قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، اليوم الإثنين، إنهما اتفقا على تعزيز العلاقات الثنائية، وخصوصاً في مجالات الأمن والاقتصاد، والتعاون في الملفات الإقليمية، فيما أكد خان على أن بلاده لن تشارك في أي تحالف ضد إيران.
ووصل رئيس الوزراء الباكستاني، مساء أمس الأحد، إلى طهران، في زيارة رسمية هي الأولى له منذ توليه المنصب في أغسطس/ آب 2018، تلبية لدعوة روحاني.
وبحسب موقع الرئاسة الإيرانية، قال روحاني، في مؤتمر صحافي مشترك في العاصمة الإيرانية طهران، إنه عقد اجتماعين، أحدهما مغلق والآخر مفتوح مع عمران خان، مضيفاً: "أكدنا اعتزامنا تطوير العلاقات الثنائية، وأنه لا تستطيع أي دولة ثالثة أن تؤثر على العلاقات الأخوية والصداقة بين إيران وباكستان".
ووصف الرئيس الإيراني زيارة رئيس الوزراء الباكستاني إلى بلاده بـ"المنعطف المهم في تطوير العلاقات الثنائية"، وكشف عن أنه سيزور باكستان خلال الفترة المقبلة تلبية لدعوة تلقاها من خان خلال هذه الزيارة.
وتصدَّر الأمن على الحدود المشتركة بين البلدين مباحثات عمران خان وروحاني في طهران، ليعلن الرئيس الإيراني أن البلدين اتفقا على "تشكيل قوات التدخل السريع على الحدود المشتركة لمكافحة الإرهاب"، معرباً عن سعادته لتوصيف الطرف الباكستاني الجماعات الإيرانية المعارضة على الحدود بأنها "مجموعات إرهابية، وقيامه بمكافحتها على هذا الأساس".
وتأتي تصريحات روحاني بعد أن وجهت بلاده اتهامات مباشرة لإسلام آباد بإيواء جماعة "جيش العدل" المعارضة ودعمها، بالإضافة إلى اتهام السعودية والإمارات بتقديم الدعم المالي واللوجيستي.
وكان آخر هجمات الجماعة، وهو الأشد خلال السنوات الماضية، الهجوم الانتحاري على حافلة للحرس الثوري الإيراني في فبراير/ شباط الماضي، الذي أودى بحياة 27 عسكرياً وجرح 13 آخرين.
في السياق، عزا رئيس الوزراء الباكستاني، خلال المؤتمر الصحافي ذاته، أهم دوافعه إلى زيارة إيران إلى مسألة الإرهاب والحد من تزايد الخلافات بين الجانبين، وقال إنه "لولا هذه المسألة لما ازدادت الخلافات"، مضيفاً أنه أحضر معه رئيس جهاز الأمن الباكستاني إلى إيران لمناقشة الإرهاب على الحدود.
وأوضح خان "إننا في باكستان نعاني من الإرهاب، وربما نكون الدولة الأكثر معاناة في هذا الجانب، ففي الـ12 عاماً الماضية سقط 70 ألف باكستاني ضحايا"، مؤكداً في الوقت نفسه أن بلاده "لا تسمح للمليشيات العسكرية أن تستخدم أراضينا ضد دول أخرى لتنفيذ أعمال إرهابية".
ولفت إلى مقتل 14 عسكرياً باكستانياً في الثاني عشر من الشهر الحالي في إقليم بلوشستان الباكستاني على يد جماعات معارضة، قائلاً "إننا ندرك أن إيران أيضاً تعاني من الإرهاب ومن مجموعات تستخدم الأراضي الباكستانية في ذلك، لذلك أحضرت معي رئيس جهاز الأمن، ليلتقي نظراءه للتباحث في هذا الموضوع".
كما شدد رئيس الوزراء الباكستاني على "ضرورة بناء الثقة بين الجانبين لكي لا يسمح كلا البلدين باستخدام أراضيه لتنفيذ أعمال إرهابية ضد الآخر"، مضيفاً "إننا بحاجة إلى مزيد من الثقة والتعاون في مختلف المجالات مستقبلاً".
وقبل يوم من وصول رئيس الوزراء الباكستاني إلى طهران، وجه وزير خارجيته، محمود شاه قريشي، اتهامات لإيران بدعم جماعات مسلحة باكستانية في إقليم بلوشستان، تتهمها إسلام آباد بقتل العسكريين الـ14 من القوات البحرية والجوية.
كما سلمت الخارجية الباكستانية مذكرة احتجاج بهذا الصدد إلى السفارة الإيرانية في إسلام آباد السبت الماضي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أشار الرئيس الإيراني إلى "وجود فرص كبيرة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين"، معلناً أنه تباحث بشأنها في الاجتماعين مع رئيس الوزراء الباكستاني، ليتفق الجانبان على "تنمية هذه العلاقات"، بحسب قوله.
