على الرغم من توصيات لجنة تقصي الحقائق التي شكلها البرلمان العراقي، والمطالب المتكررة لنواب وممثلي نينوى بضرورة إخراج فصائل "الحشد الشعبي" من مدينة الموصل، عاصمة محافظة نينوى المحلية، إلا أن أياً من الفصائل المسلحة لم يوافق على الانسحاب أو حتى تخفيف وجوده المسلح داخل المدينة، وكذلك أنشطته التجارية والسياسية، بل إن مراقبين يؤكدون أنها ازدادت أكثر بعد وصول المحافظ الجديد المدعوم من "الحشد"، منصور المرعيد، وتوليه مهام إدارة المحافظة المنكوبة، والتي يقدر حجم الدمار فيها بنحو 80 في المائة وفقا لوزارة التخطيط العراقية.
ووفقا لمسؤولين في الموصل تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن الحشد يؤسس لبقاء طويل الأمد في المدينة، وباتت أغلب مفاصل الحياة ممسوكة من قبل فصائله التي يتجاوز عددها الآن تسعة عشر فصيلا، أبرزها مليشيا كتائب "حزب الله" و"النجباء" و"الإمام علي" و"العصائب" و"الخراساني" و"البدلاء" و"سيد الشهداء".
ووفقا لمسؤول في مجلس محافظة نينوى، تحدث لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، فإن فصائل الحشد لها نفوذ في أغلب مؤسسات المدينة، عدا عن نشاطها التجاري والاقتصادي في عموم مدن نينوى، بل إن أفرادها الذين يرتدون الزي المدني باتوا مصدر رعب للسكان أكثر من الذين يرتدون الزي العسكري، كون المدنيين منهم يحاولون إيقاع الناس باستنطاقهم وفتح حوار معهم لمعرفة رأيهم بـ"الحشد".
وأكد وجود خشية من قبل قوى سياسية، وكذلك من السكان المحليين، من احتمال بقاء سيطرة "الحشد" على الموصل حتى الانتخابات المحلية المقرر أن تجرى مطلع العام المقبل، لافتا إلى أن كثيرا من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني بدأت تعمل في الموصل بالتنسيق مع "الحشد"، فضلا عن وجود زعامات قبلية أعلنت تأييدها للمليشيا مقابل الحصول على امتيازات، أبرزها حصانة من الاعتقال أو المضايقة الأمنية، وهذا كله ضمن تحضيرات لدخول دائرة انتخابات الموصل في الانتخابات المقبلة وانتزاع مقاعد لصالحها.
ذلك ما حذر منه المتحدث باسم العشائر العربية في نينوى، مزاحم الحويت، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن "الحشد" سيدعم شخصيات من أهالي الموصل من أجل تشكيل أحزاب جديدة متصالحة مع إيران، على أقل تقدير، في ثاني أكبر مدن العراق كثافة سكانية.
وتابع: "مليشيات الحشد ما تزال قابضة على المشاريع الخدمية التي من المفترض أن تنفذها الشركات الاستثمارية، وتسعى بكل قوتها إلى تحجيم الحريات على الأهالي، وممارسة العمل السياسي من خلال المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة"، مضيفا أن "مشاريع الحشد وما خلفها واضحة جدا لكن لا أحد يمكنه الحديث عنها خوفاً على التصفيات الجسدية".
واعتبر أن حكومة عبد المهدي أضعف من أن تتمكن من تنفيذ قراراتها وتجبر المليشيات على ترك الموصل، وترك المدينة للحكومة المحلية والقوات النظامية.
واعتبر عضو البرلمان عن محافظة نينوى شيرون دوبرداني أن "فصائل الحشد الشعبي قدمت تضحيات كبيرة في مناطق عراقية، ولكنها لن تتمكن من الحصول على قاعدة شعبية لها في نينوى أو صلاح الدين أو الأنبار، ولكنه بكل تأكيد لديها جماهير في محافظات وسط وجنوب العراق"، مبيناً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحشد الشعبي يجب أن يخرج من الموصل، ومن المناطق الغربية والشمالية بالكامل، وكذا تسليم الملف الأمني إلى الشرطة المحلية".
وأعادت الأحداث التي تشهدها نينوى، والانتهاكات الجسيمة التي وقعت فيها، المحافظة إلى دائرة الاهتمام الدولي مرة أخرى، كما يقول محافظ نينوى الأسبق، أثيل النجيفي، الذي قال على صفحته في "فيسبوك" إن "الموازين المختلة في المحافظة لا يمكن أن تنتج حالة من الاستقرار".
وبيّن أن الأمور لا يمكن أن تستقيم بترجيح جهة خارجية (في إشارة إلى الحشد الشعبي) لفئة ضد أخرى، بل يتم ذلك من خلال توازن القوى الداخلية للسكان.
وبيّن الخبير مؤيد الجحيشي، لـ"العربي الجديد"، أن "وجود الحشد الشعبي في الموصل له غايات سياسية وانتخابية واقتصادية، والفصائل المسلحة الآن تتهيأ للانتخابات المحلية المقبلة، والسيطرة على صناديق الاقتراع والتزوير، وقادة الحشد الحاليين في الموصل، خبراء بهذه الأعمال لأنهم أشبال الأحزاب الإسلامية التي تحكم البلاد منذ عام 2003"، مشيراً إلى أن "الفصائل تسيطر حالياً من خلال مكاتبها الاقتصادية ولا تسمح لأحد بأن ينافسها، بل إن الفصائل فيما بينها تمر بأزمات تقترب أحياناً من الصدامات، من أجل نيل المشاريع".