بعد الجمود الذي لف جهود الأمم المتحدة السياسية في اليمن، منذ منتصف مايو/ أيار المنصرم، بدأ المبعوث الأممي مارتن غريفيث جولة جديدة في المنطقة، على وقع التصعيد العسكري الذي تشهده محافظة الحديدة غربي البلاد وبالترافق مع تصعيد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، بقصف أهداف داخل السعودية، وسط مخاوف من أن يلقي ذلك بظلاله على إمكانية استئناف جهود السلاد.
وبدأ غريفيث جولته الجديدة اليوم الأربعاء من العاصمة السعودية الرياض، حيث شهدت أول اجتماع ضم المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث مع مسؤولين في الحكومة اليمنية، بعد الأزمة التي سادت بين الجانين منذ أقل من شهرين، إذ التقى مع نائب الرئيس اليمني الفريق علي محسن الأحمر، في محل إقامته بالرياض.
وبحسب وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها التابعة للحكومة الشرعية، فقد "جرى خلال اللقاء مناقشة المستجدات والجهود المبذولة لإحلال السلام الدائم في اليمن".
وأضافت الوكالة أن "نائب رئيس الجمهورية أكد حرص الحكومة الشرعية على السلام وعلى تمسكها بالتنفيذ الكامل لاتفاق السويد وخاصة ما يتعلق بانسحاب المليشيات الحوثية الحقيقي من موانئ ومدينة الحديدة وإنجاز ملف الأسرى والمعتقلين".
وقال نائب الرئيس اليمني في اللقاء "إن الحكومة الشرعية وبتوجيهات فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، سوف تعاود الانخراط الكامل وبكل إيجابية مع جهود المبعوث الأممي من أجل إعادة مسار عملية السلام إلى الطريق الصحيح وفقاً للمرجعيات الثلاث وإلى جوهر وروح اتفاق السويد"، وفق ما أردت الوكالة.
ويأتي هذا اللقاء في إطار أولوية تتصدر مهمة غريفيث، وتتمثل في استعادة الثقة بينه وبين الشرعية، بعد الأزمة الكبيرة التي مرت بها علاقات الجانبين، خلال الشهرين الماضيين، وتقدمت الحكومة خلالها بشكوى رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، اتهمت فيها غريفيث بارتكاب العديد من التجاوزات.
وفي الوقت الذي تأتي فيه زيارة غريفيث في ظل ارتفاع وتيرة خروقات وقف إطلاق النار في الحديدة، قللت مصادر حكومية يمنية لـ"العربي الجديد" من إمكانية أن يستأنف غريفيث جهوده في هذا الشأن، مشيرة إلى أن الملف المسيطر في الزيارة يتمثل بإعادة "ترميم" العلاقة مع الشرعية وتقديم الطمأنات اللازمة لمواصلة مهمته في قيادة جهود السلام، عقب الأزمة التي واجهها المبعوث الأممي، سواء على المستوى الرسمي حيث الموقف الحكومي أو مجمل الانتقادات التي واجهها من مناصري الحكومة خلال الشهرين الماضيين.
وكانت أزمة غريفيث - الشرعية قد بلغت منعطفاً غير مسبوق، عقب الإحاطة التي تقدم بها أمام مجلس الأمن الدولي في الـ15 من مايو الماضي، وفيها أشاد بما وُصف بـ"عملية إعادة الانتشار" أحادي الجانب، من موانئ الحديدة من قبل الحوثيين، وهي الخطوة التي وصفتها الحكومة بأنها "مسرحية" سلّم من خلالها الحوثيون الموانئ إلى قوات موالية لهم، واتهمت الحكومة المبعوث بـ"التماهي" مع الجماعة، في هذه "المسرحية".
وعلى الرغم من إعلان الحكومة اليمنية عن الحصول على ضمانات حصلت عليها من الأمم المتحدة، عبر روزماري ديكارلو، مساعدة الأمين العام أنطونيو غوتيريس، في الثامن من يونيو/حزيران الجاري، تسمح بعودة غريفيث لمهمته واستقباله من مسؤولي الحكومة، إلا أن مصير الاتفاق لا يزال غامضاً، إذ لم تصدر عن الجانب الأممي تصريحات، تؤكد تراجعه عن الموقف المؤيد لخطوات الحوثيين (إعادة الانتشار أحادي الجانب)، بقدر ما تتحدث مصادر الشرعية عن ضمانات شفهية من شأنها أن تحد من الأزمة بين المبعوث والجانب الحكومي على الأقل.
في السياق، تأتي جولة غريفيث الجديدة، في ظل بروز مؤشرات باحتمال انهيار اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة، إذ أفادت مصادر محلية متطابقة بوصول تعزيزات لقوات الجانبين (القوات الحكومية والحوثيين)، خلال الأيام الماضية، إلى الأجزاء الجنوبية من الحديدة وبالقرب من نقاط الاشتباكات المتقطعة منذ شهور.
وعلى الرغم من أن خروقات وقف إطلاق النار لم تتوقف، منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في الـ18 من ديسمبر/ كانون الأول 2018، إلا أن العمليات العسكرية الهادفة للتقدم توقفت في الشهور الماضية ومعها الغارات الجوية للتحالف، غير أن التهدئة الهشة باتت مهددة أكثر من أي وقتٍ مضى، نتيجة لوصول مفاوضات تنفيذ اتفاق الحديدة لما يشبه طريقاً مسدوداً بالإضافة إلى تصعيد الحوثيين باتجاه الجانب السعودي من خلال استخدام الطائرات المسيرة بدون طيار لقصف مطارات جنوب السعودية وقبلها استهداف محطتي ضخ أنابيب نفطية في الرياض، الأمر الذي يشكل أحد أبرز متغيرات الشهور الأخيرة، والتي ستلقي بظلالها على جولة غريفيث الجديدة.
الجدير بالذكر أن اتفاق الحديدة يعد خلاصة ما حققه غريفيث ومن خلفه جهود المجتمع الدولي ودعم بريطاني لا محدود، على مدى الأشهر الماضية، لكن الاتفاق وبعد مرور ما يزيد على سبعة أشهر بات مهدداً أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يجعل التحدي الأبرز لغريفيث في المرحلة المقبلة استعادة المفاوضات بشأن تنفيذ الاتفاق، فضلاً عن إمكانية الذهاب نحو جولة مفاوضات جديدة، الأمر الذي يبدو ما يزال بعيد المنال.