قطر: عامان من محاصرة الحصار

05 يونيو 2019
رئيس الوزراء القطري خلال مشاركته بالقمة الإسلامية بمكة(فرانس برس)
+ الخط -
لا يحتاج تبيان مدى فشل الحصار، الذي حاول الرباعي السعودي - الإماراتي - المصري - البحريني، فرضه على قطر، قبل عامين من اليوم، إلى جهد كبير. يكفي إحصاء مكامن ذلك الإخفاق، سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً ورياضياً حتى، ليدرك المراقب أنه أقرب إلى حصار الضعفاء الذين لم يجدوا سوى المواطنين القطريين الذين كانوا يقيمون في إحدى دول الحصار، أو الطلاب الجامعيين الذين كانوا يدرسون هناك، أو مالكي المزارع في تلك البلدان، أو العائلات الخليجية المختلطة، للانتقام منهم، عبر تجريدهم من ممتلكاتهم بطريقة أقرب إلى السطو والسرقة، وبحرمان الطلاب من حقوقهم بمواصلة دراستهم، وعبر فصل العائلات بعضها عن بعض... أما سياسياً، فبعد عامين من ذلك الخامس من يونيو/ حزيران الشهير من عام 2017، يكاد مراقب الشأن الخليجي لا يجد أثراً لحصار، ولا ملمحاً لضرر دبلوماسي، بعدما عززت تلك الدولة الخليجية تحالفات قديمة وأنشأت أخرى جديدة، إقليمياً وغربياً وآسيوياً وأفريقياً، وهو ما ظهرت نتيجته بوضوح في عدم سير أي قوة عربية أو أجنبية كبيرة برواية تحالف الحصار، الهادفة إلى عزل الدوحة عربياً ودولياً. وفي الداخل القطري، لم يشعر حكام هذه الدولة بأي خطر، رغم كل المحاولات التي حاول رباعي الحصار حياكتها لتغيير الحكم في الدوحة، باختلاق معارضات وهمية وبترويج الأكاذيب تارة عن انقلاب، وتارة أخرى عن انشقاقات في صفوف العائلة الحاكمة في الدوحة. كذلك الحال اقتصادياً؛ استطاعت الدوحة، بعد امتصاص صدمة الأيام الأولى من الحصار المفاجئ، إدراك مكامن الضعف في اقتصادها الذي كان يعتمد بشكل كلّي على الجيران الخليجيين، في التجارة والسلع والاستهلاك والتنقل، وهو ما تمكنت من تداركه سريعاً، لتتمكن من بناء صناعة وزراعة تتيحان شبه اكتفاء ذاتي مقبولاً، ووسعت تجارتها مع شركاء جدد وقدامى، لتخرج سالمة بأسرع مما كان متوقعاً. وفي ما عدا محطات يتذكر فيها رباعي الحصار روايته ضد قطر، عبر بيانات وتصريحات تكرر المعزوفة نفسها لحجج قطع العلاقات مع الدوحة، نتيجة انفصال سياستها الخارجية عن محور الرياض - أبوظبي، فإن الحصار لا يزال حاضراً حصراً في حرب الأكاذيب الإعلامية التي لا تتعب في صفوف جيوش إلكترونية، وذباب مؤلف من آلات ومن بشر مكلفين إدارة ماكنة إعلامية ضخمة، من وسائل تقليدية ومن وسائط تواصل اجتماعي مهمتها حربية لا تواصلية. وربما يختصر فوز منتخب قطر لكرة القدم ببطولة آسيا في الإمارات أخيراً، بشكل رمزي لكن حقيقي، كل قصة ذلك الحصار، الذي خرجت قطر منه من دون خسائر كبرى، إلا في ما يتعلق بمواطنيها من أصحاب المصالح والممتلكات التي تقع في دول الحصار، أو العائلات المختلطة. وباتت دول الحصار، وخصوصاً الإمارات، محاصرة بقرارات دولية تلزمها بإعادة حقوق المواطنين القطريين الذين تعرضوا ولا يزالون لتمييز عنصري، وبأخرى صادرة عن المنظمة الدولية التي تعنى بتنظيم الملاحة الجوية في العالم، في انتظار قرارات أخرى قد تصدر قريباً من محاكم منظمة التجارة الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.

