انتكاسة اليسار التونسي في الرئاسيات: ضربة قاضية أم سقوط مرحلي؟

20 سبتمبر 2019
حصل الهمامي على 0.69 % من الأصوات(الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

كشفت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس، عن سقوط مدوٍّ لمرشحي اليسار التونسي، فلم يحظ أي من حمة الهمامي ومنجي الرحوي وعبيد البريكي بفرصة المرور إلى الدور الثاني، ليدخل اليسار التونسي في أحلك فتراته.

وخيّب مرشحو اليسار آمال الأنصار، لتكشف نتيجة هذه الأحزاب وزعمائها عن مفاجأة، إذ حصل زعيم حزب العمال حمة الهمامي على نسبة 0.69 في المائة من الأصوات بحسب النتائج الرسمية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وبلغ عدد المصوتين لشيخ اليسار الهمامي 23253 ناخباً فقط، أي أقل بكثير من حجم التزكيات الشعبية التي جمعها والتي بلغت 32236 تزكية.

أما القيادي البارز في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد النائب المنجي الرحوي، فقد حصل على نسبة 0.81 في المائة من الأصوات فقط، أي أن عدد المصوّتين لم يتجاوز 27346 صوتاً بحسب هيئة الانتخابات، في وقت جمع الرحوي تزكيات 11 نائباً في مجلس النواب، غالبيتهم من نواب الجبهة الشعبية، بما يعني أنه تقدّم بما يفيد وزنهم الانتخابي وحجمهم في المناطق. أما زعيم حزب "تونس إلى الأمام" الوزير السابق عبيد البريكي فهو يقبع في ذيل نتائج المرشحين بنسبة ضعيفة، بلغت 0.17 في المائة، أي أنه حصل على 5799 صوتاً، أي أقل من نصف عدد التزكيات الشعبية التي جمعها ليُسمح له بخوض غمار الرئاسة، إذ يفترض أن يكون المرشح مدعوماً من 10 آلاف تزكية من الناخبين على الأقل. وأعلن البريكي استقالته من الأمانة العامة للحزب، موضحاً أنّ هذه الاستقالة تأتي على خلفية النتائج التي حققها الحزب، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية.

وتدعو هذه الأرقام إلى الدهشة والتساؤل، فكيف يمكن لمواطن منح تزكيته لمرشح، ألا يصوّت لصالحه يوم الانتخابات؟ وكشفت النتائج الإجمالية واقعاً انتخابياً مريراً وصادماً لرموز اليسار التونسي ومرشحيه، الذين عجزوا عن تجاوز نسبة 1 في المائة من أصوات الناخبين، بل إنهم غير قادرين على جمع الحد الانتخابي الأدنى، المقدر بـ3 في المائة، وهي نسبة الحسم التي ستمكّنهم من استعادة نفقاتهم المالية الانتخابية. وأظهرت الانتخابات حقيقة الخزان الانتخابي لليسار التونسي الذي لا يتجاوز في إجماله 2 في المائة، إذ تبلغ نسبة المصوتين لممثلي اليساريين 1.67 في المائة، بعدد أصوات إجمالي بلغ 56389 صوتاً، أي أقل بكثير من مرشحين مستقلين يفتقرون للتجربة الحزبية والخبرة الانتخابية والماكينة الدعائية الشعبية.



