أين تبخر قادة "داعش" بعد الباغوز؟

08 ابريل 2019
اختفى العديد من قادة التنظيم (جيوزيبي كاساتشي/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من إعلان "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، أواخر مارس/آذار الماضي، في حقل العمر النفطي، عن "تدمير ما كان يُسمى بتنظيم داعش، وإنهاء سيطرته الميدانية في آخر جيوبه، في منطقة الباغوز"، فإن تساؤلاتٍ كثيرة، أُثيرت حيال مصير أبرز قياديي التنظيم، مثل زعيمه أبو بكر البغدادي، ورئيس المجلس المفوض للرقابة الإدارية العامة بالتنظيم، حجي عبد الناصر، والمتحدث الحالي باسم التنظيم، أبو حسن المهاجر، وغيرهم من قيادات الصفوف الأولى في التنظيم الذي تداعت قوته، من دون أن يتلاشى تماماً.
ومع استسلام الآلاف من عناصر "داعش" لـ"قسد" و"التحالف الدولي" بعد فقدانهم القدرة على الانسحاب أو المناورة للخروج من آخر الجيوب بريف دير الزور الجنوبي الشرقي، فإنه لم يُسجّل القبض على قياديين بارزين في التنظيم خلال معارك الباغوز الأخيرة، بالتالي بقي مصير أبرز القادة مجهولاً.
في المقابل عُرف أن بعض قادة "داعش" ممن يحملون الجنسية السورية، قُتلوا خلال المعركة الأخيرة. ومن أبرز هؤلاء، أبو مجاهد البنّشي (أحمد السيد)، وأبو دجانة الزر (أحمد العبيد)، بعد أن قُتل قبلهم قياديون سوريون آخرون، في حروب التنظيم على مدار السنوات القليلة الماضية، أشهرهم على الإطلاق، المتحدث باسم التنظيم حتى مقتله في أغسطس/آب 2016، طه أسعد فلاحة، المعروف باسم "أبو محمد العدناني".

وبينما يبدو من شبه المستحيل الجزم بمصير باقي قادة التنظيم، الذين قُتلوا ربما من دون أن يتم إعلان ذلك، أو ما زالوا أحياء، خصوصاً أن في وسعهم التخفي أمنياً وتغيير أسمائهم وأماكن تواجدهم، فإن السيناريوهات المتوقعة، تشي، وفق فهم خارطة انتشار خلايا التنظيم في سورية والأماكن التي من الممكن أن يلجأوا إليها، بأن أهم قياديي "داعش" الأحياء حتى الآن، انتقلوا من الباغوز ومحيطها شرقاً، نحو إحدى المناطق التي يعرفون جغرافيتها وديمغرافيتها جيداً، في محافظتي الأنبار ونينوى في الأراضي العراقية، التي تبعد أقل من كيلومتر واحد عن الباغوز، أو غرباً، على الضفة الغربية لنهر الفرات، نحو البادية السورية، التي يتخندق التنظيم في جيوب فيها، تحديداً قرب السخنة، وأبو الرجمين، شمال مدينة تدمر، بنحو 60 كيلومتراً. كما لا يُستبعد تمكن بعضهم من الوصول إلى مناطق أخرى في الشمال السوري.

وبينما يبقى "الخليفة" كما يدعوه أنصارهُ، أبو بكرٍ البغدادي، العراقي الجنسية، أشهر شخصيات التنظيم، ومن المُرجح أنه مع أحد أكبر مساعديه، "حجي عبد الناصر"(التلعفري)، والمتحدث الحالي باسم "داعش"، أبو حسن المُهاجر، ما زالوا أحياء، فقد برزت من الجنسية السورية، أسماء كثيرة، في قيادة "داعش"؛ بعضهم أحياء، وبعضهم قُتلَ، وآخرون قيل إنهم قتلوا دون تأكيدٍ رسمي لذلك.

