عدن: السعودية والإمارات تضحيان بالشرعية

12 اغسطس 2019
هدوء بالمدينة بعد سيطرة الانفصاليين عليها(نبيل حسن/ فرانس برس)
+ الخط -
انتظرت السعودية أربعة أيام حسم خلالها الانفصاليون المعركة لصالحهم في عدن بدعم مباشر وكبير من الإمارات، لتطلق دعوة لوقف إطلاق النار، وانسحاب التشكيلات التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي من المواقع التي استولت عنها، بعد صمت مطبق على الانقلاب الذي نفذه أتباع الإمارات في المدينة الجنوبية المعلنة "عاصمة مؤقتة" لليمن، ليبدو واضحاً أن الرياض وأبوظبي ضحتا بالشرعية اليمنية. والأخيرة التي يقطن رئيسها عبدربه منصور هادي ومعظم أركان حكومته في الرياض لم تُصدر أي موقف خلال الانقلاب، باستثناء ما كان يصدر عن وزراء ومسؤولين كانوا موجودين في اليمن، أبرزهم نائب رئيس الحكومة، وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري، الذي انتقد صراحة الرياض أمس الأحد لصمتها 4 أيام، "وشريكنا في التحالف (الإمارات) يذبحنا من الوريد إلى الوريد".

ولفت أمس لقاء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، هادي ونائبه علي محسن الأحمر، ورئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك. ووفق وكالة الأنباء السعودية (واس)، جرى اللقاء في الديوان الملكي بقصر منى في مكة المكرمة. وقالت الوكالة إن "اللقاء استعرض العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين، وبحث مستجدات الأوضاع في المنطقة وبخاصة على الساحة اليمنية، ومختلف الجهود تجاهها في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار".

وساد الهدوء في شوارع عدن أمس بعد أربعة أيام من المعارك العنيفة، نجح خلالها أتباع الإمارات من الانفصاليين في بسط سيطرتهم على كامل مقار الحكومة في المدينة، فيما أدت المواجهات إلى مقتل نحو 40 شخصاً وإصابة 260 منذ الخميس، بحسب ما أعلنت الأمم المتحدة في بيان أمس. ونقل البيان عن منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي دعوتها السلطات إلى "ضمان وصول المؤسسات الإنسانية من دون عوائق" إلى عدن، مشيرة إلى أن هناك 34 منظمة إنسانية عاملة في عدن وتقدّم مساعدات غذائية إلى نحو 1,9 مليون شخص. كذلك أشارت إلى أن ميناء عدن هو أحد المنافذ الرئيسية للمساعدات الإنسانية إلى اليمن.

هذا الهدوء كان قد خرقه قصف من قبل التحالف بقيادة السعودية، الذي أعلن في بيان أنه "استهدف إحدى المناطق التي تشكّل تهديداً مباشراً على أحد المواقع المهمة التابعة للحكومة الشرعية"، وذلك غداة سيطرة الانفصاليين على القصر الرئاسي في عدن. ودعا البيان "المجلس الانتقالي الجنوبي" إلى "الانسحاب الفوري والكامل من المواقع التي استولى عليها بالقوة". وأضاف التحالف في بيانه "ستكون هذه العملية الأولى وستليها عملية أخرى في حال عدم التقيد ببيان قوات التحالف"، الذي دعا إلى وقف لإطلاق النار في عدن. وأكد التحالف أنه "سيتولى حماية المواقع التي ينسحب منها المجلس الانتقالي". وذكر البيان أن قيادة التحالف ترفض بشكل قاطع التطورات الخطيرة في عدن، وأنها "لن تتوانى عن مواجهة كل من يخالف هذا الإعلان ويسعى لاستمرار القتال والفتنة والإضرار بالأمن والاستقرار أو التعدي على مؤسسات الدولة". وبحسب شهود عيان تحدثوا لوكالة "فرانس برس"، فإن الغارات الجوية للتحالف استهدفت معسكري بدر وجبل حديد في المدينة اللذين سيطر عليهما الانفصاليون. وفي موقف آخر منسوب إلى مصدر مسؤول في الخارجية السعودية، دعت الرياض الحكومة اليمنية وما وصفتها بـ"الأطراف التي نشب بينها النزاع في عدن"، إلى عقد اجتماع عاجل في السعودية.


