مصر: القضاة يتملصون من أكاديمية السيسي لتأهيل الشباب

12 سبتمبر 2019
لم يرسل القضاء أسماء المقبولين للتعيين (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
خاطبت وزارة العدل المصرية كلّاً من مجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة للإسراع في موافاتها بأسماء الناجحين في المقابلات الشخصية، للالتحاق حديثاً بالعمل القضائي من بين خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون، وذلك حتى يتم توزيعهم على دفعات، لتلقي دروس ومحاضرات في الأكاديمية الوطنية للشباب، تأكيداً على تمسك السلطة الحاكمة بضرورة استخدام هذه الأكاديمية كأداة ترشيح أخيرة ونهائية لاختيار القضاة، شأنهم في ذلك شأن المتقدمين للعمل الدبلوماسي والوظائف الحكومية الأخرى. وقالت مصادر في الوزارة إن الدائرة الخاصة برئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي يعتريها الغضب من مجلس الدولة ومجلس القضاء، بسبب عدم قبولهما حتى الآن إرسال المقبولين مبدئياً للتعيين فيهما إلى الأكاديمية لتلقي المحاضرات وترشيحهم مرة أخرى، وذلك رغم تنبيه السيسي على جميع الهيئات القضائية، منذ ما قبل التعديلات الدستورية الأخيرة، بضرورة استيفاء عملية الالتحاق بالأكاديمية كشرط أساسي لإصدار القرارات الجمهورية بتعيين القضاة ووكلاء النيابة الجدد.

وأضافت المصادر أن مجلس القضاء الأعلى طلب من السيسي، عبر مخاطبات رسمية، أن يعفي وكلاء النيابة من الالتحاق بالأكاديمية، مقابل إضافة بعض المواد والمناهج الخاصة بحروب الجيل الخامس والعلاقات الدبلوماسية واستراتيجية السياسة المصرية، وغيرها من المواضيع التي تركز عليها الدراسة في الأكاديمية، إلى ما يدرسه القضاة الشباب فور التحاقهم بالعمل القضائي في معهد الدراسات القضائية التابع لوزارة العدل، خصوصاً أن هناك سوابق، بعد عام 2013، بتدريس مواد ذات طبيعة أمنية واستراتيجية في هذا المعهد.

وأوضحت المصادر أن السيسي رفض هذا المقترح تماماً، لأنه يقضي على الهدف الرئيس من التحاق المرشحين بالأكاديمية، وهو اختبارهم عملياً والتعرف إلى توجهاتهم الفكرية والسياسية عن قرب، لاستبعاد ذوي التفكير النقدي والآراء المعارضة لتوجهات السلطة، حتى وإن كان أصحابها مؤيدين للنظام بمعناه الواسع، فضلاً عن صقلهم بمهارات وأفكار يرى السيسي ضرورة تمتع جميع العاملين بالدولة بها. وما زال السيسي يرفض التصديق على تعيين دفعتين كاملتين من المقبولين للتعيين بمجلس الدولة بسبب امتناع المجلس عن إرسال أوراق المقبولين للأكاديمية، اعتراضاً منه على أن يكون القرار النهائي في القبول أو الرفض لإدارة الأكاديمية، خوفاً من أن تصدر القائمة النهائية للتعيينات خالية من عشرات الأسماء التي كان قد تم اختيارها بمعيار الكفاءة والتفوق الدراسي، نظراً لورود تحريات جديدة زعمت انتماء بعض أقاربهم من الدرجة الثالثة أو الرابعة لجماعة "الإخوان المسلمين"، كما حدث في دفعة النيابة العامة الأخيرة، أو بسبب ملاحظات على أدائهم خلال الدراسة بالأكاديمية.

وأشارت مصادر الوزارة إلى أنه تم توجيه كتاب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى جميع الوزارات، بسرعة التواصل مع الأكاديمية لحجز مواعيد لإلحاق الموظفين الجدد والشباب بها لتلقي دورات دراسية مكثفة، مع مطلع عامها الدراسي الذي يبدأ هذا الشهر. ولفتت إلى أن المؤتمر الثامن للشباب، الذي سيقام السبت المقبل، بحضور السيسي، سيكون على رأس أهدافه الترويج داخل الأجهزة الحكومية لأهمية وحيوية الدور الذي تلعبه الأكاديمية في إعداد القيادات الجديدة في كل المجالات الوظيفية.

وكان "العربي الجديد" قد انفرد، في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بنشر معلومات عن تنظيم دورات تدريبية للخريجين الجدد، المختارين للالتحاق بهيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة، في الأكاديمية الوطنية التي أنشأها السيسي لتفريخ جيل جديد من العناصر الإدارية الموالية له، تمهيداً للدفع بها في الجهاز الإداري للدولة والأجهزة السيادية والرقابية. وعندما عرضت المسألة على مجلسي الدولة والقضاء الأعلى، اعترض عدد من كبار القضاة عليها، مبدين تخوّفهم من الآثار السلبية لما قد يُخلفه هذا الاتجاه الجديد، ليس فقط على المحصلة القانونية للقضاة الجدد ومدى قدرتهم على استيعاب القضايا المعروضة أمامهم وإدراك مفاهيم العدالة، بل أيضاً على علاقتهم بزملائهم الأقدم والأكثر خبرة، وانضمامهم إلى الحقل القضائي محملين بأفكار وانتماءات تتناقض مع السمات المفترض تمتع القضاة بها، كالحياد والنزاهة والابتعاد عن السلطة التنفيذية. ووافق السيسي، بعد إلحاح ووساطات، على تعيين دفعة استثنائية واحدة للنيابة العامة، من دون المرور على الأكاديمية نظراً للنقص الحاد في عدد وكلاء النيابة. ويدرس المرشحون في الأكاديمية نصف المواد ذات الطبيعة القانونية، التي يدرسها قضاة سابقون وحاليون، والنصف الآخر منها ذات طابع أمني وعسكري وسياسي ودبلوماسي، حيث يلقنون محاضرات عن حروب المعلومات والأمن الاستراتيجي، شبيهة بالمواد التي يدرسها طلاب أكاديمية ناصر العسكرية.

المساهمون