انفجار معهد الأورام: ثغرات الرواية المصرية تزيد الشكوك

10 اغسطس 2019
فشلت الشرطة بتقديم دلائل حول العملية (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

كعادتها في أعقاب العمليات الإرهابية الكبرى التي تزيد الشارع المصري خشيةً من المستقبل واحتقاناً بسبب الفشل الأمني المتتالي، جاءت الرواية الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية المصرية عن حادث الانفجار الذي وقع أمام معهد الأورام في منطقة قصر العيني، مساء الأحد الماضي، مكتظة بالثغرات والقفزات غير المفهومة أو المبررة، والتي تزيد غموض الحادث ولا تحل ألغازه، وتفاقم الشعور العام لدى الشعب المصري بعجز الشرطة عن حمايته. هذه الثغرات تدعم أيضاً الأسباب التي تستند إليها الأصوات المروجة لنظرية المؤامرة ولأقاويل علم الدولة المسبق ببعض العمليات الإرهابية، لتعزيز سياسات القمع التي يتبعها نظام عبد الفتاح السيسي.

الثغرة الأولى، التي ظهرت منذ اليوم الأول لتعامل وزارة الداخلية مع الحدث، هي توجيه الاتهام الجاهز لحركة "حسم" بالمسؤولية عن الانفجار، بالرغم من نفي الحركة ضلوعها فيه، وفشل الشرطة في تقديم أيّ دليلٍ على استمرار الحركة في ممارسة نشاطها من الأساس منذ عامين على الأقل، خصوصاً بعد إلقاء القبض على معظم المتهمين الذين توصلت إليهم التحريات، والذين ضلعوا في الأحداث السابقة التي أعلنت الحركة مسؤوليتها عنها، وتقديمهم للمحاكمة في قضايا عدة، كان آخرها العام الماضي.


وتعكس هذه الثغرة ضعف البنية المعلوماتية وكفاءة جمع البيانات لدى الشرطة المصرية، تماماً كما حدث في عملية كمين الواحات الشهيرة في خريف العام 2017، عندما وجهت الشرطة اتهاماتها لتنظيمات قائمة، ثم تبين أن الخلية المتورطة، والتي أعلنت مسؤوليتها، هي خلية جديدة تعمل بشكل منفصل هيكلياً عن تنظيم "المرابطين" في ليبيا، وحينها منذ أشهر عدة، في صحراء مصر الغربية من دون أن تعلم عنها السلطات شيئاً بتاتاً.

الثغرة الثانية في الرواية هي عدم توضيح الوجهة النهائية لـ"السيارة المفخخة والإرهابي الانتحاري"، فإذا كانت النتائج التي توصلت إليها الشرطة حقيقية وسليمة بشأن هوية "الانتحاري عبد الرحمن خالد محمود"، وأنه بالفعل من قاد السيارة المفخخة، والشخص الذي التقطت صورته كاميرات المراقبة في الطريق المؤدية لموقع الحادث، فلا يوجد ذكر في رواية الداخلية للوجهة التي كان ينوي الانتحاري (عبد الرحمن خالد أو غيره) استهدافها بالفعل.

وبالرغم من أن الرواية الرسمية ذكرت أن الشرطة ألقت القبض على شقيق عبد الرحمن خالد، إبراهيم خالد، لفترة من الزمن قبل أن يحاول الهروب بصحبة زميل له يدعى إسلام قرني فتمت تصفيتهما معاً، إلا أنها لم توضح ما إذا كان إبراهيم، شقيق الانتحاري المفترض، قد أدلى بأي معلومات تخص الوجهة النهائية للعملية الانتحارية، بالرغم من أن الطبيعي هو الإدلاء بهذه المعلومات الأساسية في سياق جمع المعلومات عن الحادث.

وعلى ما يبدو، فإن وزارة الداخلية نفسها متشككة في أن يكون معهد الأورام هو الوجهة النهائية للعملية، إذ استخدمت تعبير "سارت عكس الاتجاه بطريق الخطأ" في وصفها لتحرك السيارة قبل انفجارها، قادمة من شارع صلاح سالم ثم شارع سور مجرى العيون، لتدخل في اتجاه معاكس إلى شارع كورنيش النيل المتجه أساساً نحو المعادي، جنوب القاهرة، بدلاً من الدخول إلى شارع قصر العيني المتجه شمالاً نحو مجلس الوزراء ومجلس النواب وميدان التحرير وسفارتي بريطانيا والولايات المتحدة، وعدد من الفنادق الفارهة، لكنها لم تعط أي حل لهذا اللغز.