كما أعرب روحاني عن استعداد بلاده لـ"توفير حاجات باكستان في مجالات النفط والغاز والكهرباء"، مشدداً على ضرورة أن تكمل إسلام آباد إجراءات ربط أنبوب الغاز الإيراني بأراضيها.
وأضاف أنه أكد للضيف الباكستاني "استعداد طهران لرفع صادرات الكهرباء إلى عشرة أضعاف".
وتصدر إيران في الوقت الحاضر 100 ميغاواط من الكهرباء إلى باكستان التي تعتبر المستورد الرابع للكهرباء الإيرانية.
وعلى ضوء العقوبات الأميركية على المعاملات المالية والمصرفية الإيرانية مع الخارج، كشف الرئيس الإيراني أنه اتفق مع رئيس الوزراء الباكستاني على "تشكيل لجنة المقايضة في الصادرات والواردات بين البلدين"، معرباً عن رغبة إيران لتطوير الروابط التجارية بين ميناء "جابهار" الإيراني الاستراتيجي ونظيره الباكستاني ميناء "غوادر"، من خلال بناء شبكة خطوط حديدية.
ويأتي حديث روحاني عن نظام المقايضة بين باكستان وإيران في وقت صعدت طهران من انتقاداتها للآلية الأوروبية لدعم التجارة معها "إنتسكس".
وفي السياق، لفت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قبل أسبوع، إلى أن بلاده أسست آليات لمواصلة التجارة مع الكثير من الدول، منتقداً تأخير أوروبا في تفعيل آليتها، وقال "لا أعرف كم يحتاج الأوروبيون من الوقت لكي تعمل آليتهم الأولية".
وبدوره، شدد عمران خان على أهمية تطوير العلاقات الاقتصادية مع إيران في مجالات الطاقة والعلوم والتقنيات، قائلاً إن وزير التجارة والصناعة الباكستاني يرافقه في هذه الزيارة للرقي بهذه العلاقات.
كما أشاد بالنظام الصحي الإيراني، معتبراً أنه "من أفضل الأنظمة الصحية في العالم بعد قيام الثورة في إيران".
وعلى صعيد آخر، قال روحاني إنه "سعيد لتأكيد السيد رئيس الوزراء الباكستاني على أن بلاده لا ولن تشارك في أي تحالف للحرب"، موضحاً أنه ناقش مع خان "الإجراءات الأميركية الخاطئة في المنطقة، وخصوصاً فيما يتعلق بقضية القدس والجولان والإساءة لحرس الثورة الإسلامية".
وفي هذا الصعيد، أكد عمران خان أن الشعب الفلسطيني يتعرض لـ"مظالم واسعة"، وأن "الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وكذلك القدس عاصمة لها، يتنافى مع القرارات الدولية والقانون الدولي، ويضيع الحقوق الفلسطينية، ويتسبب في مزيد من الفوضى في الشرق الأوسط".
وعرّج على الأوضاع في أفغانستان، معرباً عن استعداد بلاده للتعاون مع إيران للتوصل إلى حل سياسي فيها، لأن "استقرار السلام في أفغانستان لا يخدم الشعب الأفغاني فقط الذي عانى منذ 40 عاماً، بل يخدم الشعبين الباكستاني والإيراني، حيث يمكننا من رفع التجارة وإيجاد فرص للعمل ورفع معايير الحياة".
وفي السياق، أضاف أنه اتفق مع روحاني على التعاون بين البلدين للوصول إلى حل سياسي في أفغانستان.
من جهة أخرى، أشار رئيس الوزراء الباكستاني إلى أنه ناقش موضوع كشمير مع روحاني، متهماً الهند بقمع سكانها، وقتل 700 ألف منهم، وقال إن "الحل العسكري لا يجدي نفعاً في كشمير، بل الحل في الحوار والبحث عن حل سياسي".
وأكد أن "حل مشكلة كشمير يفتح باب التجارة، ويهم ذلك باكستان وإيران، حيث إن الأخيرة سيمكنها الوصول إلى أسواق الهند والصين عبر الأراضي الباكستانية"، لافتاً إلى أن ذلك يتوقف على استقرار السلام "عبر الحوار السياسي وليس الحل العسكري".
وأضاف خان أن "القضية الكشميرية هي مثل القضية الفلسطينية"، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة "قد اعترفت بحق تقرير المصير للكشميريين من خلال قرار".
وفي بيان أصدره الرئيس الإيراني ورئيس الوزراء الباكستاني في ختام مباحثاتهما في طهران، أكدا "ضرورة تنفيذ الاتفاق النووي من قبل بقية الدول في أسرع وقت، بالنظر إلى تطبيقه بالكامل من ناحية إيران".