"الثعلب"... والي الرقة

علي موسى الشواخ المعروف باسمه الحركي "أبو لقمان"، يُعتبر أشهر شخصية سورية في "داعش". يحضر اسمه في معظم ما يُعرف عن علاقات التحالف والتنافر ضمن صفوف تيارات التنظيم. غيّر "أبو لقمان" اسمه الحركي مراراً، وتدرج في الصفوف الأولى لقيادة التنظيم، من العمل الأمني والعسكري وصولاً إلى منصب "والي الرقة". هو من مواليد قرية السحل بريف الرقة الجنوبي الغربي، لأسرة من قبيلة العجيل. يُرجح وفق معظم المعلومات التي قاطعتها "العربي الجديد" من مصادر عدة، أنه وُلدَ عام 1973، وبعد حصوله على الثانوية العامة، التحق بجامعة حلب، وتخصّص في الأدب العربي (بعض المعلومات تشير إلى أنه درس الحقوق بنفس الجامعة)، قبل أن ينهي دراسته ويلتحق بعد ذلك بالخدمة الإلزامية في الجيش السوري، لثلاثين شهراً. ومع بدء الغزو الأميركي للعراق، عام 2003، بدأ اتصالاته مع تنظيم "القاعدة"، بحسب ما تفيد مصادر متابعة.



وأفاد مصدران متحدران من منطقة "أبو لقمان"، في محافظة الرقة، تواصلت معهما "العربي الجديد"، بأن الرجل نشط بعد الغزو الأميركي عام 2003، في تعبئة شباب منطقته فكرياً، مستغلاً تغاضي النظام السوري حينها عن عمليات التجنيد لحساب القاعدة، في الوقت الذي كان يعمل فيه مدّرساً للغة العربية. بعدها اعتقلته المخابرات السورية، وزجّت به في سجن صيدنايا الشهير، بريف دمشق. ومع بداية الثورة السورية نُقل أبو لقمان من سجن صيدنايا إلى سجن الرقة، قبل إطلاق سراحه نهاية عام 2011، في أوج توسع رقعة التظاهرات ضد نظام الأسد. وأكد المصدران أن مخابرات النظام الجوية، قبضت سنة 2012 على أبو لقمان، مع أشخاص آخرين بينهم صديقه حامد الطياوي، أثناء نقلهم شحنة أسلحة من العراق، إلى محافظة دير الزور، قبل إطلاق سراحه بعد ذلك بأسابيع، وتحوّله لاحقاً إلى أحد أشهر قياديي "القاعدة" في سورية. بعدها بايع أبو بكر البغدادي، بعد إعلان "الخلافة"، وتقلّد مناصب أمنية رفيعة في التنظيم، وبات المسؤول الأمني العام له (مسؤول جمع ومقاطعة المعلومات، وتنفيذ العمليات الأمنية والاعتقالات)، ثم والي "الرقة".

ويصف أحد المعارف الشخصيين لـ"أبو لقمان" قبل عام 2011، شكله قائلاً إن الأخير "نحيف ومتوسط الطول ويلبس نظاراتٍ طبية". ويلفت إلى أنه كان "متحدث جيد ويتمتع بكاريزما خطابية عالية، وتمكن من الالتفاف والمناورة داخل التنظيم، والاختفاء والتنكر خلف شخصيات وأسماءٍ عديدة، حتى الوصول لأعلى مناصب التنظيم القيادية". مع العلم أنه أُعلن مراتٍ عدة في وسائل إعلام عن مقتل "أبو لقمان"، لكن أحد المصدرين اللذين تحدثا مع "العربي الجديد" توقع أن يكون حياً، فيما رَجَحَ الآخر مقتلهُ بإحدى غارات التحالف الدولي سنة 2018. وكانت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية ذكرت خلال تحقيقٍ أعده ثلاثة صحافيين قبل نحو شهر أن الأمن الفرنسي لم يؤكد معلومة مقتل الشواخ، الذي قالت نفس الصحيفة، إنه سافر شهراً إلى ليبيا لدعم فرع "داعش" هناك، بعد أن كان أصيب بقصفٍ في مدينة الباب شرقي حلب، سنة 2016، ثم عاد ليتابع تحركاته في سورية.

 أحمد جميل السيد... "أبو مجاهد البنشي"

في أواخر عام 2011 ومطلع عام 2012، عاد طه أسعد فلاحة إلى مسقط رأسه، بلدة بنّش، شمال شرقي مركز محافظة إدلب، بعد غيابٍ عنها دام 13 عاماً، مقدّماً نفسه لمن التقاهم حينها، باسم "أبو محمد العدناني"، المتحدث الرسمي لـ"القاعدة" في العراق، ومبعوث التنظيم إلى سورية. التقى العدناني، شخصياتٍ عدة في مسقط رأسه بعد عودته؛ بينهم أبو جميل قطب، الذي كان خرج قبل أشهر من سجن صيدنايا، والذي أصبح لاحقاً الرجل الثاني في "حركة أحرار الشام الإسلامية" قبل مقتله، في دير الزغب (قرب إدلب) في مارس/آذار 2015، أثناء المعارك التي أفضت إلى خروج قوات النظام من مدينة إدلب.



