إلا أن الموقع الجغرافي لجرف الصخر، والعدد الهائل لسكانها الموجودين في المخيمات منذ أكثر من أربع سنوات ونصف، وتصريح وتلميح مسؤولين عراقيين بأن ملف البلدة بيد جهات في إيران ولبنان، جعلها عنواناً لمشكلة البلدات التي لا يزال أهلها بالمعسكرات في الصحراء، رغم تحريرها وطرد تنظيم "داعش" منها منذ سنوات.
وفتح القائم بأعمال السفارة الأميركية جوي هود، خلال مقابلة مع محطة تلفزيون محلية عراقية مطلع الأسبوع الحالي، الجدل مجدداً حول المناطق الممنوع أهلها من العودة، وذكر أن مليشيات "حزب الله" العراقية و"النجباء"، تقوم بابتزاز الناس وأخذ الأتاوى، وتمنع النازحين من العودة لمنازلهم. وقال هود: "كنت في الفلوجة قبل أيام، وشاهدت أوضاع النازحين المأسوية الذين تمنعهم كتائب "حزب الله"، من العودة الى مناطقهم في جرف الصخر".
وتعدّ البلدة بمثابة بوابة دخول لمناطق جنوب العراق، إذ تفصل بين العاصمة بغداد وجنوب العراق، وتمرّ من خلالها الطريق الرئيسية، كما تتصل المدينة التي تعتبر أكبر ناحية إدارية في العراق، مع حدود محافظة الأنبار غربي البلاد، وتحديداً عبر بلدة العويسات التابعة للفلوجة، التي لا تزال هي الأخرى محرمة على أهلها، إلى جانب قصبات وقرى أخرى متجاورة.
ويبلغ عدد سكان جرف الصخر نحو ربع مليون نسمة، تشمل سكان البلدة والمناطق المحيطة بها، مثل الجنابيين والفاضلية والفارسية والباج الشمالي والباج الجنوبي وصنيديج وقامشلي والقراغول، وهي بالغالب مناطق ذات طابع زراعي، وكانت خلال التسعينيات، أي خلال فترة الحصار الاقتصادي على العراق، سلّة غذاء سكان بغداد الأولى.
وتسيطر على المنطقة حالياً فصائل مسلحة عديدة، أبرزها كتائب "حزب الله"، و"النجباء"، و"العصائب"، و"الخراساني"، وفصائل أخرى كلها مرتبطة مع إيران، وباتت أخيراً تعرّف عن نفسها بعبارة "المقاومة الإسلامية"، ومحلياً يطلق عليها اسم "الولائية"، في إشارة الى إيمانهم بمشروع الولي الفقيه الإيراني، ولتمييزهم عن فصائل مسلحة أخرى ترتبط بالنجف وكربلاء، ولا تتبع بما يتبعه أفراد تلك الفصائل.
وتسببت تصريحات القائم بالأعمال الأميركي في بغداد بأزمة جديدة، إذ ردت فصائل مسلحة على تصريحاته، معتبرة إياها تدخلاً في الشأن العراقي، بينما برر سياسيون معروفون بقربهم من إيران عدم إعادة العائلات الى مدنها، بما وصفوه بوجود مخلفات لـ"داعش" وألغام وعدم وجود تخصيصات مالية لتأهيل مناطقهم، وهو ما ينفيه آخرون، مؤكدين في الوقت ذاته أن فرق الأمم المتحدة لإزالة الألغام منعت من دخول تلك المناطق أصلاً من قبل المليشيات، فيما عطلت عمليات التأهيل كلها من قبلها، متسائلين عن سبب تأهيل مناطق أخرى واستثناء هذه المدن في حال تمّ التسليم بهذه الذرائع، وما هو السبب وراء عدم تخصيص أموال لها من الأساس، كما خصصت للفلوجة والرمادي والشرقاط والموصل وبلدات أخرى؟
من جهتها، ردت مليشيا "النجباء"، التي صنفتها واشنطن أخيراً جماعة إرهابية، على الاتهامات التي وجهها القائم بأعمال السفارة الأميركية، قائلة إن ما وصفتها بـ"فصائل المقاومة" لا تتلقى دعماً من إيران، وأن واشنطن تريد أن تسيء وتخلق فتنة جديدة في العراق، وأن الهدف هو إعادة الجماعات الإرهابية إلى المنطقة لتشكل تهديداً على بابل وكربلاء وجميع مدن الجنوب، وفقاً لردها. ورفض مجلس محافظة بابل، الذي كان قد صوّت في آب/ أغسطس 2017، على قرارٍ يقضي بإقامة دعوى قضائية ضد أي جهة سياسية أو حزبية تطالب بعودة نازحي جرف الصخر إلى منازلهم، تصريحات القائم بأعمال السفارة الأميركية في العراق، والتدخل بما سموها "شؤون المحافظة".
