ثلاثة أيام مرت على مجزرة فضّ اعتصام الخرطوم فجر الإثنين الماضي، وأعداد الضحايا من المدنيين لا تزال ترتفع، لتتجاوز المائة أمس، مع الكشف عن انتشال 40 جثة من نهر النيل كانت القوى العسكرية التي فضّت الاعتصام قد تخلّصت منها برميها في النهر، وسط مخاوف من أن تكون أعداد الضحايا أكبر من ذلك بكثير. في موازاة ذلك، وبعدما أعلن إسقاط كل الاتفاقات مع المعارضة ودعا لانتخابات بعد تسعة أشهر، أعلن المجلس العسكري أمس انفتاحه على مفاوضات "لا قيد فيها" حول مستقبل البلاد، الأمر الذي قابلته المعارضة برفض سريع، فيما كانت السعودية أسرع الداعمين للدعوة للحوار. وكان مجلس الأمن الدولي قد فشل في جلسة له مساء الثلاثاء بإصدار بيان يدين قتل المدنيين ويدعو لوقف فوري للعنف في هذا البلد، وذلك بسبب اعتراض الصين مدعومةً من روسيا.
وأعلنت لجنة الأطباء المركزية، في بيان نشرته على صفحتها في "فيسبوك" أمس، أنه تم حصر 40 جثة انتشلتها مليشيات تتبع للجنجويد (قوات الدعم السريع)، الثلاثاء، ونقلتها إلى جهة غير معلومة. وأكد القيادي في "قوى الحرية والتغيير" أحمد الربيع لـ"العربي الجديد"، انتشال الجثث، قائلاً: "بعد انتهاء مجزرة فض الاعتصام ورصد إلقاء جثث في النيل، نشرت قوى الحرية والتغيير عدة فرق لترقب خروج الجثث"، موضحاً أن الفرق رصدت انتشال 45 جثة، مضيفاً: "قد يكون العدد أكبر، وما زالت الفرق ترصد خروج الجثث". وأشار إلى أن "بعض الجثث التي تم انتشالها كانت مصابة بأعيرة نارية وأخرى كانت متفحمة"، متوقعاً أن تكون قد احترقت خلال حرق خيم الاعتصام. وكانت لجنة الأطباء قد أعلنت أمس، مقتل 60 شخصاً جراء قيام الأمن السوداني بفض اعتصام الخرطوم وما تلا ذلك من أحداث يوم الثلاثاء.
ومع ارتفاع أعداد الضحايا بمرور المزيد من الوقت، تزداد المخاوف من أن تصل الحصيلة النهائية إلى رقم كبير، خصوصاً إذا ما صحت المعلومات التي كشفتها الصحافية السودانية يسرا الباقر، التي تراسل عدداً من وسائل الإعلام الغربية، من أن عدد القتلى المعلن في فض الاعتصام لم يصل إلى ربع العدد الحقيقي. وأضافت الباقر في تغريدات لها عبر "تويتر" نقلاً عن مصدر قالت إنه ضابط منشق من جهاز الأمن الوطني، أن حجم القوات المشاركة في الهجوم كان عشرة آلاف عنصر، لافتة إلى أن بعض الضحايا تعرض للضرب حتى الموت، وتعرض آخرون لإطلاق الرصاص عليهم مرات عدة، فيما قُطّع آخرون بـ"السواطير" ثم أُلقي بالجميع في النيل. وأضافت أن بعض الخيام التي أُحرقت كان في داخلها أشخاص هُربت جثثهم بسيارات الإسعاف إلى جسر النيل الأزرق لرميها في النهر.