من هنا تبرز الثغرة الثالثة، وهي العجز عن إثبات علاقة الشاب المقبوض عليه حسام عادل، والشبان الذين تمت تصفيتهم وعددهم 17، بالعملية الإرهابية ذاتها، ذلك لأن استناد الداخلية في إجرائها عملية التصفية الواسعة هذه إلى المعلومات المستقاة من كلا المتهمين، المقتول إبراهيم خالد والمقبوض عليه حسام عادل، لم يسفر عن التوصل لأي معلومات إضافية عن الحادث، وما إذا كان الانتحاري (بالافتراض أنه عبد الرحمن خالد) مرتبطاً بعلاقة تنظيمية بهؤلاء المقتولين، والذين زعمت الشرطة أنها قتلت ثمانية منهم في إطسا بالفيوم، وسبعة في الشروق، شرق القاهرة، واثنين آخرين في مكان غير معلن.

وبالتالي فإن محاولة "تفصيل" العلاقة بين المقتولين والعملية الإرهابية، تعيد إلى الأذهان محاولات الداخلية المستمرة لإخفاء الحقيقة في العديد من الأحداث السابقة واختلاق روابط سببية وتنظيمية غير منطقية بين مجموعات تم القبض عليها أو تصفيتها وبين عمليات كبرى، كما حدث في معظم عمليات الصحراء الغربية عندما كانت الشرطة تعلن بعد كل حادث بأيام "الثأر" ومقتل عدد من التكفيريين في معسكرات ومزارع بمحافظات الصعيد، ثم تتبين لاحقاً مسؤولية جماعات أخرى أكثر تنظيماً، وتنتشر قصص عن سابقة القبض على بعض المعتقلين أو المقتولين بمناسبة العمليات الجديدة.

أما الثغرة الرابعة، فهي أن مقطع التسجيل الصوتي المنسوب للمقتول إبراهيم خالد، شقيق المتهم بالعمل الانتحاري، مع المتهم الهارب المدعو محمد عايش، يعتبر دليلاً على عدم العلم بالتفاصيل، أكثر من كونه برهاناً على إلمام المقتول ورفاقه بما حدث، إذ تحدث إبراهيم خالد عن شقيقه بأنه رفض ضمان قناة دائمة للتواصل معه، كما كان المتهم الهارب، الذي تنسب له الشرطة الإعداد والتخطيط والتمويل، لا يعلم مستجدات الموضوع من الأصل، وبدا وكأنه يبحث عن عبد الرحمن خالد.

أما الثغرة الخامسة فهي الطريقة التي تحدث بها المتهم الوحيد المعتقل حالياً، حسام عادل، في المقطع القصير الذي أذاعته الشرطة، والتي تكاد تكون متطابقة مع بيان الداخلية، وكأنه يقرأ من ورقة أو تم تحفيظه كلاماً بشكل مسبق، فلم يدل بأي كلمة إضافية يمكن تفسيرها بأنها عفوية، فضلاً عن الادعاء بأنه من نظّم لقاء أخيراً للانتحاري مع أفراد أسرته في حديقة الأزهر وسلمه السيارة المفخخة، وذلك من دون توضيح كيفية الحصول عليها وهي مسروقة، وأين قضى المتهم الساعات الفاصلة بين هذا اللقاء والحادث.

وأعلنت وزارة الداخلية المصرية، مساء أمس الأول الخميس، تصفية 17 شاباً بزعم أنهم خلايا عنقودية تابعة لحركة "حسم"، ومسؤولة عن حادث تفجير السيارة المفخخة أمام معهد الأورام التابع لجامعة القاهرة. 

وتحدثت الوزارة في بيان، عن تصفية ثمانية أشخاص بزعم "تشكيلهم خلية تابعة لحركة حسم بعد مداهمة أحد المنازل بمدينة أطسا في محافظة الفيوم"، قائلة إنهم "حاولوا إطلاق النار باتجاه القوات التي حاولت اقتحام المنزل".

كما أعلنت تصفية سبعة آخرين في إحدى الوحدات السكنية التابعة لمشروع الإسكان الاجتماعي في مدينة الشروق بمحافظة القاهرة، بدعوى مشاركتهم في التخطيط للتفجير.

وكان مصدر أمني قد أعلن عن تصفية شابين آخرين، على خلفية الحادث ذاته، ولم يتم توضيح تفاصيل تصفيتهما.


وذكرت الوزارة في بيانها أنها توصلت لهوية قائد السيارة التي انفجرت أمام معهد الأورام، مدعية أنها توصلت لهويته عقب مطابقة البصمة الوراثية له مع أفراد أسرته بمحافظة الفيوم.

كما ألقت الأجهزة الأمنية، بحسب البيان، القبض على شقيق الشخص، الذي قالت إنه قائد السيارة المنفجرة، ويدعى خالد، زاعمةً أنه كان أحد أفراد الخلية التي خططت للتفجير عبر نقله التكليفات من أعضاء الخلية خارج مصر إلى الأعضاء داخل مصر.  

المساهمون