الدول الأوروبية ومأزق العقوبات الأميركية على إيران

10 مايو 2019
الاتحاد الأوروبي بين تهديدات إيران وضغوط ترامب(إيمانويل دوناند/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن محاولات الأوروبيين إنقاذ اقتصاد إيران من تداعيات إعادة فرض العقوبات الأميركية باءت الفشل، بل حتى إنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب استهدف قطاعات جديدة؛ بينها الصلب والألمنيوم والنحاس والحديد وإيرادات العملات الأجنبية لطهران، ما قد يترجم أيضاً في تحجيم عمل الشركات الدولية، وتعقيد تخليص المعاملات المالية الفورية للعملاء الأوروبيين.

أمام هذا الواقع، بات الأوروبيون في مأزق حقيقي، رغم البيان الصادر أمس الخميس عن الاتحاد الأوروبي، والدول المؤثرة فيه؛ ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، الذي رفض بشكل صارم مهلة 60 يوماً منحتها طهران، لتنفيذ تعهداتهم في المجالات المصرفية والنفطية، وهي القطاعات الخاضعة للعقوبات الأميركية، أو تعليق التزامها ببنود أخرى في الاتفاق النووي الموقّع مع الدول الكبرى عام 2015.

وبينما شدد الأوروبيون على أنه سيكون هناك إعادة تقييم من قبلهم لمدى احترام إيران لالتزاماتها النووية، يبدو أنّهم غير قادرين على المخاطرة بجدية أميركا بمعاقبتهم، إذا ما رضخوا لمطالب طهران، ما يبرهن على أنّ طريق أوروبا إلى أن تكون قوة عالمية ما زالت طويلة.

الشعور بالإحباط المتزايد من العجز الأوروبي، وطلب طهران إغاثتها اقتصادياً، الذي عبّر عنه الرئيس الإيراني حسن روحاني، رأى فيه خبراء في الشؤون الاستراتيجية الأوروبية، مناشدة خالصة للشركاء في الاتفاق النووي.

وفي هذه المناشدة، يتعيّن على الأوروبيين أن يضمنوا استمرار تصدير النفط الإيراني، وعدم انقطاع البنوك الإيرانية عن النظام المالي الدولي، على الرغم من العقوبات الأميركية الجديدة، مع قيام ترامب بإلغاء التراخيص الثمانية المتبقية لتصدير النفط بهدف معلن؛ هو تقليص الصادرات الإيرانية إلى الصفر.

ويعتبر الباحث السياسي كورنيليوس أديبار في حديث مع صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية، اليوم الجمعة، أنّ "هناك حجة مزدوجة وراء التهديد الإيراني: أولاً أنّ الحكومة الإيرانية تريد تذكير الأوروبيين بأنّها نسبياً مرساة للاستقرار في منطقة مضطربة، وهي تلعب دوراً رئيسياً فيها، ومن أنّه إذا ما أصبحت إيران "سورية ثانية"، فستكون أوروبا في خطر، في حين لن تتأثر الولايات المتحدة إلا بدرجة محدودة للغاية".

أراد الرئيس الإيراني، وبوضوح، إبعاد التهمة عن طهران بأنّها تستخدم عائداتها من النفط في المقام الأول "للأنشطة المزعزعة للاستقرار" في المنطقة؛ أي في سورية ولبنان واليمن والعراق، والتذكير بأنّ الأموال يتم توجيهها أيضاً لتدابير الحماية للحد من عمليات الهجرة وتهريب المخدرات، وحيث تُعتبر إيران بلد عبور لتهريب الأفيون من الدول المجاورة.


وعن هذا الواقع، يعتبر الخبراء أنّه ينبغي على الأوروبيين، إذا لم تنجح ترتيبات تجارة النفط، تقييم تهديد الرئيس روحاني بإرسال المهاجرين، في إشارة منه إلى وجود 2 مليون من اللاجئين الأفغان الذين يعيشون في إيران، منذ الغزو السوفياتي لبلادهم، ومبرزين أنّ الأمر مبالغ فيه نسبياً لأنّ هناك تركيا أولاً، التي ليس لديها مصلحة في السماح لحركة ليس من السهل توجيهها على أراضيها.

وعن إمكانيات الاتحاد الأوروبي في المساعدة بالاستجابة لتهديدات إيران في غضون 60 يوماً، يشير الخبراء إلى أنّ العديد من الدول الأوروبية أنشأت ما تسمى "أداة انستكس"؛ وهي بمثابة بورصة لتسوية مطالبات المستوردين والمصدرين، وبنوع من التبادل بين الشركات الأوروبية والإيرانية، بحيث لا تتدفق الأموال إلى إيران أو منها.

غير أنّ ذلك لن ينجح إلا إذا قام الإيرانيون باعتماد كيان مماثل، يتوافق مع الحد الأدنى من المعايير الدولية؛ في ما يتعلّق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

المهم الآن أن يأتي الأوروبيون بخطوات ملموسة يمكن للإيرانيين بيعها لشعوبهم، نتيجة إنذارهم النهائي، وإلا فستشعر طهران بأنّها مضطرة لاتخاذ الخطوات التالية من التصعيد، وهي خطوة من المحتمل أن تكون أكثر خطورة على الاتفاق.

وكان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قد قال الأربعاء الماضي، في تصريحات صحافية، إنّ "رأينا واضح وما يزال كما هو؛ نريد الحفاظ على الاتفاق وخاصة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، لسنا بحاجة إلى تصعيد إضافي في المنطقة".

وقال يوهان فادفول نائب رئيس كتلة "الحزب المسيحي الديمقراطي" في البوندستاغ (البرلمان)، إنه "إذا ما خرقت إيران الشروط، فإنّ الأمر سيؤدي حتماً إلى عقوبات قاسية".

أما بريطانيا فعبّرت عن موقفها، على لسان وزير خارجيتها جيريمي هنت، بالقول إنّ "هناك اتفاقاً مع الجانب الأميركي على ضرورة مواجهة التهديد الإيراني، لكن ليس سراً أنّ لدينا مقاربة مختلفة حول أفضل طريقة لتحقيق ذلك".


في المقابل، حذرت تقارير صحافية، من بينها تقرير لصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية، من أنّ تهديد إيران لأوروبا بتخصيب اليورانيوم مرة أخرى، وبطريقة مخالفة لما ينصّ عليه الاتفاق النووي "قد يفقدها لا فقط الدعم الاقتصادي الأوروبي، وإنّما أيضاً الدعم السياسي، وهذا هو بالضبط هدف الرئيس ترامب والاستراتيجية الأميركية المتمثلة في أقصى قدر من الضغط".