"جماعة الكاتيوشا": عنوان خفي لمهاجمي المصالح الأميركية في العراق

26 سبتمبر 2019
المصالح الأميركية تستهدف بصواريخ "الكاتيوشا" (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -
على مدى الأشهر الخمسة الماضية، وتحديداً منذ مايو/أيار الماضي، شاع في العراق على مستوى وسائل الإعلام والطبقة السياسية في البلاد انتهاء ببعض المسؤولين الحكوميين، استخدام مصطلح "جماعة الكاتيوشا"، في معرض الحديث عن الجهات التي تستهدف بصواريخ "الكاتيوشا" مصالح أميركية في العراق، والتي بلغ عددها حتى الآن سبعة هجمات في بغداد والموصل والبصرة والأنبار، منذ اندلاع الأزمة الإيرانية الأميركية.

وعلى مدى الأشهر الماضية شهدت السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء، وسط بغداد، هجومين بصواريخ "الكاتيوشا"، كان أقربها هو ما سقط في باحتها الخلفية، قبل يومين، وذلك بعد سلسلة استهدافات سابقة طاولت أيضاً مصالح أميركية في قاعدة "التاجي"، شمالي بغداد، ومعسكر المطار، غربي بغداد، وقاعدة "عين الأسد"، غربي الأنبار، والقصور الرئاسة، وسط الموصل، وشركة "إكسون" النفطية الأميركية في البصرة.

ولم تتبنَ أي جهة مسؤولية تلك الهجمات، غير أن عبارة "جماعة الكاتيوشا"، باتت هي المستخدمة في الإشارة إلى مطلقي تلك الصواريخ على الأهداف الأميركية. ويؤكد مسؤولون في الحكومة تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أن استخدام هذا المصطلح الذي أوجدته بعض وسائل الإعلام المحلية وتحول إلى تعبير شائع يأتي لتجنب خلق مشاكل مع فصائل مسلّحة مرتبطة بإيران، هي التي تقف وراء تلك الهجمات، وتتعمد ألا تصيب الأهداف بشكل مباشر بل تقع على مقربة منها كرسائل تهديد لا أكثر.


والاثنين الماضي، أعلنت السلطات الأمنية العراقية عن قصف جديد بواسطة صواريخ "كاتيوشا"، سقط الأول منها بمحيط السفارة الأميركية في بغداد، والثاني وقع على مقربة من نهر دجلة ضمن المنطقة ذاتها، مؤكّدة أن الحادث لم يسفر عن أي خسائر بشرية أو مادية

وعلى أثر ذلك، علّق التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، الذي تقوده الولايات المتحدة، على الهجوم قائلاً في بيان، إن "أي جهة لم تعلن مسؤوليتها عن الهجوم الأخير في بغداد، ولم يتم قصف أي مرفق أو منشأ مُستخدم من قبل قوات التحالف أو الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أنه يأخذ هذا الحادث على محمل الجد "كما يفعل شركاؤنا في قوات الأمن العراقية"، وأنه لن يتسامح مع أي هجوم على الأفراد والمنشآت الأميركية. وقوات التحالف تحتفظ بالحق في الدفاع عن نفسها".

في السياق، قال مسؤول عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن مصطلح جماعة الكاتيوشا يقصد به فصائل مسلحة مرتبطة بإيران، وأبرزها "العصائب والنجباء وكتائب حزب الله العراقية، وكتائب سيد الشهداء"، وهي بالغالب من تقف وراء هذه الهجمات التي تتعمد من خلالها التهديد فقط لا أكثر".

وبحسب المسؤول ذاته، فإن "لا أحد يريد أن يصطدم مع هذه الفصائل، لا الحكومة ولا الكتل السياسية، لذلك يلجأ الجميع في العراق اليوم إلى هذا التعبير عند الحديث عن الجهة التي تقف خلف هذه الهجمات المتكررة، ووسائل الإعلام المحلية تجد أن ذلك أسلم لها".

ولفت إلى أنه "كانت هناك ثلاثة تحقيقات من مجموع كل الهجمات التي نفذت بالكاتيوشا في الأشهر الماضية، الأول الهجوم الذي تعرضت له منطقة القصور الرئاسية بالموصل. والثاني الهجوم الأول الذي استهدف السفارة الأميركية ببغداد. والثالث على شركة إكسون الأميركية في البصرة"، مبيناً أنها "خلصت كلها إلى تورط فصائل مسلحة بتلك الهجمات وأنها اجتازت حواجز تفتيش عسكرية للشرطة والجيش بهويات تعريفية تصدرها هيئة الحشد الشعبي".