 في بنّش، ومن بين الذين التقاهم العدناني، الذي أصبح بعد ذلك بسنتين المتحدث الرسمي لتنظيم "داعش" حتى مقتله، شابٌ في منتصف العشرينات، اسمه أحمد جميل السيد أو "أبو مجاهد البنشي". تقارب الأخير مع العدناني الذي يكبره سناً، فكرياً وعائلياً، إذ تزوج العدناني شقيقة "البنشي"، الذي غدا من أرفع قياديي "جبهة النصرة" في بنّش، قبل خلاف أبو محمد الجولاني مع البغدادي عام 2013. حينها بايع "البنشي" البغدادي، ملتحقاً بـ"داعش" في الرقة، وبات صوتاً مألوفاً لدى أنصارها، كما العدناني.

وقد تحدث لـ"العربي الجديد"، بعض من كان يعرف "البنشي" قبل عام 2011، قائلين إنه ولد في بنّش عام 1988، وغادرها إلى لبنان، لدراسة الشريعة ثم أصبح قيادياً لـ"النصرة" في مسقط رأسه، قبل انقطاع التواصل معه، عند مغادرته لمحافظة الرقة، التي بث منها مشاهد مصورة وتسجيلاتٍ، نشد فيها الكلمات الدعائية المشهورة لـ"داعش"، وعنوانها "دولتنا منصورة" ليذاع صيته، إعلامياً في أوساط التنظيم.
غير أن انخراط "البنشي" في "داعش"، لم يقتصر على الإعلام والإنشاد، بل تقلّد مناصب عسكرية في التنظيم، الذي عيّنه سنة 2016 والياً على تدمر، فكان من كبار القياديين العسكريين فيه، أثناء الهجوم الثاني لـ"داعش"، وسيطرته مجدداً على مدينة تدمر في ديسمبر/كانون الأول 2016.

ونتيجة التكتم الشديد للتنظيم في الإفصاح عن مفاصل إدارته، فإنه لم يكن يُعلم على وجه الدقة ما إذا كان "البنشي" تقلد مناصب أخرى إلى حين مشاهدته بتسجيل مصوّرٍ، بثّه بنفسه على الإنترنت، أثناء المعارك الأخيرة في الباغوز، ثم قُتل لاحقاً في الأسبوع الأول من مارس/آذار الماضي، بغارةٍ للتحالف الدولي.


صَدّامْ الجَمل.. صِدامُ "النصرة" دفعه لـ"داعش"

على بعد 250 كيلومتراً إلى الجنوب من قرية السحل (مسقط رأس أبو لقمان)، وغرب الباغوز بأقل من سبعة كيلومترات، وُلِدَ صدام الجمل، سنة 1978، في منطقة البوكمال السورية والحدودية مع العراق. تتضارب المعطيات حول نشأته، فالبعض يقول إنه لم يدرس سوى المرحلة الابتدائية، ورواية أخرى تفيد بأنه واصل تعليمه حتى المرحلة الثانوية، وعمل بائعاً في سوق البوكمال، قبل إرخاء النظام السوري، قبضته الأمنية في المناطق الحدودية مع العراق، بعد بدء الغزو الأميركي عام 2003.



في هذه المرحلة من غياب الضبط الأمني، على جانبي الحدود، بدأ صدام الجمل بالعمل في تهريب سلعٍ رخيصة، سعرها مرتفعٌ على الجانب الآخر من الحدود، كالأدوية والمواد الزراعية، والدخان (وهو ما أكده بنفسه، خلال مقابلة تلفزيونية معه في 24 يناير/كانون الثاني سنة 2019، بعد القبض عليه من قبل المخابرات العراقية). واستمر بالعمل في التهريب حتى بدأت الثورة في سورية ضد نظام الأسد، فانخرط في مرحلة التسليح، ضمن المجموعات العسكرية المختلفة، بداية مع الجيش الحر، الذي دخل لاحقاً في تحالفٍ مع "النصرة" وفصائل إسلامية أخرى، خلال الربع الأول من عام 2014، لدحر "داعش" من دير الزور، وهو ما كان مؤقتاً.

