُخف الرجل حتى في آخر لحظات حملته الانتخابية مخاوفه من وقوع التزوير، ومن تكرار سيناريوهات خطيرة كما حصل في الانتخابات الرئاسية السابقة. وقال عبد الله في مناظرة له على قناة "طلوع" المحلية مع القائد الجهادي السابق، زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، أحد المرشحين للرئاسة، إن "حصول أي نوع من التزوير سيدفع البلاد نحو سيناريوهات خطيرة جداً"، متهماً الرئيس الأفغاني بالتخطيط لوقوع التزوير لصالحه. أما حكمتيار فاعتبر أنه لا يمكن حصول التزوير لأن تشكيل حكومة وحدة وطنية، الفاشلة على حد تعبيره، أمر لا يحتمله الشعب وهو تلاعب بآراء المواطنين، بالتالي فإن حصول التزوير قد يدفع البلاد نحو سيناريوهات حرب جديدة، لا نحو حكومة وحدة وطنية على غرار الحكومة الحالية.

كان عبد الله عبد الله أحد المنافسين للرئيس أشرف غني في انتخابات عام 2014 وحصل نزاع كبير بين المنافسين في المرحلة الثانية من الانتخابات، بعد أن عجز أي مرشح عن الحصول على أكثر من 50 في المائة من الأصوات في المرحلة الأولى. ونتيجة لذلك النزاع تشكّلت حكومة الوحدة الوطنية، وتلاها وعد غني، وفقاً لعبد الله، بإيجاد منصب رئيس الوزراء بدلاً من الرئيس التنفيذي، ولكنه لم يفِ بالوعد. عليه، كان لوزير الخارجية الأميركي جون كيري دور في حل النزاع في ذلك الوقت من خلال تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي وصفها الرئيس الأفغاني بـ"الخطأ الفادح"، بينما أكد عبد الله عبد الله أنه قبل بها كي لا تدخل البلاد في أتون حرب جديدة.

ولد عبد الله عبد الله في سبتمبر عام 1960 في العاصمة كابول، كان والده غلام محيي الدين خان مسؤولاً حكومياً ونائباً في مجلس الشورى الأفغاني في عهد الملك ظاهر شاه. درس في مدرسة نادرية الثانوية، والتحق بجامعة كابول بعد التخرج من الثانوية في كلية الطب، متخصصاً في طب العيون عام 1983. وخلال هذه الفترة غزا السوفييت أفغانستان، فآثر عبد الله الخروج إلى باكستان والانضمام إلى الجمعية الإسلامية بزعامة الرئيس الأفغاني الأسبق برهان الدين، قبل التوجه إلى جبهة القتال في الشمال الأفغاني بقيادة أحمد شاه مسعود.

في البداية كان مسؤولاً عن الرعاية الصحية في جبهات القتال، ثم ترقى إلى منصب مستشار لشاه مسعود، ومتحدثاً باسم الجمعية في جبهات القتال، بفعل إجادته اللغة الإنكليزية، فضلاً عن إتقانه اللغة الدرية، وهي اللهجة الأفغانية للفارسية. شغل منصب مساعد وزير الخارجية في حكومة برهان الدين رباني في عام 1997، وبعد سيطرة "طالبان" على كابول ظلّ ملازماً لشاه مسعود إلى أن قُتل في عام 2001. وتولى عبد الله منصب وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية التي شُكّلت نتيجة مؤتمر بون إثر سقوط "طالبان"، وظل في منصب وزير الخارجية في حكومة حميد كرزاي حتى عام 2006. ونتيجة النزاع بينه وبين غني في الانتخابات الرئاسية في عام 2014 تولى منصب الرئيس التنفيذي، وهو يشغل المنصب لحد الآن مع كونه مرشحاً للرئاسة في الانتخابات غداً.



دلالات
المساهمون