وأشار إلى أن "الأميركيين عملوا في الفترة الماضية على تحديد تلك الفصائل ومعرفة مواقعها ومقرات وجودها، وأبلغوا رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، بأن أي هجوم مماثل يسفر عن خسائر بشرية أو مادية سواء في صفوف المواطنين الأميركيين أو المتعاقدين معها من جنسيات آسيوية وعربية، سيتم الرد عليه بشكل مباشر".

ورأى المسؤول أن "الهجوم الأخيرة على السفارة تأكيد على أن الحكومة ورئيس هيئة الحشد فالح الفياض أخفقوا في إقناع تلك الفصائل بتجنب الاحتكاك مع الأميركيين".

وكشف "عن العثور على منصة إطلاق صواريخ في اليوم الثاني من هجوم، الاثنين الماضي، في منطقة الدورة، جنوبي بغداد، ضمن مربع يعتبر أمنياً للشرطة الاتحادية"، مشيراً إلى أن "التحقيق لا يزال مستمراً مع مسؤولين في الشرطة".

وكان زعيم مليشيات كتائب "سيد الشهداء"، المرتبطة بإيران، المعروف باسم "أبو آلاء الولائي"، قد هدد قبل أيام من الهجوم الصاروخي الأخير الذي استهدف السفارة الأميركية ببغداد، بأن "الأميركيين في العراق سيكونون رهائن لدى فصائل المقاومة"، وذلك في معرض حديثه عن خيارات تلك الفصائل في التعامل مع الأزمة الإيرانية الأميركية في حال اندلعت مواجهات عسكرية بين الجانبين.

من جهته، قال سعد المطلبي، وهو عضو اللجنة الأمنية في محافظة بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "جميع الأطراف المسلحة في العراق محتمل تورطها في تلك الهجمات".

وأضاف المطلبي "بطبيعة الحال لا توجد أي معلومات رسمية بشأن هوية الجماعة التي استهدفت المنطقة الخضراء أخيراً"، معتبراً أن استبعاد تنظيم "داعش" من المسؤولية غير صحيح، متسائلاً "لماذا لا يكون هو الفاعل؟ ولا سيما أن الصواريخ من نوع كاتيوشا، وبهذه الأفعال يريد أن يزعزع الأوضاع الأمنية والسياسية".

في المقابل، أكد عضو بلجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، أن "العملية الإرهابية التي تستهدف السفارة الأميركية، تُتهم فيها فصائل مسلحة موالية لإيران وتحديداً تلك الجماعات التي تُلقب بـ(الفصائل الإسلامية)، فهي لطالما هدّدت المصالح الأميركية والسفارات الأجنبية في العراق".

وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "مثل هذه الأعمال تتورط فيها أكثر من جهة، لكن ما هو مستغرب استخدام صواريخ نوع كاتيوشا غير فعال أو واسع التدمير، مع العلم أن هذه الفصائل تمتلك أنواعاً عديدة من الصواريخ أكثر دقة وتأثيراً، ولكن يبدو أن هذه الفصائل تريد أن تمارس سياسية التخويف مع الأميركيين لا أكثر".


ويعتبر الخبير بالشأن الأمني العراقي، علي الطائي، أن استخدام أسماء أو مصطلحات مثل "جماعة الكاتيوشا"، أو "مليشيات منفلتة"، أو "جهات خارجة عن القانون"، تعني بكل تأكيد أنها مليشيات يتجنب الجميع الاصطدام بها، ولو كانت غيرها لتمت تسميتها بالاسم المباشر، وهو ما بات معروفا في العراق، مضيفاً أنّ "المصطلح بحد ذاته يعبر عن ضعف الحكومة العراقية وسطوة المليشيات في البلاد التي تستقوي بإيران".

وتبرأ القيادي في مليشيات "كتائب سيد الشهداء" أحمد المكصوصي، من استهداف السفارة بالهجوم الأخير، قائلاً في مقابلة متلفزة، إنّ "الضربة التي استهدفت السفارة الأميركية في بغداد لم تنفذها فصائل المقاومة، فضربات هذه الفصائل ثقيلة، كما أنها تتبنى الضربات التي تنفذها"، مبيناً أنه "من الممكن أن تكون هناك جهات تحاول الاصطياد بالماء العكر، خلف هذه الضربة"، دون أن يسميها.

دلالات
المساهمون