ظريف إلى نيويورك... لماذا تراجعت واشنطن عن فرض عقوبات عليه؟

13 يوليو 2019
ظريف يزور نيويورك للمرة الثانية هذا العام (Getty)
+ الخط -
في خطوة تظهر تراجع واشنطن بالفعل ولو مؤقتاً عن فرض عقوبات عليه، توجه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف بعد ظهر اليوم السبت إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة.

وأعلن المتحدث باسم الخارجية الإيراني، عباس موسوي، في بيان مقتضب، أن ظريف غادر البلاد إلى نيويورك "للمشاركة في الاجتماع السنوي للمسؤولين رفيعي المستوى للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة".

وأضاف موسوي أن ظريف سيتوجه بعد ذلك إلى فنزويلا للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز، وكذلك إجراء لقاءات مع مسؤولين في الحكومة الفنزويلية.

وكانت إيران من الدول الداعمة للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في مواجهة زعيم المعارضة خوان غوايدو، الذي اعترفت به الولايات المتحدة ودول أوروبية رئيساً مؤقتاً لفنزويلا في وقت سابق من العام الجاري.

وتأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى نيويورك بعدما نقلت وكالة "رويترز" أمس الجمعة عن مصدرين مطلعين أن الولايات المتحدة قررت ألا تفرض عقوبات عليه في الوقت الحالي.

وقال أحد المصدرين إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كان قد عارض إدراج ظريف على القائمة "في الوقت الحالي".

وكان وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين قد قال في 24 يونيو/ حزيران إن ظريف سيوضع على قائمة سوداء في ذلك الأسبوع، وذلك بعد أن فرضت واشنطن في اليوم نفسه عقوبات على المرشد الإيراني، علي خامنئي، وقيادات بارزة في الحرس الثوري.

حينها، علّقت الخارجية الإيرانية على العقوبات ضد خامنئي ونية واشنطن فرض عقوبات مماثلة على ظريف بالقول إنها "تغلق طريق الدبلوماسية للأبد مع الإدارة الأميركية العاجزة".

وأكدت الخارجية أن هذه العقوبات "لا نتيجة لها وهي فاشلة"، مشيرة إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "يعكف على تدمير جميع الآليات الدولية لحفظ السلام والأمن العالميين".

كما علق ظريف نفسه على احتمال فرض عقوبات عليه، في تصريح لصحيفة "نيويورك تايمز" في وقت سابق من هذا الشهر بالقول: "لا أملك أي أصول وحسابات مالية خارج إيران. وإيران كل حياتي وهي التزامي الوحيد. لذلك ليست لدي أي مشكلة مع عقوبات محتملة".

 

أسباب التراجع

إلى الآن لم تعلن الإدارة الأميركية أسباب تراجعها عن فرض العقوبات على وزير الخارجية الإيراني، لكن قد تكون الخطوة مدفوعة بسعي أميركي لإعطاء نوع من المصداقية لدعواتها للتفاوض مع طهران، فحينما أعلنت الخزانة الأميركية وجود توجه لفرض عقوبات على ظريف، رأى مراقبون في ذلك تناقضا مع الدعوات الأميركية لإيران للجلوس إلى طاولة التفاوض، معتبرين هذا التوجه دليلا على عدم وجود رغبة حقيقية لدى الإدارة الأميركية للتفاوض مع طهران، وأن دعواتها للتفاوض لها استهلاك إعلامي فحسب، كما يقول مسؤولون إيرانيون.

وقد يكون الأوروبيون وراء هذا التراجع المؤقت عن فرض عقوبات على ظريف. فمن شأن فرض العقوبات على وزير الخارجية الإيراني، في حال فرضها، أن يقيد تحركاته الدبلوماسية، الأمر الذي يشكل في الوقت نفسه إحراجا شديدا للأطراف الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي، وخصوصا فرنسا، والتي تبذل جهودا للحفاظ على الاتفاق النووي، وإقناع إيران بالعودة عن سياسة تقليص تعهداتها النووية.