في ظل هذا المشهد، لم يتورع المجلس العسكري عن القول إنه مستعد للحوار. وأبدى رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، في خطاب بثه التلفزيون الرسمي، انفتاح المجلس "لتفاوض لا قيد فيه إلا لمصلحة الوطن، نكمل من خلاله التأسيس للسلطة الشرعية التي تعبّر عن تطلعات ثورة السودانيين". وأوضح البرهان أن التغيير الذي يمر به السودان "يأتي في ظل ظروف صعبة"، مؤكداً أن تلك المرحلة "تحتاج للحكمة حتى نعبر بأمان، ونمنع البلاد من الانزلاق في الفوضى والإضرار بمصالح المواطن". وأعلن وجود تحقيقات من النيابة بشأن ما حدث في الأيام الماضية. من جانبه، قال نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في كلمة متلفزة: "أعلنا انحيازنا للثورة ولكن بعد بدء المفاوضات انحرفت عن مسارها وانكشف المخطط"، داعياً لفتح الطرق المغلقة بالمتاريس. وأضاف: "المجلس لم يأتِ ليحكم وليس عنده استعداد ليحكم، لكنه الضامن في ظل عدم وجود حكومة ومهمتنا توفير احتياجات الناس وتحقيق الأمن للمواطنين".
اقــرأ أيضاً
ولم تتأخر السعودية لتؤكد أهمية "استئناف الحوار بين القوى السودانية المختلفة" كما جاء في بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية. وأعربت السعودية عن أملها في أن "يتم تغليب منطق الحكمة وصوت العقل والحوار البناء لدى كافة الأطراف السودانية، وبما يحفظ أمن السودان واستقراره ويجنب شعبه العزيز كل مكروه ويصون مكتسبات السودان ومقدراته ويضمن وحدته".
في المقابل، أعلنت قوى "الحرية والتغيير" التمسك بالعصيان المدني، معتبرة أن البرهان ونائبه دقلو (حميدتي) يمثلان "عائقاً أمام بناء الدولة المدنية". وقالت في بيان إن "بقاء اللجنة الأمنية لنظام البشير، بقيادة البرهان وحميدتي، على سدة الحكم يقطع الطريق بين الشعب وحلمه بالسودان الذي يريد". وتابعت أن هذا النظام "يؤسس لسيطرة العسكر على الحكم، وحماية النظام البائد لا محالة ورموزه". ودعت "للمحافظة على سلمية الثورة، وإعلان العصيان المدني الشامل، ووضع المتاريس لحماية الثوار من الرصاص". كما طالبت "قوات شعبنا المسلحة بالقيام بدورها في حماية المواطنين والقيام بواجبها في الحفاظ على أرواحهم، ومواجهة ميلشيات الجنجويد وكتائب الظلام الآثمة، والتصدي لاستباحتهم للمدن السودانية، كما على الوطنيين في القوات النظامية الانحياز للشارع السوداني"، معتبرة أن "نزع سلاح مليشيات الجنجويد، وقوات جهاز الأمن وإجبارهم على اخلاء للمدن وإبعادهم عن مناطق تواجد المدنيين والتمركز في الثكنات العسكرية، هو الضمان لعدم انزلاق الأوضاع الأمنية نحو الهاوية".
وفي السياق، قال المتحدث باسم "المؤتمر الشعبي" الفاضل علي، لـ"العربي الجديد"، إن الدعوة للحوار من قبل المجلس العسكري "متاجرة سياسية، والمرحلة تخطتها، وكان يفترض أن يدعو المجلس للحوار منذ البداية، ولكن بعد أن فضّ الاعتصام فلا طائلة منها ونستبعد الاستجابة لها في الوقت الراهن".
