صاروخ مطار أبها: معادلة جديدة في حرب اليمن

13 يونيو 2019
يبعد مطار أبها 130 كيلومتراً عن الحدود اليمنية(فرانس برس)
+ الخط -
انتقل التصعيد في الحرب بين السعودية والحوثيين، بعد الهجوم الذي شنته الجماعة أمس الأربعاء بصاروخ "كروز" على مطار أبها في منطقة عسير الحدودية، إلى مرحلة جديدة من التصعيد وسط محاولة من جماعة الحوثيين لتكريس معادلة جديدة تتضمّن استهداف المطارات السعودية في حال استمرار التحالف في إغلاق مطار العاصمة اليمنية صنعاء.

وفيما كشف الهجوم بصاروخ كروز عن حجم التطور الذي يطرأ على ترسانة الأسلحة التي تملكها جماعة "أنصار الله"، فإن الربط حضر مجدداً بين تصعيد الحوثيين واستمرار التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية في الخليج. وفي السياق، لم تتأخر الرياض، التي تواجه منذ أسابيع هجمات مكثفة من الحوثيين انتقلت من الطائرات المسيرة إلى صواريخ كروز، باتهام طهران بدعم الحوثيين، في الوقت الذي حشدت دعم دول عدة ضد تصعيد الحوثيين، في ما يبدو أنه مقدمة لشن ضربات جوية كثيفة ضد المناطق التي يسيطر الحوثيون عليها. مع العلم أن السعودية كانت قد حشدت زعماء العالمين، الإسلامي والعربي، وقادة الخليج، في قمم مكة أواخر مايو/ أيار الماضي، لمواجهة إيران والحوثيين بعد استهدافها بالطائرات المسيرة.

وانتقل الحوثيون أمس من استخدام الطائرات المسيرة في عمليات استهداف مطارات المدن السعودية القريبة من الحدود من اليمن، إلى استخدام صاروخ "كروز" للمرة الأولى لاستهداف مطار أبها الدولي، من دون أن يجد أي اعتراض من الدفاعات الجوية، ما يشير إلى تطور نوعي بالسلاح الاستراتيجي لدى الحوثيين، في مقابل حالة من الارتباك لدى الرياض، برزت منذ استهداف الجماعة أهدافاً نفطية في مايو/ أيار الماضي. ويأتي هجوم أمس بعد يومين على إسقاط القوات السعودية طائرتين من دون طيار أطلقتا من اليمن، باتجاه مدينة خميس مشيط. وكان الحوثيون قد ذكروا عبر قناة "المسيرة" أنهم استهدفوا قاعدة الملك خالد الجوية بالقرب من خميس مشيط.

وكأعلى حصيلة مصابين تُعلن منذ تصاعد الحرب قبل سنوات، قال المتحدث باسم التحالف السعودي الإماراتي العقيد تركي المالكي، في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس)، أمس الأربعاء، إن 26 مسافراً من جنسيات مختلفة أصيبوا جراء الأضرار الذي خلفها "المقذوف"، الذي قال إنه سقط في صالة الوصول في مطار أبها الدولي. وأعلن أن الجهات الأمنية والعسكرية في البلاد تعمل على تحديد نوع "المقذوف"، الذي قال إنه يثبت حصول الجماعة على أسلحة نوعية جديدة وأشار الموقع الإلكتروني لمطار أبها إلى تأخر عدة طائرات صباح أمس الأربعاء قبل عودة حركة الطيران إلى وضعها الطبيعي. وأعلنت هيئة الطيران المدني السعودية أن الحركة الجوية في مطار أبها الدولي تسير بشكل طبيعي.