وجاءت مشاركة رئيس مجلس الوزراء القطري، وزير الداخلية، عبد الله بن ناصر آل ثاني، في القمم الثلاث (الخليجية والعربية والإسلامية)، التي استضافتها مدينة مكة السعودية في 30 و31 مايو/ أيار الماضي، كأرفع زيارة لمسؤول قطري إلى المملكة منذ بدء الحصار، غير أنها لا تحمل أي جديد على مستوى احتمال حل الأزمة الخليجية، بما أن الرباعي التابع للرياض لا نية لديه بمباشرة أي حوار جدّي، ولا يزال متمسكاً بشروطه الثلاثة عشر التي ترفضها قطر وترى فيها انتقاصاً من سيادتها وقرارها المستقلّ. 

وفي مقابل انشغال دول الحصار في افتعال الأزمات مع قطر وكيل الاتهامات لها، كانت الأخيرة، تنجح على مدى العامين الماضيين، في الخروج من الأزمة أقوى على الصعد كافة، بعدما استطاعت على نحو سريع بلورة استراتيجية سياسية ودبلوماسية واقتصادية وقانونية وإعلامية لمواجهة الحصار أولاً، ثم تطويق مفاعيله، ما سرّع من قدرتها على تجاوزه.

وفي السياق، يقول الكاتب والإعلامي جابر الحرمي لـ"العربي الجديد"، إنّ مشاركة رئيس مجلس الوزراء القطري "جاءت بعد دعوة خطية تلقاها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للمشاركة في القمم الثلاث، وكبادرة حسن نية، ودعماً لوساطة أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح".

ويرى الحرمي أنّ "مشاركة قطر ودول أخرى مثل الكويت وسلطنة عمان في مثل هذه القمم والاجتماعات، يمكن أن تدفع نحو العقلنة السياسية للخطاب، في ظلّ هذا التوتر والتصعيد القائم بالمنطقة".

لا مؤشرات على نهاية للأزمة

من جهته، يقول مدير "مركز دراسات الخليج" في جامعة قطر سابقاً، عبدالله باعبود، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا توجد أي مؤشرات جدية لإنهاء الأزمة الخليجية قريباً"، لكنه يرى في المقابل أنه "لم يتم الوصول إلى حد القطيعة التامّة، فما زالت قطر تشارك في اجتماعات مجلس التعاون الخليجي، وهناك زيارات متبادلة لفرق رياضية ومشاركة في الاجتماعات، وأعتقد أنّ الأزمة ستراوح مكانها على هذا الحال، إن لم تكن هناك مستجدات تدفع للحلّ".

ويعلّق باعبود على ما يمكن اعتباره توقّف الجهود الكويتية في الدفع لإنهاء الأزمة قائلاً: "لم يجد أمير الكويت أي استجابة لمبادرته في حلّ الأزمة، وربما ارتأى أنّ الوقت غير مناسب حالياً للمضيّ قدماً بها، إلى أن تعود وتسمح الظروف بذلك"، متابعاً: "ينطبق ذلك أيضاً على الموقف العماني المساند لمبادرة الكويت، الذي توصّل أيضاً إلى قناعة مفادها أنّ دول الحصار ليست جاهزة في الوقت الحاضر لحلّ الأزمة، وأنّ الصبر والوقت قد يغيّران مواقفها".

إلى ذلك، يرجع باعبود التأجيل المستمرّ للقمة الخليجية - الأميركية، إلى "عدم نجاح الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في التوصّل لحلّ للأزمة الحالية، بسبب عناد دول الحصار في قبول مساعي واشنطن التي كانت مواقفها الأولى مساندة لهذه الدول، قبل أن تعود وتغيّر رأيها حول أسباب وجدوى هذا الحصار، وخصوصاً أنه مضرّ للمنطقة ومصلحة أميركا فيها"، مضيفاً: "حاولت واشنطن أيضاً بشتى السبل إقناع دول الحصار بحلّ الأزمة أو أن تجمع كل الأطراف إلى طاولة واحدة، ولكن بدون نجاح لهذا المسعى إلى حدّ الآن".

وبما يتعلّق بموضوع "الناتو العربي"، يرى باعبود أنه "كان شطحة وفكرة أميركية لجمع أطراف متباينة ومتنافرة كوسيلة للتقارب والتعاون بين دول المنطقة، ولكن حتى هذا لم يفد إلى حد الآن، وقد قلّ الحديث عن جدوى هذا التحالف".