دعوة التحالف منتصف ليلة السبت - الأحد لوقف إطلاق النار لاقت تعليقات ساخرة من أوساط يمنية، باعتبارها جاءت في الوقت الضائع، وبدت كما لو أنها محاولة لامتصاص الغضب. كما لاقت تحفّظات في الأوساط اليمنية، نظرت إليها باعتبارها محاولة لـ"شرعنة الأمر الواقع المفروض بالقوة"، قبل أن تضطر السعودية لتوضيح دعوتها وجعلها مشروطة بانسحاب قوات "الانتقالي" أولاً من المواقع التي استولت عليها.

وأعلنت الحكومة اليمنية ترحيبها بدعوة التحالف إلى وقف إطلاق النار، ودعوته كافة التشكيلات التابعة لـ"المجلس الانتقالي"، إلى الانسحاب من المواقع التي استولت عليها. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، عن المتحدث باسم الحكومة راجح بادي، قوله إنها ملتزمة "بدعوة تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية لوقف إطلاق النار"، وترحيبها بدعوة السعودية للحكومة وجميع الأطراف لعقد اجتماع عاجل في السعودية لـ"الوقوف أمام انقلاب مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي على الحكومة".

أما "المجلس الانتقالي" وبعد ساعات من ترحيبه بدعوة التحالف والسعودية إلى الحوار، فقد خرج نائب رئيسه، هاني بن بريك، بموقف جديد أمس، أعلن فيه رفض المجلس التفاوض "تحت وطأة التهديد"، مع تأكيده الالتزام بـ"شرعية" هادي والوقوف إلى جانب التحالف.

في المقابل، جاء الموقف الأبرز من مسؤولي الحكومة، من وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري، الذي قال إن الإمارات انتصرت في حربها لإسقاط الحكومة اليمنية في عدن. وظهر الميسري في تسجيل مصور بث أمس وجرى تصويره قبيل مغادرته عدن إلى السعودية، أعلن فيه أنه يقرّ بالهزيمة، وبارك للإمارات "النصر المبين علينا"، على حد قوله.
واتهم الميسري الرئاسة اليمنية والسعودية بالصمت إزاء انقلاب عدن، وقال إن مؤسسة الرئاسة لم تكن موفقة في صمتها المريب عما حدث ويحدث في عدن. كما انتقد السعودية على صمتها 4 أيام "وشريكنا في التحالف (الإمارات) يذبحنا من الوريد إلى الوريد". وتوعّد بأن "هذه المعركة لن تكون الأخيرة"، وأنهم لن يتركوا الوطن للعابثين.
وأشار الميسري إلى أن القوات الحكومية قاومت لأربعة أيام عصيبة في عدن، على الرغم من الفارق في الإمكانية العسكرية، مشيراً إلى وجود 400 آلية عسكرية لأبوظبي لدى قوات الانفصاليين الذين نفذوا الهجوم على مواقع القوات الحكومية.

وتقدّم وزير الداخلية اليمني، الذي كان المسؤول الأول الموجود في عدن بمواجهة الانفصاليين، بالشكر لقيادات "المجلس الانتقالي"، على سبيل الاستهزاء، وذلك على الممارسات التي نفذها المجلس بما فيها السيطرة على منزله والعبث بمحتوياته. وأشار الميسري إلى أن ما شهدته عدن "محاولة انقلابية ناجحة أفضت إلى القضاء على ما تبقى من سيادة هذه الدولة". وشبّه نهب مسلحي "الانتقالي" لمنازل القيادات المخالفة بما فعله الحوثيون. وقال إن "التشابه بين السلوكين يؤكد أن المشكاة واحدة". ودعا أنصار الشرعية إلى الإبقاء على جذوة الحرية في صدورهم، وعدم الانبطاح لأصحاب المشروع الهدام، والتمسك بقيم الحق والعدالة والعيش المشترك.