واعتبر التحالف أن إعلان الحوثيين استهداف المطار "يمثل اعترافاً صريحاً ومسؤولية كاملة باستهداف المدنيين"، مؤكداً أن ذلك قد يرقى إلى "جريمة حرب". وبحسب المالكي فإن الهجوم يثبت حصول الحوثيين "على أسلحة نوعية جديدة، واستمرار النظام الإيراني بدعم وممارسته للإرهاب العابر للحدود"، مضيفاً أن هناك أدلة على أن الحرس الثوري الإيراني أمدّ الحوثيين بالسلاح الذي استهدف مطار أبها. وتعهد التحالف بأنه سيقوم باتخاذ "إجراءات صارمة، عاجلة وآنية، لردع هذه المليشيا الإرهابية"، مؤكداً أنه "ستتم محاسبة العناصر الإرهابية المسؤولة عن التخطيط وتنفيذ هذا الهجوم الإرهابي". ويجعل الحديث عن "رد حازم" على هذا التطور المرحلة المقبلة مفتوحة على كافة الاحتمالات، بما فيها عودة التصعيد العسكري من قبل التحالف، بموجة من الضربات الجوية على الأقل، كما حصل عقب هجمات نوعية سابقة للحوثيين باتجاه العمق السعودي.

وجاء البيان السعودي عقب إعلان الحوثيين عن استهداف مطار برج المراقبة في مطار أبها الدولي بصاروخ "كروز". وقال المتحدث العسكري باسم "أنصار الله" يحيى سريع، في تصريح نقلته قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين، إن الصاروخ أدى إلى تدمير برج المراقبة وخروجه عن الخدمة، مضيفاً "لم تستطع أحدث المنظومات الأميركية التصدي للصاروخ، وقد أصابت هذه الضربة العدو بالذعر والخوف"، معتبراً أن إطلاقه "يأتي في إطار الدفاع عن النفس" والرد المشروع على ما وصفه بـ"العدوان" والحصار وإغلاق المطارات (في اليمن) منذ خمس سنوات. وأكد المتحدث باسم "أنصار الله" محمد عبد السلام، في تغريدة، أن "استمرار العدوان والحصار على اليمن للعام الخامس وإغلاق مطار صنعاء ورفض الحل السياسي والخيار السلمي يحتم ذلك على شعبنا اليمني الدفاع عن نفسه". وكان عبد السلام قد قال، الأحد الماضي، "وجب إفهام دول العدوان بأن مطاراتها في مرمى النيران، وأن إغلاقها أو إصابتها بشلل تام هو أقرب الطرق لفك الحصار عن مطار صنعاء". ودعا متحدث عسكري باسم الحوثيين "كافة المواطنين والشركات العاملة في دول العدوان إلى الابتعاد عن كافة المطارات والمواقع العسكرية".

وتعد هذه المرة الثانية التي يعلن فيها الحوثيون عن استخدام هذا النوع من الصواريخ، التي اشتهرت بصناعتها وتطويرها الولايات المتحدة الأميركية، ودول أخرى، أبرزها روسيا والصين والهند، بالإضافة إلى إيران المتهمة بدعم الحوثيين، والتي بدأت بالكشف عن أنواع مختلفة من صواريخ "كروز" منذ سنوات. وكان الحوثيون قد أعلنوا للمرة الأولى عن إطلاق صاروخ "كروز" في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول 2017، باتجاه "مفاعل نووي" في أبوظبي، إلا أن الخبر حينها قُوبل بالتشكيك، إذ أفادت مصادر عسكرية يمنية لـ"العربي الجديد" بأن الصاروخ سقط في محافظة الجوف اليمنية. وهذه المرة الأولى التي يؤكد فيها الجانب السعودي سقوط صاروخ في أحد مطاراته. ومن غير الواضح ما إذا كان الصاروخ من ترسانة الجيش اليمني التي استولت عليها الجماعة في عام 2014 خلال اجتياح صنعاء أم أنها حصلت عليه في السنوات الأخيرة. وتكتسب صواريخ "كروز" أهمية استثنائية، إذ تشتهر بدقة الإصابة، وتُستخدم على نطاق واسع لدى الجيش الأميركي، فضلاً عن كون استخدامها من قبل الحوثيين يثير قلقاً متنامياً لدى الرياض، من توسيع الجماعة قدراتها العسكرية، بأسلحة نوعية، على الرغم من الحصار الذي يفرضه التحالف وآلية التفتيش الأممية المتبعة للتفتيش على السفن التجارية القادمة من خارج البلاد.