ورأى المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نتائج الانتخابات الرئاسية المبكرة تفتح باب التأويل على مصراعيه أمام حقيقة أحزاب اليسار التونسي، مشيراً إلى تراجع مدوٍ لزعمائه ورموزه وقيادته. وأوضح أن النتائج تكشف فرضيات ثلاث، وهي أن حجم اليساريين وأنصارهم ينحسر في هذه النسب من التصويت، وهي الفرضية الأضعف، فيما يمكن اعتبار أن المرشحين الثلاثة لم يكونوا جديرين بثقة جمهور اليسار لاعتبارات عدة، من بينها الصراع بين المرشحين حمة الهمامي ومنجي الرحوي، الذي وصل إلى الدرك وأساء لتاريخ اليسار ورموزه وشهدائه، وهو صراع كشف عن نرجسية وحب للذات لدى طرفي النزاع على حساب تاريخ الانتماء الذي جمعهما، ومستقبل البناء اليساري الذي كان ينتظرهما. أما الفرضية الثالثة، بحسب المؤدب، فهي أن جمهور اليسار، وعلى الرغم من عقيدته العمياء في اتباع رموزه وزعمائه، فإنه لم يعد يرى في زعمائه بديلاً، فكيف بجمهور الناخبين من عموم الشعب الغاضب على منظومة الحكم بأسرها، حتى ينحاز لزعماء بلا برامج وبلا رؤى. ولفت المحلل السياسي إلى أن الأمر يتجاوز الصدمة إلى انتكاسة حقيقية لليسار التونسي الذي يتضاءل حجمه، ونفرت قاعدته وهجره أنصاره، مشيراً إلى أهمية تواجد اليسار في المشهد السياسي والحزبي التونسي، كعنصر توازن صحي في المنظومة السياسية، لأن في اضمحلاله اختلالا في النظم.

ويمتاز اليسار التونسي بصوته العالي، وحضوره الكثيف في المنابر الإعلامية، وصيته البارز خارجياً كأحد مكونات المشهد السياسي العام. وعلى الرغم من سقوطه في صناديق الاقتراع في الرئاسيات، فإن زعماءه ما زالوا يطرحون أنفسهم بديلاً في الانتخابات التشريعية، بحثاً عن موطئ قدم في البرلمان. وعلى الرغم من تداعيات الانقسامات التي عرفها ائتلاف "الجبهة الشعبية"، الذي كان يمثل رقماً وازناً في المعارضة البرلمانية بـ15 مقعداً، فإن آثار الصراعات يمكن أن تؤثر بشكل كبير في الانتخابات التشريعية، بما يهدد تواجد اليساريين في المجلس المقبل بشكل فاعل، إذ يفترض القانون البرلماني لتشكيل كتلة نيابية، تجمعاً من 7 مقاعد على الأقل.

وبينت نتائج الانتخابات تقدماً طفيفاً للرحوي على الهمامي بـ12 في المائة، وهي نسبة فارقة يمكن أن يعتمدها أنصاره وقوداً في صراعه المتواصل مع الهمامي على زعامة اليسار، في وقت وجب أن يتم استخلاص الدروس وتجميع الشتات. وقال الهمامي، في بيان له إثر الانتخابات، "لقد خضنا هذه الحملة بشرف ونظافة، ودافعنا عن برامجنا ومواقفنا وقيمنا من دون تردد أو حسابات انتخابية ضيقة، لقناعتنا بأننا ندافع عن مشروع وطني كبير، لا يتوقف عند مناسبة انتخابية مهما كانت أهميتها". وأضاف "ولئن كانت النتائج من دون المأمول بالمرة، فما هي إلا معركة سياسية خضناها في وضع خاص موضوعياً وذاتياً، وما علينا في هذه اللحظة إلا مواصلة شد الهمّة، والتركيز مباشرة ومن دون إضاعة وقت على الانتخابات التشريعية التي تبقى الأهم، بل والتي تزداد أهميتها وفقاً للنتائج الأولية للرئاسية، وسيكون لنا لاحقاً الوقت للتقييم والنقد والتغيير بما يخدم مشروعنا الذي لن نتخلى عنه مهما كانت الضغوط والإكراهات". ويعكس هذا الموقف سعياً لطي صفحة الانتخابات الرئاسية بسرعة والحد من انعكاساتها على التشريعية، لأنها إذا تواصلت فستقضي على ما تبقى من اليسار وتضعه في خلفية المشهد لخمس سنوات كاملة.

دلالات
المساهمون