لكن الأوضاع في القطاع تبقى مرشحة لكل الاحتمالات خلال الفترة المقبلة، خصوصاً بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الاثنين أن "المعركة لم تنته". وجاء حديث نتنياهو رداً على الانتقادات التي تعرض لها، خصوصاً بعدما كرّست المقاومة، خلال هذه الجولة المنتهية من التصعيد، وهي العاشرة منذ انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار قبل أكثر من 13 شهراً تآكلاً إضافياً في قوة الردع الإسرائيلية فضلاً عن تثبيت قواعد اشتباك جديدة وكسر العمل بمبدأ الهدوء مقابل الهدوء في هذه الجولة من التصعيد، عبر تثبيت حق الفلسطينيين في تنفيذ تفاهمات كسر الحصار الأخيرة والتي تضمن تخفيفاً تدريجياً لأدوات الحصار والسماح للدول والمؤسسات الدولية الإنسانية في تقديم المساعدات دون إعاقة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
ووفق معلومات "العربي الجديد"، فإنّ إسرائيل تعهدت بأن يكون الهدوء تبادلياً ومتزامناً، وأن تبدأ تدريجياً في تنفيذ تفاهمات كسر الحصار عن القطاع، والتي أبرمها المصريون والقطريون والأمم المتحدة، ومنها التعهد بعدم استهداف المدنيين في مسيرات العودة، إلى جانب وضع إطار زمني لبدء تنفيذ هذه الالتزامات والتعهدات برعاية مصرية.
وفي انتظار تطبيق هذه الاتفاقية الجديدة وقدرة الراعي المصري على ضمان التزام إسرائيل بتنفيذ المرحلة الثانية من التفاهمات، ينتظر أهالي القطاع ما ستحمله إليه الفترة المقبلة.
وعند الرابعة والنصف من فجر أمس، ثُبت وقف إطلاق النار، بعد ساعات صعبة عاشها الغزيون استخدمت فيها إسرائيل كل قوتها النارية في استهداف عشرات المنشآت والمنازل والمباني التجارية والسكنية ومواقع المقاومة الفلسطينية، ما تسبب باستشهاد 27 فلسطينياً منهم 4 سيدات وجنينان ورضيعتان وطفل فضلاً عن إصابة 154 فلسطينياً بجراح مختلفة.
وأدت الغارات المكثفة التي نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية إلى تدمير 130 وحدة سكنية بشكل كلي، وتشريد سكانها، إلى جانب تضرر نحو 700 وحدة سكنية أخرى بدرجات متفاوتة، إضافة إلى الضرر الاقتصادي الذي تعرض له تجار القطاع مع بداية موسم رمضان، والأضرار النفسية للفلسطينيين.
وعادت الحياة تدريجياً إلى غزة وأسواقها وشوارعها، فيما شيع الفلسطينيون ضحايا العدوان وتفقدوا أحوال بعضهم البعض، وعم الحزن مناطق القطاع المختلفة التي تعرضت للعدوان والاستهداف الإسرائيلي المباشر الذي تزامن مع استعدادات شهر رمضان.
ومقارنة مع الاعتداءات الإسرائيلية السابقة، ارتفع عدد الشهداء بشكل أكبر في هذه الجولة، واستخدمت إسرائيل قوة نارية مفرطة هذه المرة، على غير العادة، رغم أنها في اليوم الأول من العدوان (السبت) كانت مضبوطة الاستهداف، وفي اليوم الثاني كان استخدامها يتزايد للضغط على المفاوضين الفلسطينيين في القاهرة لإجبارهم على العودة لاتفاقات الهدوء مقابل الهدوء.
وأظهر الاستخدام الإسرائيلي للقوة النارية القصوى رغبة في إغلاق ملف التصعيد سريعاً، غير أنّ ذهاب المقاومة في المقابل للتصعيد واستهداف ناقلات الجند والجيبات العسكرية بالصواريخ الموجهة وتوسيع دائرة ومديات الصواريخ المنطلقة من القطاع، أوقف هذا المنحنى.
وفي السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هذه الجولة من جولات الصراع ممتلئة بالرسائل خصوصاً من جهة المقاومة الفلسطينية التي نجحت في إيصال رسائلها من خلال العمل التقني والاستهدافات الدقيقة للاحتلال الإسرائيلي في مدنه وبلداته المحتلة عام 1948. وأوضح أن المقاومة، وعبر ضرباتها الصاروخية، كانت تسير بشكل دقيق في استهدافها للاحتلال رغم استخدام الأخير للعنف والقوة المفرطة في تدمير التجمعات السكنية والمنازل وهو ما أثبت عدم امتلاكه لبنك أهداف حقيقي خاص بالمقاومة.
وأشار محيسن إلى أنّ المختلف في الجولة الحالية عن سابقتها هو حالة التلاحم بين الأذرع العسكرية لقوى المقاومة مقارنة مع الجولات السابقة إلى جانب استعادة الحاضنة الشعبية بشكلٍ كبير واستخدام المقاومة للقوة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
واللافت، بحسب محيسن، هذه المرة حالة التبادل في الأدوار بين قوى المقاومة الفلسطينية والتماسك والتنسيق عالي المستوى وهو ما لم يكن بهذه الطريقة في المرات السابقة، إلى جانب التنسيق السياسي الذي بات واضحاً في الأهداف والمطالب وهو نتاج لتطور التنسيق الميداني العسكري.
وأوضح أنّ الاحتلال سيقرأ ويحلل مخرجات هذه الجولة جيداً خصوصاً أنه مجتمع ذو طابع أمني، فالمقاومة نجحت في جولة التصعيد الحالية في تعريض أمن مليون ونصف مليون إسرائيلي للخطر عبر القوة التي استخدمتها ومن يضمن النتيجة التي ستحصل فيما لو اتسعت رقعة القصف.
وعن الضمانات بالتزام الاحتلال الإسرائيلي، أكّد المحلل الفلسطيني أنه لا ضمانات والمقاومة باتت تعمل وفقاً لفلسفة "إن عدتم عدنا" التي تتبع فيها سياسة انتزاع الحقوق من بين أنياب الاحتلال الإسرائيلي خصوصاً أن المواجهة لم تنته.