ولا تزال تفاصيل ما جرى في جولة أستانة 13 غائبة، في ظلّ تضارب المعلومات من أطراف عدة في المعارضة والنظام سواء في ما يتعلق بالتفاصيل العسكرية للاتفاق أو بما يرتبط بالمشاورات بشأن اللجنة الدستورية.
وفي السياق، نفى عضو وفد "قوى الثورة العسكري" إلى محادثات أستانة، أيمن العاسمي، في حديث مع "العربي الجديد"، ما ذكرته وسائل إعلام عن أنّ الروس قالوا للوفد إنّ مهمة اللجنة الدستورية مناقشة دستور عام 2012 كما يطلب النظام، موضحاً أنّ "الدستور الجديد مبدأ متفق عليه إقليمياً ودولياً، ولن يكون النظام المقبل الذي يحكم سورية كما كان سابقاً، سيكون جديداً بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
ولفت إلى أن اتفاق الهدنة الذي أقرّ في جولة أستانة 13 "واضح"، مشيراً إلى أنّ البعض "حكم عليه انطلاقاً من مواقف مسبقة". وتابع "ما جاء في الاتفاق ليس جديداً، بل هو تأكيد على مضمون اتفاق سوتشي المبرم بين الجانبين الروسي والتركي في سبتمبر/ أيلول من العام الفائت، والذي نصّ على سحب السلاح الثقيل من المنطقة منزوعة السلاح، وتراجع قوات النظام إلى مسافات معينة، على أن تتولى نقاط مراقبة تركية وروسية الإشراف على تطبيق الاتفاق".
وأوضح العاسمي أنّ وفد المعارضة السورية العسكري قدّم في اجتماع أستانة 13 وثائق وأدلّة وصور أقمار صناعية، تثبت أنّ النظام هو من خرق اتفاق سوتشي في أواخر إبريل/ نيسان الماضي، وأنه هو من استهدف نقاط المراقبة التركية. وأشار إلى أنّ "المعارضة السورية المسلحة كانت تدرك أنّ النظام لن يلتزم بالاتفاق، وأنه سيخرقه، لذا احتاطت للأمر، وهذا ما يفسّر سرعة عودة الفصائل للدفاع عن ريف حماة الشمالي، مع بدء النظام عمليته العسكرية أواخر إبريل الماضي"، موضحاً أن المناطق التي استولت عليها قوات النظام "لم تكن محصنة ومن الصعب الدفاع عنها".
ولفت العاسمي إلى أنّ اتفاق وقف إطلاق النار الجديد "يمنح النقاط العسكرية التركية والروسية المنتشرة في محيط محافظة إدلب، دوراً أكبر في منع أي محاولة خرق للاتفاق من الطرفين"، مشيراً إلى أنّ المعارضة "خاضت معركة استنزاف مع قوات النظام والمليشيات المساندة لها، لمدة ثلاثة أشهر". وأكّد أنّ "اتفاق وقف إطلاق النار الجديد جاء لصالحنا"، مشيراً إلى أنّ "النظام لديه من يدعمه، أما المعارضة فليس لها حليف إلا تركيا". وتابع "هناك موازين إقليمية ودولية ومعادلات يجب أن يدركها الجميع قبل أن يطلق أحكاماً مسبقة".
وشدد العاسمي على أنّ وفد قوى المعارضة العسكري "كان متيقظاً تماماً في أستانة، ولم يقع في فخّ أو خديعة كما يروّج البعض في وسائل الإعلام"، معتبراً أنّ "من يتحدث عن خديعة وأفخاخ، يؤكد جهله التام بالحالة العسكرية والوضع الإنساني والقضية برمتها. فالأمر ليس مجرّد شعارات، والمسألة تتعلق بأرواح مدنيين، ومهجرين في العراء. نحن (وفد المعارضة السورية) أخذنا على عاتقنا العمل، بينما وقف كثيرون منتقدين من دون أن يقدموا شيئاً". وأكد العاسمي أنه "لا عودة لقوات لنظام إلى محافظة إدلب"، كاشفاً عن أنّ الإيرانيين في أستانة 13 لم يتدخلوا في الاتفاق الجديد "لا سلباً ولا إيجاباً"، وقال "جميع الأطراف وافقت على الاتفاق".
وحول تصريح زعيم "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، أبو محمد الجولاني، عن الاتفاق، ورفضه الانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح، تمنى العاسمي التحدّث عن الاتفاق "بشكل دقيق ومتوازن". وكان زعيم "هيئة تحرير الشام"، قال أوّل من أمس السبت، إنّ "الهيئة لن توافق على الانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، شمال غربي سورية، وفق ما نصّ عليه اتفاق التهدئة". وأفاد في حديث لصحافيين بأنّ "أستانة لم يكن لها أي دور في تطبيق الهدنة، وأن النظام طلبها من المعارضة أكثر من ثلاث مرات لكنها لم توافق". وأشار في سياق حديثه إلى أنّ "الهيئة رأت أنّ القرار الصائب حالياً في الهدنة، وهذا ما اتفقت عليه جميع الفصائل"، على حد تعبيره. وأضاف الجولاني أنّه "إذا أراد النظام وقفاً حقيقياً وشاملاً لإطلاق النار، فعليه الانسحاب من كل القرى والبلدات التي تقدّم إليها في حملته الأخيرة"، مؤكداً أنّ "ما لم يأخذه النظام عسكرياً وبالقوة، فلن يحصل عليه سلمياً بالمفاوضات والسياسة، ونحن لن ننسحب من المنطقة أبداً".
