ووفقاً للبيان الصادر عن مكتب رئيس الحكومة، فإنّ "قوات الحشد الشعبي يجب أن تعمل كجزء لا يتجزأ من القوات المسلحة، ويسري عليها ما يسري على القوات المسلحة، كما أن قانون إنشائها يتضمّن نصّاً خاصاً، وتعمل بإمرة القائد العام للقوات المسلحة ووفق قانونها المشرّع من البرلمان والضوابط والتعليمات الصادرة بموجبه".
وبحسب البيان، فإن "المسؤول عنها يكون رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي يعينه القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة)، وأن يتم التخلي نهائياً عن جميع المسميات التي عملت بها فصائل الحشد في المعارك للقضاء على داعش، وعلى وحدات الحشد أن تقطع أي ارتباط سياسي، ويمنع حملها للسلاح إلا بإجازة ولمقتضيات حماية مقراتها وقياداتها. كما هو حال بقية التنظيمات السياسية، وإغلاق جميع المقرات التي تحمل اسم فصيل من فصائل الحشد الشعبي".
هذه القرارات التي رحبت بها زعامات مليشياوية وحزبية معروفة بقربها من إيران، مثل قيس الخزعلي وجلال الدين الصغير وشخصيات أخرى، في بيانات رسمية صدرت عنها، اعتبرت أنها "قطع لدابر التآمر على الحشد" وأنها "خطوة بالاتجاه الصحيح"، جميعها وردت في قانون "الحشد الشعبي" بمواده الأولى والثانية والرابعة والسادسة على وجه التحديد، المنصوص عليها في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2016. ما يعني حرفياً أن رئيس الوزراء لم يأت بجديد كما أنه لم ولا يمكن أن يحذف أو يضيف على قانون "الحشد" من دون تشريع برلماني، لأن "الحشد" محميّ بقانون مُشرّع وثابت، ليس من صلاحية رئيس الوزراء التعديل عليه.
ودفعت هذه المواقف مراقبين إلى اعتبار القرارات بمثابة محاولة للإفلات من الضغوط الحالية على الحكومة بشأن هذه المليشيات، وعددها 71 فصيلاً مسلّحاً، بينها عدد كبير مرتبط بشكل أو بآخر بإيران، تحديداً الحرس الثوري، أما الأخرى فتدين عقائدياً وتنظيمياً للنجف.
وبعد أقل من ساعة واحدة على إعلان عبد المهدي للقرارات، أصدر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أمراً بحل مليشيا "سرايا السلام" التابعة لتياره، معتبراً في تغريدة على "تويتر"، أن "ما صدر عن عبد المهدي يُعدّ خطوة أولى صحيحة نحو بناء دولة قوية". واستدرك قائلاً "إلا أنني أبدي قلقي من عدم تطبيقها بصورة صحيحة وعادلة"، مطالباً المعاون الجهادي له، أبو ياسر، بغلق مقرات المليشيا وإلغاء اسمها. وسارع أبو ياسر إلى إصدار بيان أكد فيه التزامه بتوجيهات الصدر، موضحاً أنه "يعلن التطبيق التام والفوري لتعليمات زعيم التيار الصدري".
كما رحّب زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، بقرارات عبد المهدي، ووصفها بأنها "خطوة على الاتجاه الصحيح"، مؤكداً أن "الحشد يجب أن يكون جزءاً مهماً وثابتاً من القوات المسلحة". وشدّد على "ضرورة إبعاده عن التجاذبات السياسية".
بدوره، تحدث مسؤول في بغداد لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن "القرارات تعتبر تفعيلاً لقانون الحشد الشعبي لا أكثر"، مضيفاً أنه "خلال الفترة المقبلة من المفترض عدم سماع الناس عبارة العصائب والنجباء والبدلاء والعباس والإمام علي وكفيل زينب والإمام الحجة وغيرها من التسميات، ولا الحاج أو الشيخ أو السيد، بل ستكون هناك اللواء الأول والفوج الثاني والنقيب فلان والرائد فلان".
ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن "فالح الفياض وأبو مهدي المهندس سيبقيان على رأس الحشد الشعبي، ومن غير المتوقع تغييرهما في الفترة المقبلة"، لافتاً إلى أن "الضغوط على الحكومة كانت تتعلق بسحب السلاح الثقيل من الفصائل ووقف التجنيد في صفوفها والحد من تحركاتها على المناطق الحدودية العراقية مع دول الجوار وإبعادها عن مراكز المدن". ووصف الخطوة بأنها نحو "مزيد من مأسسة الحشد الشعبي، ولن تنهي حقيقة أنها مليشيات مستقلة دينياً وتنظيمياً ولها زعامات ومقرات ومكاتب".
