تسبّب قرار السلطات العراقية تسليح بعض عشائر المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش، بإثارة قلق فصائل منضوية ضمن "الحشد الشعبي"، التي تعتقد أنّ ذلك يمثّل مزاحمة لها في المناطق التي استقرت فيها بعد طرد التنظيم منها. وفيما عبر سياسيون عن خشيتهم من استنساخ تجربة "الصحوات العشائرية" التي تحول بعض عناصرها إلى مقاتلين في "داعش"، قالت مصادر سياسية إنّ الأميركيين يؤيدون تسليح العشائر، شريطة أن يكون الدعم مرهوناً بموافقة الجهات الرسمية العراقية. وقرّرت السلطات العراقية، في العاشر من شهر مايو/ أيار الحالي، تسليح أبناء العشائر في 50 قرية نائية تقع قرب الحدود مع سورية غربي الموصل شمالي البلاد، وأخرى جنوبها، ضمن محور حمام العليل - الشرقاط، لمواجهة أي هجمات محتملة من قبل تنظيم "داعش". وقال قائد عمليات الجيش في نينوى، اللواء نجم الجبوري، إنّ السلطات العراقية "قررت تسليح العشائر في 50 قرية بنينوى من أجل صدّ الهجمات الإرهابية".
وفي السياق، قال عضو البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار يحيى المحمدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه يؤيّد تسليح العشائر "بهدف الحدّ من خطر التنظيمات الإرهابية"، معتبراً أنها "يمكن أن تقدّم الإسناد للجيش". ورأى المحمدي أنّ تسليح العشائر يعدّ "خياراً صحيحاً، لكن ليس على نطاق واسع"، مضيفاً: "لا بأس في أن يكون للعشائر دور في مناطق معينة لملاحقة فلول الإرهاب". بدوره، أكّد فاضل العيساوي، وهو أحد الزعامات القبلية التي قاتلت تنظيم "داعش"، وجود ترحيب من عشائر الأنبار بالحديث عن رغبة بتسليحها. ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى ضرورة توسيع تجربة محافظة نينوى (شمالاً) التي تمّ تسليح العشائر في العشرات من قراها. وأوضح العيساوي أنّ أغلب مسلحي العشائر يمتلكون خبرة مهمة في قتال الجماعات الإرهابية، مشيراً إلى أنّ كثيراً منهم قاتل تنظيم القاعدة في الأنبار بين عامي 2006 و2007، من خلال انخراطهم بالصحوات العشائرية. ولفت إلى وجود اتصالات مكثفة بين السلطات العراقية وزعماء عشائر، بهدف السماح للتشكيلات العشائرية بأخذ دور أكبر في قتال الإرهاب.
اقــرأ أيضاً
في غضون ذلك، أكّد مسؤول محلي رفيع في الأنبار غربي العراق، وجود دعم أميركي لقضية تسليح العشائر، لافتاً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ قاعدة "عين الأسد" التي توجد فيها القوات الأميركية، شهدت أخيراً اجتماعات بين مسؤولين أميركيين وزعماء قبائل مؤثرين. وأشار المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى حصول بعض الزعامات المحلية على وعود بالتسليح، موضحاً أنّ أغلب العشائر ترحّب بهذا الأمر، فيما بعضها يخشى من احتمال زجّها في مواجهة مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران. وفيما لفت إلى وجود رغبة أميركية في منح دور للعشائر في محافظة الأنبار يمتد حتى حدود المحافظة مع العاصمة بغداد، وبقية المحافظات، أكّد أنّ الأميركيين اشترطوا أن يكون أي دعم بموافقة وإشراف السلطات العراقية.
لكنّ عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي، أكّد رفضه تسليح عشائر المناطق الواقعة في محيط العاصمة العراقية، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ تسليح العشائر في محافظات مجاورة لبغداد مثل الأنبار، يمكن أن يعيدنا إلى زمن الصحوات.
والصحوات عبارة عن تشكيلات عشائرية تم تأسيسها عام 2006 لقتال تنظيم "القاعدة" بقرار عراقي ودعم وتسليح أميركي. وكانت بدأت في محافظة الأنبار قبل، أن تتمدد إلى محافظات شمال وأطراف العاصمة بغداد. وبعد نحو أربع سنوات على تشكيلها، قام رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بحلّها لكون أغلبها تتشكّل من مقاتلين من عشائر عربية سنّية.