من جهته، قال مبارك أردول، عضو وفد التفاوض من "قوى الحرية والتغيير"، إن "المجلس العسكري دمر العملية السياسية بارتكابه مجزرة الإثنين والتي راح ضحيتها نحو 100 قتيل". وأضاف أردول أن "البرهان أنهى في بيان سابق العملية السياسية حينما ألغى الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وهو يريد تكرار تجربة (الرئيس المخلوع عمر) البشير في قمع وضرب وإهانة الشعب السوداني، وسيواصل الشعب ثورته حتى يذهب الطغاة كما ذهب البشير". وفي رده على تعهد المجلس العسكري بتوقيع اتفاقات سلام مع الحركات المتمردة، أكد أردول أن "قوى الكفاح المسلح لا يمكنها الوثوق بالمجلس العسكري بعد تجربته في إلغاء الاتفاقات والتعهدات مع قوى الحرية والتغيير"، مشيراً إلى أن تلك الحركات لن تجلس أو تتفاوض مع المجلس العسكري.
وتعليقاً على هذه التطورات، استبعد المحلل السياسي الجميل الفاضل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تجد دعوة المجلس للحوار أي صدى لدى القوى السياسية، مشيراً إلى خطابات وردود أفعال الأحزاب العديدة التي صدرت في اليومين الأخيرين، واعتبرها مؤشرات لعدم قبول الحوار في ظل ما أسماه "الجراح الطرية" واتساع الفجوة وازدياد عدد الضحايا واستمرار المواجهات في الشوارع والتوتر في البلاد. وأضاف أن للأحزاب السياسية تقديراتها ولكن لن يغامر أي حزب بأن يكون خصماً للشارع والرأي العام"، منوهاً إلى أن الأرضية الأساسية التي جمعت المجلس العسكري والأحزاب في البداية هي انحياز المجلس للثورة في البداية ودفاعه عن المعتصمين، ولكن ما دام المجلس تراجع عن ذلك وفضّ الاعتصام بالقوة فقد انتفت مبادئ الشراكة بين المجلس وأحزاب "قوى الحرية والتغيير". ولكنه لم يستبعد أن تستجيب القوى التي كانت تشكل النظام السابق للدعوة إلى الحوار، لافتاً إلى أنه يمكن للمجلس العسكري إنتاج النظام القديم، فتلك الأحزاب ليست لديها مشكلة وجاهزة لتكون في مقاعد السلطة.
اقــرأ أيضاً
ومع ارتفاع أعداد الضحايا بمرور المزيد من الوقت، تزداد المخاوف من أن تصل الحصيلة النهائية إلى رقم كبير، خصوصاً إذا ما صحت المعلومات التي كشفتها الصحافية السودانية يسرا الباقر، التي تراسل عدداً من وسائل الإعلام الغربية، من أن عدد القتلى المعلن في فض الاعتصام لم يصل إلى ربع العدد الحقيقي. وأضافت الباقر في تغريدات لها عبر "تويتر" نقلاً عن مصدر قالت إنه ضابط منشق من جهاز الأمن الوطني، أن حجم القوات المشاركة في الهجوم كان عشرة آلاف عنصر، لافتة إلى أن بعض الضحايا تعرض للضرب حتى الموت، وتعرض آخرون لإطلاق الرصاص عليهم مرات عدة، فيما قُطّع آخرون بـ"السواطير" ثم أُلقي بالجميع في النيل. وأضافت أن بعض الخيام التي أُحرقت كان في داخلها أشخاص هُربت جثثهم بسيارات الإسعاف إلى جسر النيل الأزرق لرميها في النهر.
في ظل هذا المشهد، لم يتورع المجلس العسكري عن القول إنه مستعد للحوار. وأبدى رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، في خطاب بثه التلفزيون الرسمي، انفتاح المجلس "لتفاوض لا قيد فيه إلا لمصلحة الوطن، نكمل من خلاله التأسيس للسلطة الشرعية التي تعبّر عن تطلعات ثورة السودانيين". وأوضح البرهان أن التغيير الذي يمر به السودان "يأتي في ظل ظروف صعبة"، مؤكداً أن تلك المرحلة "تحتاج للحكمة حتى نعبر بأمان، ونمنع البلاد من الانزلاق في الفوضى والإضرار بمصالح المواطن". وأعلن وجود تحقيقات من النيابة بشأن ما حدث في الأيام الماضية. من جانبه، قال نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في كلمة متلفزة: "أعلنا انحيازنا للثورة ولكن بعد بدء المفاوضات انحرفت عن مسارها وانكشف المخطط"، داعياً لفتح الطرق المغلقة بالمتاريس. وأضاف: "المجلس لم يأتِ ليحكم وليس عنده استعداد ليحكم، لكنه الضامن في ظل عدم وجود حكومة ومهمتنا توفير احتياجات الناس وتحقيق الأمن للمواطنين".