وبحسب معظم الروايات الموثوقة، وبعضها استقتها "العربي الجديد" من باحثين متخصصين من دير الزور، فإن "الجمل لم يكن شخصاً مؤدلجاً، غير أنه منذ ما قبل هزيمة تنظيم داعش في أرياف دير الزور أمام تحالفٍ واسع ضده في مارس 2014، دخل في نزاع مع جبهة النصرة، التي اتهمته، بالتعامل مع قوى دولية لمحاربة المجموعات الإسلامية، ففجّرت منزله بمدينة البوكمال، وقتلت شقيقه. كما قُتل لاحقاً اثنان من أشقائه في النزاع، ما جعله يحقد على النصرة، ويسعى للانتقام منها. في المقابل، وجد "داعش" فيه شخصاً يملك نفوذاً عشائرياً في البوكمال، ويتبع له مئات المقاتلين، ويبحث عن الثأر من النصرة. وبالتالي اجتمعت رغبة التنظيم في استثماره، مع تطلع الجمل للانخراط بداعش، كقوةٍ تُحارب النصرة التي يسعى للانتقام منها".

انضم الجمل في نهاية 2013 لـ"داعش"، ليقود في 11 إبريل/نيسان 2014، هجوم "داعش" على "النصرة" في البوكمال، التي بات فعلياً القائد الأبرز للتنظيم فيها. وفي مايو/أيار 2018، أعلنت المخابرات العراقية، القبض على قياديين في "داعش"، كان بينهم الجمل، الذي ظهر في 24 يناير/كانون الثاني 2019، بمقابلة مصورة مدتها 66 دقيقة مع "مؤسسة ناس الإعلامية" العراقية، قال فيها إنه التقى بأبرز شخصيات التنظيم، بينهم أبو لقمان عام 2016، في اجتماعٍ في مستشفى دار السلام، بمدينة الموصل العراقية، لتقديم شكوى ضد والي الفرات حينها، أبو أنس السامرائي.

أبو دجانة الزر... القائد العسكري لـ"ولاية الخير"


من بين قياديي "داعش" السوريين أيضاً، يبرز اسم "أبو دجانة الزر"، الذي قُتل في فبراير/شباط الماضي، أثناء المعارك الأخيرة في الباغوز، الواقعة إلى الجنوب من مسقط رأسه بنحو 90 كيلومتراً. ينحدر "أبو دجانة" من قرية الزر، التي تتبع ناحية البصيرة، بريف دير الزور الجنوبي، واسمه الحقيقي، أحمد العبيد. بايع "داعش" بعد إعلان "الخلافة"، وأصبح بحسب الروايات، أحد أكثر قادته دموية، وشغل مناصب عديدة في التنظيم، أبرزها القائد العسكري لـ"ولاية الخير" (دير الزور).

قائمة طويلة من القيادات

تضمّ قائمة القياديين السوريين في "داعش"، أسماء كثيرة، بينهم مسؤول التنسيق العشائري في التنظيم، توباد البريج، وحسان عبود (قائد لواء داوود)، وأبو أحمد الشمالي، وأبو علي الشرعي، وغيرهم. وكان التنظيم اعتمد عند صعوده على شخصياتٍ تنحدر من عشائر كبيرة، في منطقة شرقي سورية، حيث تؤدي العشيرة دوراً مهماً كبنية اجتماعية. ومن أبرز هذه الشخصيات التي ساهمت بصعود التنظيم في دير الزور، عامر الرفدان، الذي ينحدر من قرية جديد عكيدات، لأسرة من عشيرة البكيّر، التي تتبع إحدى أكبر العشائر السورية، وهي العكيدات.

وبحسب شهادات استقتها "العربي الجديد" من مصادر في دير الزور، فإن الرفدان، لم يكن متعلماً، ولم يُعرف عنه الالتزام دينياً، لكنه عُرف في مجتمعه كشخص شرس، انضم لجبهة النصرة، بعد وصولها لدير الزور، وتركها لاحقاً بعد مبايعته "داعش"، الذي كان يعتمد على أشخاصٍ مثله، ينتمون لعشائر كبرى في المنطقة. وبلغ ذروة مناصبه بالتنظيم، عندما عُيّنَ أميراً لولاية الخير، قبل مقتله في غارةٍ للتحالف، بدير الزور، أواسط يوليو/تموز 2015.