من جانبه، طالب النائب رعد الدهلكي رئيس الوزراء بتوضيح أسباب هذه الخطوة، داعياً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "يكون الحشد عبارة عن وحدات عسكرية داخل قوات الجيش". وأشار إلى أن "الحشد حقق الكثير من الإنجازات، لكنه يجب ألا يكون بديلاً للجيش، لأن العراقيين لن يقبلوا بإضعاف المؤسسة العسكرية". وشدّد على ضرورة دمج "الحشد" بالجيش، مضيفاً: "نحن راضون إذا دمج الحشد بالجيش، لكن إذا أُريد له أن يكون مؤسسة أخرى، فنحن نتخوف من حدوث ترهل أمني".
أما عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق حامد المطلك، فقال إنه "من الخطأ أن تكون هناك جيوش متعددة، وقوات مسلحة متعددة"، مطالباً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بـ"بناء جيش واحد قائم على روح المواطنة، كما يحدث الآن في السودان، في ظلّ وجود مطالبات بانضمام قوات الدعم السريع إلى الجيش". وتابع "هناك أشخاص في الحشد ضحّوا ويجب أن يُكرّموا، لكن الجيش لا بد أن يُبنى على أسس سليمة"، مؤكداً أن "وجود حشد من جهة وجيش من جهة أخرى، خطأ سيمزق البلاد".
بدوره، رأى الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، أن "ما صدر عن عبد المهدي يمثل تعليمات للعمل بقانون الحشد الشعبي الصادر عن البرلمان في وقت سابق"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى "وجود رغبة لدى جميع قادة فصائل الحشد للذهاب باتجاه إعادة هيكلته، دون الذهاب إلى تجميده أو حلّه، لأنهم يشعرون بأنه كلما ابتعدت قراراتهم وأعمالهم عن الدستور، كلما نزعت من أيديهم القدرة على التحكم بالمقاتلين المنضبطين". وأوضح أن "قادة الحشد أدركوا بعد فوزهم في انتخابات 2018 أن وسائلهم الخطابية القديمة لم تعد تلائم المواقف الدولية الجديدة، بعد أن أصبح عليهم ضرورة إثبات وجودهم المدني على أرض مكشوفة بعيداً عن العلاقات المخابراتية السرية".
واعتبر رئيس كتلة "بدر" (الجناح السياسي لمليشيا بدر) في البرلمان، حسن الكعبي، قرار عبد المهدي بشأن دمج الحشد الشعبي بالمؤسسة الأمنية، بأنه "ليس جديداً". وقال في تصريحات صحافية إن "الحشد جزء من المنظومة العسكرية، وفتوى المرجعية التي تأسس الحشد الشعبي على أساسها، باقية ومستمرة. والحشد لن ينتهي إلا بأمر المرجعية ذاتها ممثلة بالمرجع علي السيستاني، وليس بأمر أي شخص مهما كان منصبه السياسي والحكومي". ولفت إلى أن "قرار عبد المهدي ليس بالجديد، فقد تطرقت جميع القيادات السابقة إلى ضرورة وضع الحشد الشعبي تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة".
إلا أن عضو التيار المدني ليث الشبلي، اعتبر أن "أغلب فصائل الحشد عاجزة عن فك ارتباطها بإيران التي تمولها منذ عام 2014، ومنحتها مبالغ مالية كبيرة أعطتها القدرة على التجنيد، وافتتاح المقرات، وإنشاء وسائل إعلام وفضائيات"، مشككاً في حديث لـ"العربي الجديد"، بـ"قدرة الحكومة العراقية على ضبط حركة المليشيات". وأشار إلى أن "ما حدث يمثل حركة ذكية من رئيس الوزراء حاول من خلالها إيصال رسالتين إيجابيتين إلى واشنطن وطهران، مؤكداً أنه أراد أن يطمئن الأميركيين وحلفائهم في المنطقة بأنه ماض على طريق تحجيم الحشد الشعبي، وفي الوقت ذاته تهدئة الإيرانيين الذين ينتابهم القلق بشأن مصير حلفائهم في الفصائل المسلحة". وأكد عضو تيار الحكمة علي منيف، على "وجود فصائل عراقية مسلّحة حليفة لإيران"، موضحاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الوزراء خرج في مؤتمر صحافي قبل أيام وقال إنه بصدد العمل على إنهاء نفوذ الجماعات المسلحة غير المنضبطة".
وتشكلت مليشيا "الحشد الشعبي" بناء على فتوى "الجهاد الكفائي" التي أصدرها المرجع الديني علي السيستاني، منتصف عام 2014، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على مدن ومساحات واسعة من شمال العراق وغربه، وتمّ تشكيل عشرات الفصائل المسلحة على ضوء ذلك، ليعلن عن تنظيم هيئة جامعة لها عُرفت باسم "الحشد الشعبي". وكشفت بيانات الحكومة أن عدد أفراد "الحشد" بلغ أكثر من 100 ألف مقاتل موزعين على 71 مليشيا مسلحة، نالت غالبيتها تسليحاً وتدريباً إيرانياً خلال السنوات الماضية، وتورط قسم منها بجرائم وانتهاكات بدوافع طائفية في عدد من مدن العراق، وأخرى شاركت بالقتال إلى جانب قوات نظام بشار الأسد.