وكان النظام السوري قد سيطر على 18 مدينة وبلدة وموقعاً خلال شهر مايو/ أيار الماضي في ريف حماة الشمالي، أبرزها مدينة قلعة المضيق وبلدة كفرنبودة، وجاء اتفاق وقف إطلاق النار الجديد اعترافاً بخارطة السيطرة الجديدة، وفق ما كان يريد الجانب الروسي. وبدأت الهدنة مساء الخميس وفق تفاهمات أستانة 13، مع إعلان مصدر عسكري تابع للنظام "الموافقة على وقف إطلاق النار، شريطة أن يتم تطبيق اتفاق سوتشي الذي يقضي بتراجع المسلحين بحدود 20 كيلومتراً في العمق من خطّ منطقة خفض التصعيد في إدلب، وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة"، وفق ما نقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام عن هذا المصدر.
وليس من المتوقع أن تعمد "هيئة تحرير الشام"، والفصائل التي تدور في فلكها، إلى خرق الاتفاق من طرف واحد "لأن هذا الأمر يستدعي غضباً عليها من الأطراف كلها"، وفق مصادر مطلعة أشارت لـ"العربي الجديد" إلى أنّ تصريحات الجولاني "إعلامية لا أكثر ولا أقل".
في الأثناء، لا يزال الهدوء الحذر يسود شمال غربي سورية، ما خلا سقوط قذائف عدة أطلقتها قوات النظام أمس الأحد على قرية الزكاة ومحيط بلدتي مورك واللطامنة بريف حماة الشمالي. وأكّد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أنه لا يزال الهدوء الحذر سيّد الموقف في عموم شمال غربي سورية، مع دخول تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الجديد يومه الثالث على التوالي، مشيراً إلى أنه لا تزال طائرات النظام و"الضامن" الروسي تغيب عن الأجواء منذ قبيل البدء بتطبيق الاتفاق. وقال "المرصد" إنها "المرة الأولى التي يتوقف فيها القصف الجوي لأكثر من 48 ساعة منذ بدء التصعيد الأعنف" في إبريل الماضي.
من جانبه، لا يزال يصرّ النظام السوري على أن اتفاق التهدئة الجديد مشروط بانسحاب الفصائل المقاتلة إلى مسافة 20 كيلومتراً تطبيقاً لاتفاق سوتشي. وفي هذا الإطار، قالت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، إنّ موافقة الأخير على تطبيق الاتفاق "مرتبطة بصورة مباشرة بالأداء التركي"، زاعمةً أنّ الجانب التركي "ماطل منذ إعلان الاتفاق وحتى الآن في تنفيذ ما عليه من التزامات". وأضافت الصحيفة "لا تعطي المؤشرات الأولية حتى اللحظة أي أمل بتطبيق أنقرة لما تتعهّد به أمام حليفي دمشق روسيا وإيران، لتبقى استمرارية وقف إطلاق النار مرهونة بالممارسات التركية على أرض الميدان خلال الأيام المقبلة". ويحمل الكلام الذي أورته "الوطن" ما يؤكد نية النظام خرق الاتفاق تحت العديد من الذرائع التي لطالما اتخذ منها مداخل للفتك بالمدنيين من أجل إخضاع فصائل المعارضة.
في هذه الأثناء، رحبت الولايات المتحدة بحذر أمس الأحد، بوقف إطلاق النار بشمال غرب سورية، مشددة في الوقت ذاته على ضرورة إنهاء "الهجمات على المدنيين". وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، مورغن أورتاغوس، في بيان على هامش زيارة لوزير الخارجية مايك بومبيو إلى أستراليا، إنّ "ما يهم بالفعل هو أنّ الهجمات على المدنيين والبنى التحتية المدنية يجب أن تتوقف. سنُقدّر كل الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف المهم". وأضافت أورتاغوس "نحيي جهود تركيا وروسيا اللتين عملتا معاً لإعادة فرض وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه" في سبتمبر الماضي، شاكرةً للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس جهوده الشخصية في ملف إدلب. وأكدت واشنطن من جديد أنّ "لا حلّ عسكرياً للصراع السوري". وقالت أورتاغوس "وحده الحل السياسي بإمكانه ضمان مستقبل مستقر وآمن لجميع السوريين".