وفيما إذا كانت التطورات الإقليمية، وخصوصاً موضوع المواجهة بين أميركا وإيران قد تدفع بدول الحصار للجلوس إلى طاولة الحوار، يقول باعبود: "لا أعتقد أنّ هذا سيدفع بهذه الدول للجلوس إلى طاولة المفاوضات سريعاً، إلا إذا كانت هناك تغييرات كبيرة من جراء هذه المواجهة"، معتبراً أنّ "دول الحصار ما زالت تعتقد ومقتنعة بأنّ الأمور لصالحها، وأنّ ما تسعى إليه من تغيير الوضع القائم وإعادة ترتيب المنطقة، ممكن أن يحصل في عهد (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، وهي ما زالت تعيش في هذا الوهم ولا تتقبل رؤية الحقيقة".

ويضيف باعبود: "تواجه قطر في الوقت نفسه تحديات الحصار، والآن تداعيات الأزمة بين أميركا وإيران، ولكن لا أعتقد أنّ هذا سيغيّر الكثير من خيارات الدوحة وسياساتها التي اتبعتها منذ بداية الأزمة، وهي أنها لن تتنازل عن سيادتها ولن تخضع للإملاءات، لكنها مستعدة للحوار والتفاوض، في الوقت الذي تبني فيه قدراتها وترفع من مستوى كفاءاتها".

ويلفت إلى أنّ "قطر كوّنت العديد من الاستراتيجيات للصمود، وتعدّت الأزمة ونجحت في السياسات التي اعتمدتها، إلى جانب أنها بنت وتبني علاقات متميزة مع العديد من دول العالم"، مضيفاً: "أصبحت سياسة التحصين الداخلي والاعتماد على النفس هي المحرك الرئيسي لسياسة الدوحة، وبدأت هذه السياسات تعطي نتائج إيجابية، وتبقى هي أنجح الخيارات الآن، مع ترك باب الحوار والمفاوضات مفتوحاً لحلّ الأزمة متى أتت الفرصة المناسبة". ويتابع: "لا شكّ بأنّ الأزمة أضرّت وتضرّ بقطر، ولكن الأخيرة تمكّنت من تجاوزها، واستحدثت سياسات اقتصادية واجتماعية مهمة".

من جهته، يثني الكاتب والإعلامي صالح غريب، على رفع مستوى التمثيل القطري في القمم الخليجية والعربية والإسلامية، التي يقول إنّ موضوعها كان إيران لا الأزمة الخليجية. ويوضح غريب في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "السعودية هدفت من وراء القمم الثلاث التي استضافتها، إلى تجيير المواقف العربية والإسلامية إلى صالحها، وخصوصاً في ظلّ التوتر مع إيران، والتطورات الخطيرة الجارية في المنطقة"، دالاً على ذلك بأنّ "الدعوة السعودية للقمتين العربية والخليجية الطارئتين، كانت لبحث ما قالت عنه الرياض، الاعتداءات التي تعرّضت لها منطقة الخليج وتداعياتها. ومن ثم، فإنّ الأزمة الخليجية لم تُبحث ولم تكن في وارد الحلحلة. فالقمم أرادتها السعودية لردع إيران، وما تقوم به من أنشطة في المنطقة".

ولا يرى غريب أي بوادر لفتح حوار بين قطر ودول الحصار، "لتعنّت الأخيرة ورفضها الجلوس إلى طاولة المفاوضات"، مضيفاً: "ما زالت قطر تعوّل على الجهود والمبادرة الكويتية لحلّ الأزمة، رغم رفض دول الحصار لهذه المبادرة".

وبالنسبة للموقف الأميركي من الأزمة، يصفه الغريب بأنه "متذبذب، ويسعى للاستفادة من الأزمة مالياً، بكل الطرق"، مشيراً إلى أنه "لو أرادت أميركا حلّ الأزمة لاستطاعت تحقيق ذلك بمكالمة هاتفية، كما صرّح نائب رئيس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد بن محمد العطية. لذلك، واشنطن لن تمارس ضغطاً حقيقياً لإنهاء الأزمة وهي مستفيدة من استمرارها".

المساهمون