تراجع واشنطن عن فرض العقوبات على وزير الخارجية الإيراني، قد يحمل في طياته رسالة أميركية، تظهر الإدارة من خلالها رغبتها بالتفاوض واتباع الدبلوماسية في حل التوتر المتصاعد مع طهران، أقله إعلاميا، لكن لا يبدو أن الخطوة ستفتح الأبواب الموصدة للدبلوماسية بين واشنطن وطهران، على ضوء رفض الأخيرة "رفضا تاما" الدخول في أي تفاوض مع إدارة ترامب تحت "الضغط"، مشترطة تراجعها عن الضغوط والحرب الاقتصادية والاعتذار من الشعب الإيراني قبل أي تفاوض.

وتعتبر زيارة ظريف إلى نيويورك الثانية خلال هذا العام، حيث سبق أن زارها خلال نيسان/إبريل الماضي للمشاركة باليوم الدولي الأول للتعددية والدبلوماسية من أجل السلام.

واستغل ظريف زيارته السابقة للدفاع عن سياسات بلاده والاتفاق النووي كثمار للدبلوماسية متعددة الأطراف، منطلقا من ذلك لمهاجمة سياسات الولايات المتحدة لانسحابها من الاتفاق وشن "حرب اقتصادية شرسة" على إيران.

وخلال الزيارة نفسها، أجرى وزير الخارجية الإيراني، للمرة الأولى، حوارا مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية المفضلة للرئيس ترامب، وهو ما اعتبره البعض محاولة إيرانية للتفاوض غير المباشر مع ترامب.

وفي السياق، اقترح ظريف أثناء الزيارة ومقابلاته التلفزيونية مبادلة السجناء مع الإدارة الأميركية، لكن الأخيرة تجاهلت المبادرة، داعية في الوقت نفسها، إلى الإفراج الفوري عن الأميركيين المعتقلين في السجون الإيرانية.


من يتابع تحركات وزير الخارجية الإيراني خلال الأشهر الأخيرة، يلاحظ أنه يقود "دبلوماسية فعالة" في مواجهة استراتيجية "الضغط الأقصى" الأميركية بعد انسحابها من الاتفاق النووي وما تبعه من عقوبات "قاسية وشاملة" ضد إيران.

وفي السياق، قام ظريف بجولات خارجية مكثفة وتنقل بين عواصم عدة، إقليمية ودولية، لشرح سياسات بلاده وإحداث اختراقات كبيرة في علاقاتها الخارجية في وقت هي بأشد الحاجة إلى ذلك في مواجهة السياسات الأميركية.

لكن زيارة ظريف إلى نيويورك لها أهداف أخرى أيضا، فضلا عن مزيد من التواصل مع العالم للتحشيد ضد واشنطن، في مقدمتها السعي إلى نقل المعركة السياسية والإعلامية إلى العمق الأميركي.

وفي السياق، يتوقع أن يردد ظريف كثيرا مصطلح "الفريق باء" خلال زيارته الثانية إلى نيويورك، بعدما أطلق في زيارته إليها في إبريل/نيسان الماضي، المصطلح ذاته في حواراته مع قنوات أميركية، وخاصة قناة "فوكس نيوز"، ليحضر بقوة بعد ذلك في تغريداته على "تويتر" ومقابلاته وتصريحاته في مواجهة السياسات الأميركية ضد إيران.

ويقصد ظريف بالمجموعة "باء" كلا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون.

وفي هذا الإطار، وفي تغريدة على "تويتر"، قال ظريف أخيرا إن "الفريق (باء) باع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحماقة اعتقاداً بأن قتل الاتفاقية من خلال الإرهاب الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى اتفاق أفضل".

وأضاف: "بعد أن بات جلياً على نحو متزايد أنه لن يكون هناك اتفاق أفضل، فإنهم يطالبون على نحو غريب بإذعان إيران التام، ثمة مخرج لهذا الأمر، ولكن ليس مع وجود الفريق (باء) في السلطة".

المساهمون