ودعا البيان إلى "تعميق العلاقات الثنائية على أساس مبادئ المصالح الوطنية وحماية وحدة الأراضي والاحترام المتبادل للسيادة الوطنية، وتنفيذ سريع لجميع الاتفاقيات والوثائق بين الجانبين كخطوة في سبيل تحقيق الهدف المذكور".
واعتبر البيان أن الحدود المشتركة بين إيران وباكستان "حدود السلام والصداقة"، مؤكداً على "التعاون وتبادل وجهات النظر بين السلطات السياسية والعسكرية والأمنية للبلدين بشكل مستمر لمواجهة تهديدات كالإرهاب، وتهريب المخدرات وتجارة الإنسان والاختطاف وأخذ الرهائن".
وفي السياق اتفق الجانبان على عقد الاجتماع العاشر للجنة الأمنية الخاصة المشكّلة من قبل وزارتي الداخلية للبلدين خلال الشهر المقبل في إسلام آباد.
كما شدد البيان على تعزيز العلاقات بين محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية وولاية بلوشستان الباكستانية، "من خلال إعادة فتح المعابر والأسواق الحدودية لتحسين الوضع المعيشي لسكان هذه المناطق كخطوة لمواجهة التحديات والمشاكل الأمنية على الحدود".
ولتنفيذ هذه النقاط، تقرر أن تعقد اللجنة الأمنية العليا المشتركة اجتماعها الثاني خلال الشهر المقبل لاتخاذ الإجراءات المناسبة بهذا الشأن.
ودعا البيان إلى توظيف جميع الفرص والإمكانيات المتوفرة لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية، مؤكداً على رفع مستوى المعاملات النقدية والمالية والتجارية.
وفيما يتعلق بأوضاع أفغانستان، لفت البيان إلى "ضرورة أن تكون أفغانستان آمنة ومستقرة كطريق لاستتباب السلام والاستقرار في المنطقة"، مشدداً على أن "إجراء مفاوضات السلام بين الأفغان أمر ضروري". كما دعا دول المنطقة والمجتمع الدولي إلى التعاون بينها لإنهاء النزاع في أفغانستان وعودة السلام إليها.
خامنئي: جهات لا تريد تقاربنا
وخلال لقائه مع خان، مساء الإثنين، قال المرشد الإيراني علي خامنئي إن "الأعداء لا يريدون تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، لذلك يجب أن تتوسع هذه العلاقات رغم أنفهم"، فيما أكد ذلك خان بدوره أن "جهات لا تريد تقارباً بين طهران وإسلام آباد، لكننا نستطيع التغلب على هذه المشاكل"، دون أن يسميها.
وأضاف خامنئي، وفقاً للموقع الإعلامي لمكتبه، أن "العلاقات بين الشعبين الإيراني والباكستاني لها جذور تاريخية عميقة، وأن العلاقات الطيبة تخدم البلدين، فيجب تطويرها رغم أعدائها".
وبحسب الموقع، قال خان خلال اللقاء إن بلاده تسعى إلى توطيد علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية، واصفاً مباحثاته في طهران بـ"الإيجابية". كما كشف أن "كثيراً من المشاكل قد حلت خلالها، والوزراء الباكستانيون كانت لهم مباحثات جيدة أيضاً مع نظرائهم الإيرانيين".
وبينما رأى خامنئي أن "شبه القارة الهندية كانت في ذروة عزتها وعظمتها، حينما كان يحكمها المسلمون، وأن أكبر ضربة تلقتها هذه المنطقة المهمة كانت على يد الاستعمار البريطاني، بعد أن دمرت حضارتها الإسلامية البارزة"، اتهم خان "البريطانيين بنهب ثروات الهند وتدمير نظامها التعليمي" خلال احتلالهم لها.
ولفت رئيس الوزراء الباكستاني إلى أن "علاقات إيران مع شبه القارة الهندية تاريخية"، قائلاً إن "المسلمين حكموا الهند لـ600 عام، أصبحت لغتها الرسمية هي الفارسية".
كما عرّج خامنئي على المشاكل الأمنية على الحدود بين البلدين، قائلاً إن "المجموعات الإرهابية تعمل على بث الفوضى في هذه الحدود بتمويل وتسليح من قبل الأعداء، بهدف ضرب العلاقات الإيرانية الباكستانية".
وشكر الحكومة الباكستانية على مساعداتها لمنكوبي السيول في إيران، معتبراً الزيارة التي قام بها خان لمرقد الإمام الرضا في مدينة مشهد الإيرانية قبل طهران بأنها "علامة جيدة".