وأوضح المطلبي (وهو من قيادات ائتلاف دولة القانون المنضوي ضمن تحالف البناء المدعوم إيرانياً)، أنه كان معارضاً لتشكيل الصحوات في حينها، "لأنها تقوّي سلطة العشيرة على الدولة"، مشيراً إلى أنّ "أبناء العشائر يمكن أن يقاتلوا الإرهاب من خلال انخراطهم في الجيش بشكل رسمي، من دون الحاجة إلى استنساخ تجربة الصحوات". ورأى أنّ "تسليح العشائر سيعيد أخطاء الماضي، لأنّ أي تشكيل مسلح على غرار الصحوات سيكون مرتبطاً بأجندات سياسية تفضّل مصالحها على مصلحة البلاد". وحذّر المطلبي من التوظيف الأميركي للعشائر، وخصوصاً خلال الأزمة الراهنة بين واشنطن وطهران.
من جهته، عبّر قائمقام سنجار بمحافظة نينوى، محما خليل، وهو من قيادات الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، عن استغرابه من قيام الحكومة العراقية بتوزيع السلاح على العشائر في جنوب الموصل (مركز محافظة نينوى)، وسنجار، مؤكداً في بيان له أخيراً، أنّ هذا الإجراء "يثير الهواجس والتخوّف في نفوس العراقيين، ولا سيما في البلدات المجاورة للمناطق التي تم تسليحها". وتوقّع خليل أن يتسبّب تسليح العشائر في استفزاز أطراف أخرى في المستقبل، لكون السلاح وزّع على أسس جغرافية، وعلى مكوّن واحد، داعياً إلى إعادة النظر بالخطوة "التي منحت السلاح للعشائر بشكل مخالف للدستور".
القلق من تسليح العشائر لم يقتصر على الإدارة المحلية في سنجار، إذ تنظر قيادات في "الحشد الشعبي" إلى هذه الخطوة بعين الريبة والشكّ، وفقاً لما أكده مصدر في القاطع الشمالي لـ"الحشد" بمحافظة الأنبار لـ"العربي الجديد"، قائلاً إنّ قادة الفصائل المسلحة يعتقدون أن تسليح العشائر "يمثّل سيفاً ذا حدين".
القلق من تسليح العشائر لم يقتصر على الإدارة المحلية في سنجار، إذ تنظر قيادات في "الحشد الشعبي" إلى هذه الخطوة بعين الريبة والشكّ، وفقاً لما أكده مصدر في القاطع الشمالي لـ"الحشد" بمحافظة الأنبار لـ"العربي الجديد"، قائلاً إنّ قادة الفصائل المسلحة يعتقدون أن تسليح العشائر "يمثّل سيفاً ذا حدين".
ولفت المصدر إلى وجود تساؤلات، عن تزامن تسليح العشائر مع دعوات إخراج "الحشد الشعبي" من نينوى ومناطق أخرى، مؤكداً أنّ قيادات "الحشد" حصلت على معلومات تفيد بوجود دعم أميركي لتسليح العشائر، وهو ما قد يمثّل ورقة أميركية للضغط على فصائل ترتبط بعلاقة وثيقة مع إيران، في حال وصل الصراع بين واشنطن وطهران إلى حدّ المواجهة.
وتأتي هذه التطورات، بالتزامن مع تحركات لقوات أميركية بمحيط قاعدة "عين الأسد" بمحافظة الأنبار، ورفض قيادات بفصائل مسلحة لأي تمدد أميركي في العراق.
وفي هذا الإطار، قال معاون الأمين العام لمليشيا "النجباء" نصر الشمري، إنّ حركته "لن تسمح بزيادة عدد القواعد الأميركية في العراق"، مشيراً في تصريح صحافي له أخيراً، إلى وجود 18 قاعدة أميركية منتشرة شمال البلاد وغربها. وأكّد الشمري أنّ "فصائل المقاومة" ترفض الوجود الأميركي في العراق بشكل قاطع، كما ترفض زيادة عدد القواعد الأميركية، مطالباً البرلمان بـ"إثبات صدق انتمائه للشعب من خلال تشريع قانون لإخراج القوات الأميركية، والحفاظ على سيادة العراق من الفتن والمشاكل"، وفقاً لتعبيره. وفي فبراير/ شباط الماضي، قالت وسائل إعلام عراقية محلية، إنّ قاعدة "عين الأسد"، شهدت اجتماعاً لأميركيين مع ضباط عراقيين وزعماء قبليين، نتج عنه موافقة الجانب الأميركي على تسليح عشائر "سنّية".