ولم تتأخر السعودية لتؤكد أهمية "استئناف الحوار بين القوى السودانية المختلفة" كما جاء في بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية. وأعربت السعودية عن أملها في أن "يتم تغليب منطق الحكمة وصوت العقل والحوار البناء لدى كافة الأطراف السودانية، وبما يحفظ أمن السودان واستقراره ويجنب شعبه العزيز كل مكروه ويصون مكتسبات السودان ومقدراته ويضمن وحدته".
وفي السياق، قال المتحدث باسم "المؤتمر الشعبي" الفاضل علي، لـ"العربي الجديد"، إن الدعوة للحوار من قبل المجلس العسكري "متاجرة سياسية، والمرحلة تخطتها، وكان يفترض أن يدعو المجلس للحوار منذ البداية، ولكن بعد أن فضّ الاعتصام فلا طائلة منها ونستبعد الاستجابة لها في الوقت الراهن".
من جهته، قال مبارك أردول، عضو وفد التفاوض من "قوى الحرية والتغيير"، إن "المجلس العسكري دمر العملية السياسية بارتكابه مجزرة الإثنين والتي راح ضحيتها نحو 100 قتيل". وأضاف أردول أن "البرهان أنهى في بيان سابق العملية السياسية حينما ألغى الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وهو يريد تكرار تجربة (الرئيس المخلوع عمر) البشير في قمع وضرب وإهانة الشعب السوداني، وسيواصل الشعب ثورته حتى يذهب الطغاة كما ذهب البشير". وفي رده على تعهد المجلس العسكري بتوقيع اتفاقات سلام مع الحركات المتمردة، أكد أردول أن "قوى الكفاح المسلح لا يمكنها الوثوق بالمجلس العسكري بعد تجربته في إلغاء الاتفاقات والتعهدات مع قوى الحرية والتغيير"، مشيراً إلى أن تلك الحركات لن تجلس أو تتفاوض مع المجلس العسكري.
وتعليقاً على هذه التطورات، استبعد المحلل السياسي الجميل الفاضل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تجد دعوة المجلس للحوار أي صدى لدى القوى السياسية، مشيراً إلى خطابات وردود أفعال الأحزاب العديدة التي صدرت في اليومين الأخيرين، واعتبرها مؤشرات لعدم قبول الحوار في ظل ما أسماه "الجراح الطرية" واتساع الفجوة وازدياد عدد الضحايا واستمرار المواجهات في الشوارع والتوتر في البلاد. وأضاف أن للأحزاب السياسية تقديراتها ولكن لن يغامر أي حزب بأن يكون خصماً للشارع والرأي العام"، منوهاً إلى أن الأرضية الأساسية التي جمعت المجلس العسكري والأحزاب في البداية هي انحياز المجلس للثورة في البداية ودفاعه عن المعتصمين، ولكن ما دام المجلس تراجع عن ذلك وفضّ الاعتصام بالقوة فقد انتفت مبادئ الشراكة بين المجلس وأحزاب "قوى الحرية والتغيير". ولكنه لم يستبعد أن تستجيب القوى التي كانت تشكل النظام السابق للدعوة إلى الحوار، لافتاً إلى أنه يمكن للمجلس العسكري إنتاج النظام القديم، فتلك الأحزاب ليست لديها مشكلة وجاهزة لتكون في مقاعد السلطة.