"كمين المقابر" في سيناء: حصر المشاركين في الجنازات ومنع الزيارة

14 سبتمبر 2019
أنشأ الأمن كميناً عسكرياً قرب المقابر جنوب العريش (Getty)
+ الخط -
كما أن الحياة في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، باتت في أسوأ ظروفها منذ عقود، في ظلّ تردي الأحوال الأمنية والاقتصادية والصحية والتعليمية، فإن الموت أيضاً في المحافظة يخضع لتضييقات أمنية، تشمل تحديد أعداد المشاركين في الجنازات المسموح لهم بدخول المقابر، والقادمين لزيارة موتاهم. وفي ما يشكل سياسةً جديدة، بدأ الأمن المصري بإنشاء كمين عسكري قرب المقابر جنوب مدينة العريش في شمال سيناء، في حين يصعب الوصول إلى مقابر مدينتي رفح والشيخ زويد، ما زاد من معاناة المواطنين، حتى في جنازاتهم وزيارة موتاهم، وأحدث حالة من السخط في صفوفهم، في ظل التجاهل الحكومي لهذه الأزمة المستمرة منذ أشهر.

وفي التفاصيل، قال أحد العاملين في مقابر العريش لـ"العربي الجديد"، إن الأمن المصري أنشأ كمين "المقام" قرب المقابر في 30 إبريل/نيسان الماضي. ومنذ ذلك الحين، تشهد الحركة إلى المقابر تضييقات مستمرة من قبل قوة الكمين والضباط العاملين فيه، بحسب المصدر، من خلال طلب بطاقة هوية كل مواطن يأتي لزيارتها، وحجز البطاقة حتى مغادرته، في حال تمت الموافقة على الدخول أصلاً. وفي كثير من الأحيان، ترفض القوة الأمنية السماح للمواطنين بزيارة موتاهم، وقد تعمد إلى احتجازهم أحياناً، وتحويلهم إلى مراكز أمنية للتحقيق معهم في إطار التحري، ما أحدث حالة نفور لدى المواطنين من زيارة المقابر أخيراً، خوفاً من التعرض للاعتقال أو منع الدخول، وهو أمر لم يعتد عليه المواطنون طيلة كل العقود الماضية.



وأضاف المصدر أن الأمن يحدد عدد المشاركين المسموح لهم بدخول المقابر، على الرغم من أنه لم يسجل وقوع أي حدث أمني داخلها أو في محيطها طيلة السنوات الماضية، وكذلك على الرغم من أن كل من يدخل المقابر يترك بطاقته لدى الأمن في الكمين، وبالتالي لا يمكن لأي شخص مشارك في الجنازة أن يرتكب أي خطأ في ظل معرفة الأمن بهويات جميع الحاضرين. ولذلك يسود اعتقاد لدى غالبية المواطنين أن ما يجري في مداخل المقابر يخضع لمزاجية الضابط المناوب في الكمين، فإما أن يسمح بمرور الجنازة، أو التضييق عليها بنسب مختلفة، وهذا ما ترك الأثر الواضح على أعداد المشاركين في الجنازات، في ظل توقّع رفض دخولهم للمقابر من قبل الأمن، من دون أي سبب يذكر، بعد المعاناة التي يلقونها في طريق الوصول لمنطقة المقابر.

ولطالما اشتكى سكان مدينة العريش من "كمين المقابر"، وناشدوا في محطات عدة المسؤولين الأمنيين والحكوميين بالتحرك لإلغاء عمل الكمين المتعلق بالجنازات وزيارة الموتى، إلا أن كل المناشدات لم تفلح في تغيير الوضع القائم على بوابة المقابر منذ أكثر من أربعة أشهر على التوالي، علماً أن جنازات أقارب المسؤولين وأصحاب النفوذ لا تدخل في نطاق هذا التضييق التي يفرضه الأمن على جنازات المواطنين العاديين، ما وضع هذه القضية خارج قائمة أولويات إدارة المحافظة، والجهات المعنية. وتبقى الأزمة مستمرة حتى إشعار آخر، ومعها تتضاعف المعاناة، وتزيد من صعوبة الحياة في المحافظة منذ ست سنوات، في ظل خضوع كل الملفات الحياتية لتحكّم قيادة عمليات الجيش المصري، بصفتها منطقة عسكرية مغلقة، وتقع ضمن حالة الطوارئ الدائمة.

وتعقيباً على ذلك، قال أحد مشايخ سيناء، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الأمن المصري، بمن فيه الجيش والشرطة، لم يتركا أي ملف يمكن أن يشكل ضغطاً على السكان في سبيل ترك المنطقة إلا واستخدموه، فلا الأحياء ولا الأموات في منأى عن التضييق الذي يجري فرضه على المواطنين، من دون أي سبب أو تهمة سوى أن هؤلاء صامدون على أرض سيناء، في ظل الرغبة الواضحة لدى النظام المصري في اتجاه دفعهم إلى الهجرة القسرية خارج المحافظة. هذه الممارسات تعرضت لها مدينتا رفح والشيخ زويد، ومنذ أكثر من عامين مدينة العريش، إلى أن دخلت مدينة بئر العبد أخيراً على الخط ذاته، وبتسلسل الأحداث ذاته الذي جرى في المدن السابقة. واعتبر المصدر أن "كل الخطوات التي يقوم بها الأمن تأتي ضمن خطة مدروسة لتضييق الحياة على المواطنين، بما فيها الجنازات وزيارة الأموات".

وأوضح الشيخ القبلي أن "ممارسات قوات الأمن على بوابة المقابر لم يقدم عليها أي حاكم سابقاً، حتى الاحتلال نفسه، ولا تخضع أي مقبرة لهذا الكم من التضييق في كل الجمهورية عدا سيناء، الذي يذكّرنا من مشاهد حصر الأعداد في مقابر العريش، إلى حجز البطاقات، وصولاً لمنع الكثيرين من الزيارة، بما يحصل في دفن المسجونين والمعدمين من قبل النظام الحالي". ورأى الشيخ أن الأمن "يعامل كل أهالي سيناء على أنهم مطلوبون، ومن يمت منهم يعامل كمن هو في سجن عسكري، وهذا هو المشهد الذي يراد أن يخرج لأهالي سيناء بأنهم لا يستحقون حياة كريمة، ولا حتى جنازة تحفظ لهم كرامة الموت". وأكد أن المواطنين في المنطقة "يعيشون قمة الإذلال والإهانة، لكن لن نترك الأرض مهما بلغت الظروف، فقد عشنا في ضيق ومستعدون للموت في ضيق".

وعلى الرغم من كافة أشكال التضييق على جميع نواحي الحياة، إلا أن هجمات تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" لا تتوقف في كافة أنحاء محافظة شمال سيناء، بما فيها أحياء مدينة العريش وليس أطرافها فحسب، موقعةً خسائر مادية وبشرية في صفوف الجيش والشرطة والمدنيين على حد سواء، في حين أن الأخيرين هم من يدفعون الفاتورة على كلا الوجهين، من الأمن والتنظيم، ما يشير إلى وجود خلل في المنظومة الأمنية والاستراتيجيات المتّبعة في مواجهة التنظيم، والتركيز على ملفات هامشية والابتعاد عن جوهر الصراع، كما يرى المتابعون لهذا الشأن.