بعد الجمود السياسي الذي ساد، على مدى الأشهر الماضية، جاءت اجتماعات لجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة غربي اليمن، برعاية الأمم المتحدة، لتحرك المياه الراكدة بشأن الاتفاق المتعثر منذ أشهر حول الحديدة، في ظل إعلان الجانب الأممي عن تحقيق تفاهمات غير مسبوقة، أشار إلى بعضها طرفا المحادثات، ومع ذلك، فإن تباين المعلومات بشأن التفاصيل وتوقيت الإعلان عن هذا التقدّم، والذي تزامن مع التمديد للبعثة الأممية، يحد من التفاؤل، ويبعث المخاوف من أن يكون الإعلان مجرد حيلة للقفز على التحديات الجوهرية أكثر منه اختراقاً فعلياً. وعلى مدى الـ48 ساعة التي أعقبت الإعلان الأممي يوم الإثنين الماضي، عن اتفاقات جديدة توصل لها الطرفان في الحديدة، أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن "خروق وقف إطلاق النار تواصلت على مختلف جبهات الحديدة، بما فيها أطراف المدينة الشرقية والجنوبية، على الوتيرة المعهودة ذاتها والتي تتبادل القوات الحكومية ومسلحو جماعة أنصار الله (الحوثيين)، الاتهامات بشأنها، بصورة يومية، من دون أن تبرز مؤشرات عملية على احتوائها بالتفاهمات المعلن عنها".
ويأتي استمرار القصف المتبادل (مع بقاء حالة وقف العمليات العسكرية بحدودها الكبيرة)، على الرغم مما أعلنت عنه الأمم المتحدة بأن ممثلي الطرفين وفي الاجتماعات التي استضافتها سفينة استأجرتها الأمم المتحدة في البحر الأحمر اتفقوا "على تفعيل آلية وتدابير جديدة من أجل تعزيز وقف إطلاق النار والتهدئة في أقرب وقتٍ ممكنٍ".
وفي السياق، تضمّن بيان الأمم المتحدة عن حصيلة الاجتماع، العديد من النقاط المثيرة، أبرزها الإعلان عن أن الطرفين أنجزا "اتفاقهما على وثيقتي مفهوم العمليات للمرحلتين الأولى والثانية لإعادة الانتشار المُتبادل للقوات"، وأضاف أنه "بذلك تكون لجنة تنسيق إعادة الانتشار قد أنهت أعمالها التقنية وهي بانتظار قرار القادة السياسيين المعنيين للمباشرة بالتنفيذ". لكن البيان نفسه، جاء ليكشف عن استمرار الأزمة بشأن مواضيع الخلاف المحورية المرتبطة باتفاق الحديدة، منذ إبرامه في ديسمبر/كانون الأول الماضي؛ إذ ذكر البيان أن "التفاهم على قوات الأمن المحلية، والسلطة المحلية والموارد المالية هي من المسائل المعلّقة والتي تجب معالجتها على المستوى السياسي"، وهو ما يعني أن التقدّم لا يزال محدوداً بجوانب فنية، لم يمس أياً من قضايا جوهر الخلاف، وأبرزها تحديد هوية السلطة المحلية والأجهزة الأمنية التي يجب أن تؤول إليها إدارة موانئ ومدينة الحديدة، في ضوء خطوات الانسحاب المطلوبة من قوات الطرفين.
في السياق ذاته، أكد تصريح رئيس الفريق الحكومي اللواء صغير عزيز، أن الجانب الحكومي ربط تنفيذ المرحلة الثانية من "إعادة الانتشار"، بالاتفاق "على السلطة والأمن المحليين، بحسب كشوفات العام 2014 (إشارة إلى موقف الحكومة بضرورة أن يتسلم المدينة المسؤولون وموظفو الأمن المعينون حتى 2014 قبل سيطرة الحوثيين في صنعاء)، كما ربط التنفيذ بـ"الاتفاق على الموارد المالية بحسب ما جاء في اتفاق السويد والمشار إليه في مفهوم العمليات بالمرحلة الثانية"، ليؤكد بذلك، أن التفاهمات حول "مفهومي العمليات للمرحلة الأولى والثانية" بتنفيذ اتفاق الحديدة، لم تتجاوز بعد محاور الخلاف.
الجدير بالذكر، أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها فريق الأمم المتحدة في اليمن، عن تحقيق تقدمٍ بالتزامن مع جلسة يعقدها مجلس الأمن، إذ إن الاتفاقات الأخيرة، تعيد الأنظار، إلى ما شهدته الحديدة في مايو/أيار الماضي، حين أعلن الفريق الأممي عن ترحيبه بعملية "إعادة انتشار" أحادية الجانب من قبل الحوثيين في موانئ الحديدة الثلاثة، وكان الإعلان قبل أربعة أيام من اجتماع الـ15 من الشهر نفسه، وتحدث خلاله غريفيث عن التطور باعتباره تقدماً طال انتظاره، إلا أن النتيجة في الواقع كانت تصعيد الأزمة بينه وبين الحكومة، إذ اشتكت الأخيرة بعد أيام من الجلسة، المبعوث الدولي، برسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، تضمنت اتهامات لغريفيث، بارتكاب تجاوزات ومنحه ما وصفته بـ"الفرصة الأخيرة" للتراجع عنها.
من زاوية أخرى، وعلى الرغم من الثغرات الواضحة في نتائج اجتماعات لجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة، إلا أن عودة المفاوضات ذاتها، بعد الجمود الذي ساد الفترة الماضية، تبقى مؤشراً إيجابياً، يعتمد على ما ستؤول إليه تطورات الأيام والأسابيع المقبلة، والتي ستبقى المحك الحقيقي لأي تصريحات أو اتفاقات يعلن عنها الجانب الأممي، في مقابل المؤشرات الواقعية التي تجعل الحديث عن التقدم حبراً على ورق، كما سبقه من الاتفاقات، ما لم يجد طريقه إلى التنفيذ.