النظام السوري يصعّد لنسف اتفاق سوتشي

09 ابريل 2019
من آثار القصف على إدلب (حسن المهتار/الأناضول)
+ الخط -

تهدد حملة النظام السوري المستمرة منذ مطلع فبراير/شباط الماضي على مناطق عدة في شمال غرب سورية، التفاهمات التركية الروسية في سوتشي حول تلك المنطقة، وتدل على أن النظام ماضٍ في خطة هادفة لنسف هذا الاتفاق وفتح الطريق أمام عمل عسكري واسع النطاق، يبقى رهناً بموافقة موسكو، والتي تحضر فيها الملف السوري خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إليها أمس الإثنين.

وارتفعت حصيلة القتلى بين المدنيين جراء الغارات المكثّفة التي شنّتها قوات النظام على قرى وبلدات في ريف إدلب الأحد، في استمرار لتصعيد بدأ مطلع فبراير الماضي وأدى إلى مقتل وإصابة وتهجير آلاف المدنيين في شمال غربي سورية. ومن المفترض أن الشمال الغربي لسورية لا يزال محكوماً باتفاق سوتشي المبرم بين أنقرة وموسكو في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوحت بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. لكن النظام لم يلتزم بالاتفاق المذكور مهدداً باستعادة محافظة إدلب ومحيطها سلماً أو حرباً.

وتصدّرت المستجدات السورية، وأهمها التطورات في منطقة "خفض التصعيد" في إدلب، ووقف الخروقات، وتنفيذ اتفاق سوتشي، محادثات الرئيس التركي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، أمس، إضافة إلى تطورات الوضع في شرق الفرات، وفي محيط منبج وتل رفعت. وأعرب أردوغان، قبيل اللقاء، عن "استعداد تركيا بشكل كامل لكل العمليات العسكرية التي يمكن أن تحصل على حدود سورية"، مضيفاً "بإمكاننا أن ندخل في أي لحظة من دون أن يشعر أي أحد".
وفي كلمة له خلال اللقاء، شدد أردوغان على أهمية الخطوات التي قامت بها بلاده بالتعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب في سورية. في المقابل رحّب بوتين بتطور علاقات بلاده مع تركيا.

وكان النظام السوري استبق هذا اللقاء بقصف مركّز على مناطق معينة في ريف إدلب الجنوبي، لا يخفي النظام رغبته بالسيطرة عليها، رغم التفاهمات الروسية التركية التي تحول دون ذلك. وليس من المتوقع أن يحقق النظام ما يتطلع إليه من انتزاع شمال غربي سورية، في ظل سعي أنقرة لتجنيب المنطقة التي تضم 4 ملايين مدني أي عمل عسكري واسع النطاق.
وتقف جملة من الأسباب المباشرة وغير المباشرة وراء استمرار التصعيد العسكري على شمال غربي سورية، معقل المعارضة البارز، والمعقل الأخير لـ"هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً). ولم يستبعد المحلل العسكري العقيد مصطفى البكور، في حديث مع "العربي الجديد"، احتمال وجود خلاف تركي روسي حول تنفيذ اتفاق سوتشي "خصوصاً موضوع الدوريات المشتركة ضمن المناطق المحررة التي رفضتها كافة الفصائل التابعة للمعارضة السورية المسلحة". ورأى البكور أن التصعيد "ربما يكون محاولة إيرانية لإفشال الاتفاق الروسي التركي برضا ضمني روسي، والدليل على ذلك مشاركة الطيران الروسي بقصف المناطق أكثر من مرة"، مضيفاً: "الاحتمال الثالث هو أن التصعيد يتم باتفاق روسي تركي للضغط على الفصائل الرافضة لمساري أستانة وسوتشي، وتشكيل ضغط شعبي عليها من خلال التهجير والمجازر".

كما لم يستبعد البكور أن يكون فتح الطرق الدولية أحد أسباب التصعيد من خلال "الضغط لتأمين محيط الطرق الدولية وفتحها"، خصوصاً أنه كان من المفترض وفق اتفاق سوتشي فتح طريقي حلب-حماة، وحلب-اللاذقية نهاية العام الماضي. وينصّ الاتفاق على أنه "ستجري استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب-اللاذقية) وإم 5 (حلب-حماة) بحلول نهاية عام 2018". وتسيطر المعارضة السورية على أوتوستراد حلب-اللاذقية من منطقة الراشدين في ريف حلب الغربي، والتي تعتبر منطقة اشتباك، مروراً بمدينتي سراقب وأريحا ثم ريف جسر الشغور في ريف إدلب، إلى ريف اللاذقية الشمالي عند منطقة الناجية.