وذكر المجلس في بيانٍ، أن "ناحية جرف النصر سيئة بسبب خطر الألغام والعبوات التي خلفها تنظيم داعش الإجرامي". وتصرّ السلطات العراقية على اعتماد اسم "جرف النصر"، بدلاً من جرف الصخر، إلا أن السكان يرون ذلك جزءاً من مشروع التغيير الديموغرافي بالمدينة.
واليوم الإثنين، اعتبر عضو مجلس محافظة بابل علي الكرعاوي، أن تصريحات هود "تدخّل لا يمكن القبول به"، مبيناً في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية عراقية، أن "ناحية جرف النصر لا تزال تعاني من مخلفات احتلال داعش الإجرامي، لكون أغلب المنازل مفخخة، فضلاً عن انتشار العبوات المعقدة في المدينة"، معتبراً أن "شروط إعادة النازحين ستكون صارمة لضمان عدم عودة العوائل المتورطة مع تنظيم داعش"، بحسب قوله.
وفي السياق ذاته، رأى القيادي في "ائتلاف الوطنية"، وعضو البرلمان العراقي حامد المطلك، أن "تهجير النساء والأطفال كل هذه السنوات من مدينتهم، مأساة إنسانية لا يمكن تبريرها، ولا يمكن أن تكون أخلاقية بأي شكلٍ من الأشكال".
واعتبر المطلك في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تهجير الناس من مناطقهم التي سكنوها من مئات السنين، أمر غير طبيعي وغير ممكن القبول به، وعلى مجلس محافظة بابل أن يبادر بإعادة النازحين الى مناطقهم، وعلى الآخرين عدم التحجج والتذرع لعرقلة ذلك، فالعوائق التي يذكرونها كانت موجودة في مدن أخرى لكن سكانها تمت إعادتهم إليها".
وشدد النائب العراقي على أن هذا الموضوع "أصبح مسألةً أخلاقية، ولا يمكن القبول بأي مماطلة، فالنازحون يعيشون في الصحراء فيما بيوتهم موجودة، فلماذا يظلون مبعدين قرابة خمس سنوات".
من جهته، برر عضو البرلمان العراقي سلام الشمري، التلكؤ في حل أزمة جرف الصخر، بالقول إن المدينة "خسرت بنيتها التحتية، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسة التي لم تسمح بعودة نازحيها إليها"، مبيناً أن "موازنة محافظة بابل لا تكفي لإعادة تأهيل منطقة كاملة من بنى تحتية وتعويض المتضررين وتعويض أصحاب البساتين في المنطقة". وأضاف: "نحن كنواب عن بابل، خاطبنا الحكومة من خلال البرلمان مطالبين بإضافة مبالغ مالية إلى منطقة جرف الصخر".
إلا أن مراقبين وسكاناً من المدينة يعتبرون تلك التصريحات حججاً غير منطقية.
وقال الشيخ أحمد الجنابي، أحد زعماء عشيرة الجنابين في المنطقة، لـ"العربي الجديد"، إنه "إذا كانت البلدة مدمرة كما يقولون، فليسمحوا للناس بالدخول إليها، وتفقد منازلهم وممتلكاتهم"، متسائلاً: "لماذا يمنعون دخول المنظمات الدولية والمحلية وحتى النواب لرؤيتها؟".
وأكد الجنابي أن البلدة "تحولت إلى مقر رئيسي للمليشيات، وفيها معتقلات وسجون خاصّة بهم ومخازن سلاحهم، وهي من ضمن معاقلهم الرئيسية، والخطة مسخ المدينة وتغييرها بسبب موقعها الجغرافي".
وكان رئيس الوزراء العراقي الأسبق، ونائب الرئيس الحالي إياد علاوي، قد أوضح في الرابع من مايو 2017 خلال مؤتمر صحافي، أنه تحدّث مع نائب رئيس مليشيا "الحشد الشعبي"، أبو مهدي المهندس، والقيادي في المليشيا هادي العامري، بخصوص السماح لمواطني جرف الصخر بالعودة إلى مناطقهم.
وأشار إلى أن قادة "الحشد الشعبي" أبلغوه حينها بأنهم سيذهبون إلى إيران، من أجل حلّ مسألة جرف الصخر، وإعادة السكان إليها، لكنهم قالوا له إن إيران أبلغتهم أن الأمر "بيد شخص في لبنان".
وتساءل علاوي: "ما علاقة إيران ولبنان بهذا الأمر؟"، مشدداً على "ضرورة الضرب بيدٍ من حديد على كل من يريد العبث بمقدرات الشعب العراقي"، وداعياً إلى أن تكون جرف الصخر تجربة ميدانية للوحدة الوطنية، مطالباً بـ"العمل على تخليص البلاد من المحاصصة والتهميش".