من حيث المدى، فإن الحوثيين سبق أن استخدموا صواريخ باليستية، أبرزها "بركان 2"، مستهدفين العاصمة السعودية الرياض، في حين يقع مطار أبها الدولي على بعد ما يقرب من 130 كيلومتراً من الحدود اليمنية بمحافظة صعدة، معقل الحوثيين. ويأتي اختيار الحوثيين لاستهداف مطار أبها في منطقة عسير الحدودية، في إطار الاستراتيجية التي اتبعتها جماعة "أنصار الله" أخيراً، بالتصعيد في المدن السعودية القريبة من الحدود، إذ استهدفوا مطاري نجران وجيزان الإقليميين على الحدود مع اليمن أكثر من مرة، باستخدام طائرات من دون طيار، قالت الجماعة إنها طورتها. والشهر الماضي، شن الحوثيون هجوماً على محطتي ضخ لخط أنابيب نفط رئيسي غرب الرياض بطائرات من دون طيار، ما أدى إلى إيقاف ضخ النفط فيه. واتهمت السعودية إيران بإصدار أمر تنفيذ هذا الهجوم وهو ما تنفيه طهران و"أنصار الله". وقبلها بيومين، تعرّضت أربع سفن سعوديّة ونروجيّة وإماراتيّة لأضرار في "عمليّات تخريبيّة" قبالة إمارة الفجيرة بحسب أبوظبي. ووقع الهجوم وسط توتر متزايد بين الولايات المتحدة وإيران بعد تحرك من واشنطن لتشديد العقوبات على طهران وتعزيز الوجود العسكري الأميركي في الخليج رداً على ما وصفته بتهديدات إيرانية.

لكن استهداف مطار أبها بصاروخ "كروز" يثير جملة من التساؤلات، بما في ذلك ما يرتبط بإخفاق الدفاعات الجوية السعودية التي تستخدم تقنية "باتريوت" الأميركية لاعتراض الصواريخ. وقال خبير عسكري، رفض الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، إن "استخدام الحوثيين الصواريخ المتطورة لاستهداف الأراضي والمطارات السعودية يبعث أولاً رسالة حوثية إيرانية على القدرات العسكرية التي بات الحوثيون يملكونها والتي تهدّد عمق السعودية، وهو تطور خطير يزيد من تعقيد العمليات العسكرية ويوسعها. كما يمكن أن يزيد من تفجير الصراع في اليمن والمنطقة". واعتبر أنه "سيكون لامتلاك الحوثيين مثل هذا السلاح، وإعلانهم امتلاكهم سلاحاً جديداً، تبعات على الجانب العسكري في اليمن وعلى الحدود مع السعودية".

وأكدت الإمارات، الشريكة الرئيسية في التحالف في اليمن، أن الهجوم يشكّل "دليلاً جديداً على التوجهات الحوثية العدائية والإرهابية والسعي إلى تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة". واعتبرت الحكومة اليمنية، عبر وزير الإعلام معمر الأرياني على "تويتر"، أن الهجوم "تم تنفيذه تحت إشراف خبراء إيرانيين". وأعربت وزارة الخارجية البحرينية عن دعمها لـ "المملكة العربية السعودية الشقيقة"، وأكدت "الحاجة إلى اتخاذ موقف دولي قوي ضد إيران لمنعها من دعم هذه الأعمال الإرهابية المتكررة". وقال وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، في تغريدة، إن الهجوم على مطار أبها "تصعيد خطير تم بسلاح إيراني". وأضاف "المطلوب هو موقف دولي واضح وصارم تجاه الإرهاب الحوثي والدعم الإيراني المتوفر له". وأكدت الكويت وقوفها إلى جانب السعودية. وقالت وزارة الخارجية، في بيان، إن "الاعتداء الآثم الذي يستهدف أمن المملكة وأمان شعبها الشقيق يمثل تصعيداً خطيراً وتقويضاً للجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي". وشددت على وقوفها إلى جانب السعودية و"تأييدها ومساندتها لها في كل ما تتخذه من إجراءات لصيانة أمنها واستقرارها". وأعلنت القاهرة وقوفها إلى جانب الرياض في أعقاب الهجوم الصاروخي على مطار أبها. وقالت وزارة الخارجية المصرية، بعد ساعات من الهجوم، إن مصر تدعو إلى الوقف الفوري لأي استهداف للأراضي السعودية، وسوف تقف "في مواجهة أي محاولة لاستهداف" أمن واستقرار المملكة.