كيف استطاعت الاستخبارات الأميركية اختراق دائرة بوتين؟

11 سبتمبر 2019
الموظف المشتبه بعمالته كان مطلعاً على معلومات "حساسة للغاية"(Getty)
+ الخط -
ذكرت صحيفة "فيدوموستي" الروسية في عددها الصادر اليوم الأربعاء، أن الموظف السابق بالرئاسة الروسية، أوليغ سمولينكوف، المشتبه بعمالته لصالح وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي) كان مطلعاً على معلومات "حساسة للغاية".

وأوضح مصدر مقرب من الأجهزة الخاصة الروسية لـ"فيدوموستي" أن سمولينكوف عمل في السفارة الروسية لدى الولايات المتحدة في عهد السفير يوري أوشاكوف؛ الذي يتولى حالياً منصب معاون الرئيس الروسي للسياسة الخارجية؛ ثم في ديوان الحكومة، وكبيراً للمستشارين بمكتب أوشاكوف لمدة لا تقل عن خمس سنوات كان مطلعا خلالها على معلومات استخباراتية.

إلى ذلك، أشار مصدر الصحيفة في أحد الأجهزة الأمنية الروسية، إلى أن سمولينكوف شغل على امتداد مسيرته الدبلوماسية الوظائف مثل المستشار أو المعاون، ولم يكن مطلعاً على البيانات السرية لا أثناء عمله بالسفارة ولا بالرئاسة الروسية، ولكنه ربما كان يحصل على معلومات تهم المخابرات الأميركية من الأحاديث مع زملائه.

وأضاف أن سمولينكوف كان يبدي أحياناً "فضولاً مفرطاً"، ولكن الزملاء ربما كانوا صريحين إلى حد كبير في المحادثات معه، إذ كانوا يعرفونه منذ سنوات. ورجح أن شهادة سمولينكوف هي التي جاءت تأكيداً لفرضية المخابرات المركزية بشأن التدخل الروسي المزعوم في انتخابات الرئاسة الأميركية، قائلاً: "لم تكن تتوفر لديه أي معلومات، ولكن الاستخبارات الأميركية لم تكن تحتاج إلى شهادته، وإنما إليه بشخصه بصفته، موظفاً بالرئاسة الروسية يتعاون مع "سي آي أي" ويقول ما يريدون سماعه".


وفي هذا الإطار، يعتبر الخبير في العلاقات الدولية، فلاديمير فرولوف، أن تجنيد موظف شاب بسفارة أجنبية قبل ترقيته، تحت رعاية مسؤول حكومي يتمتع بنفوذ، هو أسلوب كلاسيكي للتجسس وحظ كبير لأية مخابرات.
ويقول فرولوف في حديث لـ"العربي الجديد": "يجب ألا يكون العميل مسؤولاً رفيعاً مطلعاً على الأسرار الأكثر حساسية، لأن مثل هؤلاء الأشخاص يقعون تحت مراقبة الاستخبارات المضادة، ويصعب من وجهة النظر الفنية إجراء اتصالات سرية معهم. في المقابل، فإن موظفاً متوسطاً تربطه علاقات ثقة بكبير حاملي الأسرار، هو الموقع المناسب للعميل الثمين".
ويُرجح أنه تم تجنيد سمولينكوف أثناء عمله بالسفارة الروسية في واشنطن في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، مضيفاً: "لم ينتبه أفراد الاستخبارات المضادة بجهاز المخابرات الخارجية الروسية لعملية تجنيد الدبلوماسي، ولكنّ تحديد مثل هذا "الخلد"، من دون إشارة من مصادر باستخبارات العدو، يكاد يكون مستحيلاً".
ومع ذلك، يستبعد فرولوف أن يكون سمولينكوف بحكم وظيفته، مطلعاً على معلومات تثبت بشكل قاطع حقيقة التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، والدور الشخصي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في قيادة العملية، قائلاً: "يبدو أن سمولينكوف قرأ ما تكتبه وسائل الإعلام الأميركية، وكذب بأنه سمع ذلك من مديره، وهو أسلوب كثيراً ما يلجأ إليه المصادر للزيادة من شأنهم".

وفي ما يتعلق بالدروس التي قد تستخلصها روسيا من واقعة سمولينكوف، يتابع: "ستكون التداعيات هي إعادة النظر في بعض الجوانب لعمل الاستخبارات المضادة وحماية أسرار الدولة، بما فيها تكثيف الاستعلامات عن حاملي الأسرار، ومن ضمنها استخدام جهاز كشف الكذب، وفرض قيود إضافية على زياراتهم الخاصة إلى الخارج".
وكانت شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية قد ذكرت مطلع هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة نفذت في عام 2017 مهمة سرية لإخراج أحد أعلى مصادرها داخل السلطة الروسية، خشية من أن يؤدي سوء تعامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإدارته مع الاستخبارات السرية إلى انكشاف الجاسوس.
وأوضحت "سي إن إن" أن قرار استخراج العميل اتُخذ في أعقاب لقاء عقده ترامب مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والسفير الروسي في واشنطن في ذلك الوقت، سيرغي كيسلياك، وناقش معهما معلومات استخباراتية سرية متعلقة بتنظيم "داعش" في سورية قدمتها إسرائيل.

وفي الوقت الذي لم تكشف فيه الشبكة الأميركية عن اسم العميل، أشارت الصحافة الروسية إلى أن الموعد المذكور لعملية الإجلاء، يتزامن مع اختفاء سمولينكوف وعائلته بعد سفرهم إلى جمهورية الجبل الأسود، الواقعة في شبه جزيرة البلقان لقضاء عطلتهم في صيف 2017.
وأكد الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، هو الآخر، أن سمولينكوف كان يعمل بديوان الرئاسة حتى تسريحه قبل بضع سنوات، مشيراً إلى أنه لم يكن معيناً بمرسوم رئاسي، رافضاً إبداء مزيد من التعليقات.

بدورها، رصدت صحيفة "كوميرسانت" عبر قسم مبيعات العقارات بموقع "واشنطن بوست" بيانات تفيد بشراء سمولينكوف وزوجته أنطونينا، منزلاً فاخراً في مدينة ستافورد في ولاية فرجينيا الأميركية في عام 2018 بقيمة 925 ألف دولار.
وأفادت وكالة "نوفوستي" اليوم، نقلا عن جيران سمولينكوف، بأن الأسرة سارعت لمغادرة المنزل على متن سيارتين، بعد رؤيتها صحافياً أميركياً كان في انتظارهم.