تسببت موافقة السلطات التونسية على حمل ائتلاف سياسي اسم "الجبهة الشعبية" في حالة توتر داخل مكونات اليسار، وخاصة أن تقديم الترشيحات للانتخابات التشريعية انطلق أمس الاثنين.
وفي الوقت الذي تتمسك "الجبهة الشعبية" بالاسم، فإن ائتلافا منشقا عنها، والذي قدم طلبا لحمل الاسم ذاته وحاز الموافقة على ذلك، يتمسك بدوره بالتسمية.
وأدان مجلس أمناء "الجبهة الشعبية" قرار رئاسة الحكومة منح الموافقة لحزب جديد لما اعتبره "سطوا على اسم الجبهة الشعبية وعلى علامتها الانتخابية وإرثها"، مؤكدا أن تقديم حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" (الوطد) وأتباعه قوائم انتخابية باسم الحزب الجديد "عملية احتيال مدانة أخلاقيا وسياسيا".
ودعت "الجبهة الشعبية"، في بيان لها، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى "ممارسة صلاحياتها التقديرية، لما في عملية الاحتيال هذه من إرباك للناخبات والناخبين ومغالطة لهم، ومساسا بمصداقية العملية الانتخابية ككل"، معتبرة أن هيئة الانتخابات "ليست مسؤولة عن العملية الانتخابية من الناحية التقنية فقط، بل وكذلك المناخ الانتخابي، وكل ما من شأنه أن يؤثر فيه سلبا".
وحثت الجبهة من وصفتها بـ"القوى الديمقراطية"، أحزابا ومنظمات، على "التشهير بهذه الممارسات الشبيهة بممارسات (نظام الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي من فبركة للأحزاب وتوظيفها، باعتبارها تندرج ضمن إفساد الحياة السياسية وتعفينها، تحضيرا لإفساد الانتخابات وتزويرها ولعودة الاستبداد"، بحسب نص البيان.
وقال القيادي في "الجبهة الشعبية" الجيلاني الهمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "تاريخ واسم الجبهة الشعبية معروف كائتلاف بقيادة حمة الهمامي"، مبينا أنه "رغم الخلاف والأزمة التي حصلت داخل الجبهة، وخروج حزبين من الائتلاف، ومن بينهما حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد)، إلا أن اختيار هذه التسمية قبيل 48 ساعة من بدء تقديم الترشيحات للانتخابات التشريعية يطرح العديد من التساؤلات".
وبيّن الهمامي أن "هناك تحايلا في قبول ملف لحزب جديد باسم الجبهة الشعبية، بخاصة أن اسم الجبهة سبق أن تم تسجيله في معهد المواصفات الفكرية والصناعية من قبل الأمين العام"، مشيرا إلى "التسريع بإحداث حزب دون توفر المواصفات القانونية، إذ كان من المفروض أن يرفض وزير الهيئات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان هذه التسمية".
وشدد الهمّامي على أن "الجبهة متمسكة بالتسمية التي عرفت بها، ومرشحوها قدموا ترشيحاتهم باسم الجبهة، والقانون هو الفيصل"، مؤكدا أنّه "للأسف يسعى مكون من مكونات الجبهة المنسحبة إلى ضرب الجبهة وتشكيل ائتلاف انتخابي جديد يضم حزبين فقط".
وأفاد المتحدث ذاته بأن "اختيار تسمية الجبهة الشعبية في هذا الظرف جاء لضرب الجبهة من الداخل، ولخلق إشكالات مقصودة، وخاصة أن الجبهة كمعارضة كان صوتها عاليا في مواجهة منظومة الحكم، وفي التصدي للعديد من القوانين أو الطعن فيها".
بدوره، أكد الناطق الرسمي باسم "الجبهة الشعبية" حمة الهمامي أن "تأسيس حزب جديد باسم الجبهة في وقت قياسي عملية تحايل سياسي عن طريق القانون"، مضيفا، في تصريح صحافي، أن "هذا الحزب استولى على اسم الجبهة وشعارها وسمعتها وتاريخها وإرثها"، مؤكدا أن "هذه المحاولة هي لمنع الجبهة الشعبية من المشاركة في الانتخابات".
في المقابل، قال القيادي في حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" (الوطد) أيمن العلوي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "هناك اليوم جبهة شعبية وحيدة تضم حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد والطليعة وعدد من نواب الجبهة الشعبية ممن قطعوا نهائيا مع السلوك الانعزالي للأمين العام حمّة الهمّامي وأنصاره"، مؤكدا أنّ "الجبهة الشعبية ستخوض الانتخابات التشريعية بقوائم موحدة تحت راية الجبهة".
وحول الاتهامات بمحاولات الاستيلاء وتخريب الجبهة، ردّ العلوي بأنه "لا يجب تكرار الأزمة داخل الجبهة"، مشيرا إلى أنه "كانت هناك مجموعة انعزالية بقيادة حمّة الهمامي، وقد حان الوقت لوضع حد لذلك"، مؤكدا أن "من حاول الاستيلاء على الجبهة هو الأمين العام الهمّامي، بمبادرته تسجيلها صناعيا وتجاريا في الملكية الفكرية والصناعية دون مراعاة الإرث النضالي، وما قدمته الجبهة عبر تاريخها، وهو ما أثار استياء العديد من مناضلي الجبهة في عدد من المحافظات".
وشدد على أن "التعامل مع هذا الأمر كان ناجحا، وانتهى بإزاحة الهمّامي وسلوكه الاستهتاري والضيق على اليسار التونسي"، مضيفا أن "الجبهة اليوم تفتح آفاقا جديدا نحو بناء مشروعها الوطني".