وفي السياق، قال فريق "منسقي استجابة سورية"، أمس الإثنين، "إن الحملة العسكرية لقوات النظام وروسيا على الشمال السوري دخلت أسبوعها التاسع"، مشيراً في تقرير له إلى مقتل 244 مدنياً منذ 2 فبراير الماضي وحتى 8 إبريل/نيسان الحالي، منهم 195 شخصاً من عموم محافظة إدلب. وأكد الفريق نزوح أكثر من 25776 عائلة (160583 نسمة) موزعين على أكثر من 35 ناحية ضمن المنطقة الممتدة من مناطق درع الفرات وغصن الزيتون وصولا إلى مناطق شمال غرب سورية. وأشار إلى "أن استمرار العمليات العسكرية في المنطقة منزوعة السلاح والمناطق المجاورة لها، يثبت أن الهاجس الأكبر من تلك العمليات العسكرية إحداث أكبر موجة نزوح من المنطقة والعمل على التغيير الديمغرافي الكامل للمنطقة"، وفق التقرير.

إلى ذلك، وثّق مركز المعرة الإعلامي مقتل 44 مدنياً منذ مطلع الشهر الحالي نتيجة القصف المدفعي والصاروخي على أرياف محافظات إدلب وحماة وحلب، بينهم 17 طفلاً و7 نساء. وأوضح المركز أن عدد المصابين بالقذائف والصواريخ خلال الفترة ذاتها وصل إلى 308 مصابين، مشيراً إلى سقوط نحو 2400 قذيفة وصاروخ على 62 منطقة في المحافظات الثلاث. كما أشار إلى أن الطائرات الروسية أغارت 20 مرة على شمال غربي سورية منذ مطلع الشهر الحالي، ما أدى إلى مقتل واصابة مدنيين بينهم أطفال.

ويُعدّ ريف إدلب الجنوبي برمته هدفاً مباشراً لقوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها، فالسيطرة على هذا الريف تعني تأمين حماية كاملة لمدينة حماة، وفتح الطرق الدولية لتسهيل حركة مرور البضائع بين مناطق النظام، وهذا ما يفسر اشتداد الحملة على واحدة من أهم مدن هذا الريف وهي سراقب. وقُتل وأصيب عدد من المدنيين في القصف الجوي العنيف الذي هزّ المدينة الأحد، وأظهرت مشاهد مصورة تناثر جثث القتلى والجرحى في الشوارع التي كانوا يمرون بها لحظة القصف، بينما هرع مدنيون آخرون نحو مكان الهجوم لانتشال جثث الضحايا وإسعاف المصابين.

وتُعتبر مدينة سراقب من أوائل المدن السورية التي خرجت عن سيطرة النظام عام 2012، والتي شهدت نشاطاً ثورياً مدنياً مهماً، إذ تشكّل فيها مجلس محلي كان يُوصف من قِبل ناشطي الثورة بأنه "من المجالس المميزة في المناطق المحررة". ولكن المدينة تلقت ضربة على الصعيد الخدمي والمدني عام 2017 مع سيطرة "هيئة تحرير الشام" (النصرة) على المنطقة، فاضطر أعضاء المجلس المحلي لمغادرة سورية خوفاً من انتقام الهيئة. وقال الرئيس السابق للمجلس أسامة الحسين، لـ"العربي الجديد"، إن الجهات المموّلة توقفت عن دعم المشاريع الخدمية والمدنية مع سيطرة الهيئة على المنطقة، مضيفاً: "أكثر من مليوني دولار خسرتها المدينة منذ عام 2017 كان من المفترض ان تصرف على مشاريع تخدم الناس في المدينة". وأشار إلى "أن مياه الشرب لم تنقطع عن المدينة حتى مجيء ما يسمى بحكومة الإنقاذ التابعة للهيئة"، مضيفاً: "كان المجلس يوفر 60 في المائة من احتياجات سكان سراقب من التيار الكهربائي بأسعار بسيطة تعادل القيمة التشغيلية". وأوضح الحسين أن المجلس المحلي حافظ على مؤسسات الدولة عقب تحرير المدينة، خصوصاً السجل المدني والعقاري، مشيراً إلى أن المعاملات الإدارية كانت تتم في مدينة سراقب وترسل إلى وزارة الخارجية في دمشق للتصديق عليها، مضيفاً: "كان النظام مضطراً للتصديق لأنها معاملات صحيحة، ولهذا حاول عدة مرات تدمير مبنى المحاكم في سراقب".

ولفت الحسين إلى أن مدينة سراقب تكتسب أهميتها "من كونها مركز تجارة وتسوق لريف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حماة الشمالي والشرقي وريف حلب الجنوبي، إضافة إلى كونها عقدة طرق مميزة، إذ يمر منها طريقا حلب-حماة ومنها إلى العاصمة دمشق، وطريق حلب-اللاذقية الذي يربط الساحل السوري بشمال البلاد وشرقها". وقدّر عدد سكان مدينة سراقب الآن بنحو 60 ألف مدني، نصفهم من أهالي المدينة، والنصف الآخر نازحون من مختلف المناطق السورية، موضحاً أن سراقب فقدت أكثر من 1150 من أبنائها منذ انطلاق الثورة السورية نتيجة قصف جوي ومدفعي. ولفت إلى أن أهالي مدينة سراقب لا ينزحون بعيداً عن مدينتهم وريفها، مشيراً إلى أن المدينة تشهد أثناء عمليات القصف حركة نزوح داخلية مؤقتة، إذ تخرج العائلات إلى المزارع التي أعدت بها أماكن تصلح للسكن، وتعود مع انتهاء القصف.