مصلى باب الرحمة وحراس الأقصى: الاعتقال والإبعاد مصير حتمي

18 ابريل 2019
معركة يومية على فتح باب الرحمة (فايز أبو رميلة/الأناضول)
+ الخط -
فيما يمعن الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه باستفزاز مشاعر المقدسيين بالاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الخاصة، تدور على الأرض معركة أخرى عنوانها مصلى باب الرحمة، بين حراس المسجد الأقصى وشرطة الاحتلال، التي تسعى منذ فتح باب المصلى قبل نحو شهرين إلى فرض أمر واقع من خلال استفزاز المصلين وتدنيس المصلى واعتقال كل من يفتح أبوابه يومياً من الحراس وحتى من المصلين.

إجراءات الاحتلال وصلت إلى درجة بات فيها فتح مصلى باب الرحمة تهمة يعتقل عليها المقدسيون ثم يبعدون عن المسجد لفترات تتراوح ما بين أسبوعين إلى ستة أشهر، في حين تقل مدة الإبعاد إلى أربعين يوماً حين يتعلق الأمر بكبار مسؤولي الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، والذين أبعد عدد منهم في إجراء هو الأول من نوعه يطاول مسؤولين رفيعي المستوى في هذه المرجعية الدينية التي تتبع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية.

وفيما تُقدّر مراكز حقوقية أعداد المبعدين عن الأقصى بتهمة خرق أمر شرطة الاحتلال القاضي بمنع فتح المصلى، بحوالي 177 حارساً ومصلياً ومسؤولاً، تقول دائرة الأوقاف ومجلسها الإسلامي الأعلى إن العدد تجاوز ذلك أخيراً إلى نحو مائتي مبعد، وهو عدد كبير من المبعدين يسجل منذ أن بدأت سلطات الاحتلال بتنفيذ سياسة الإبعاد عن الأقصى في العام 2007 بعد انهيار تلة المغاربة الواقعة غرب الأقصى والمفضية إلى ساحتي الأقصى والبراق، وهو ما كان أثار في حينه موجة عارمة من الاحتجاجات فلسطينياً. وكان أول المبعدين بسبب ذلك رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل الشيخ رائد صلاح، وعدد من رموز وقيادات الحركة والقوى الوطنية في القدس المحتلة.

وتأتي الإجراءات الجديدة مستهدفة مصلى الرحمة، الذي يغلق ليلاً ويعاد فتحه صباحاً، بعد أن أصدرت "محكمة الصلح الإسرائيلية" في السابع عشر من شهر مارس/آذار الماضي قراراً يقضي بتمديد أمر الإغلاق المؤقت لمصلى باب الرحمة في المسجد الأقصى، خلال جلسة سرية حضرتها الأذرع الأمنية الإسرائيلية، وأمهلت المحكمة مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية 60 يوماً للرد على القرار. في وقت أكد فيه المجلس موقفه التاريخي الثابت بأنه "لا صلاحية لمحاكم الاحتلال على المسجد الأقصى، والأوقاف الإسلامية لا تعترف بأي سلطة للاحتلال"، وبالتالي لن يتم الرد على قرارات الاحتلال.

وفي هذا الشأن، يشير تقرير أصدره أخيراً مركز معلومات وادي حلوة المختص بالشأن المقدسي، حول الانتهاكات الإسرائيلية في القدس المحتلة خلال الشهر الماضي، إلى أن سلطات الاحتلال تحاول التدخّل بشؤون مصلى باب الرحمة واستفزاز الحراس والمصلين، ومنعت إدخال السجاد إليه، ولاحقت كل شخص "حارس أو مصلٍ" فتح باب المصلى صباحاً بالاعتقال والإبعاد عن المسجد الأقصى، أو الإبعاد عن منطقة باب الرحمة، إضافة إلى محاولات أفراد الشرطة الإسرائيلية اقتحام المساجد بأحذيتهم والتقاط الصور للمصلى.
ومما جاء في التقرير: "واصلت سلطات الاحتلال حملة الاعتقالات التعسفية في مدينة القدس، ورصد المركز 177 حالة اعتقال وإبعاد في المدينة، من بينها: 13 سيدة، و30 قاصراً، و3 أطفال (أقل من جيل المسؤولية/ أقل من 12 عاماً)". وأوضح المركز أن النسبة الأكبر من الاعتقالات نُفذت على أبواب المسجد الأقصى، أو من ساحاته، كما تركزت الاعتقالات في بلدتي سلوان والعيسوية والقدس القديمة.

وأصدرت سلطات الاحتلال في مارس/آذار الماضي، 71 "قرار إبعاد ومنع سفر" وكانت كالتالي: 58 قرار إبعاد عن المسجد الأقصى، 7 قرارات إبعاد عن القدس القديمة، إبعاد شاب مقدسي عن مدينة القدس لمدة 6 أشهر للمرة الثالثة على التوالي، قرار إبعاد عن الضفة الغربية (منع دخول لمدن الضفة)، 4 قرارات "منع سفر".
وأضاف المركز أن قرارات الإبعاد عن الأقصى في مارس الماضي، طاولت الشيخ عبد العظيم سلهب، رئيس مجلس الأوقاف الإسلامي، وهو أعلى هيئة دينية، لمدة 40 يوماً، ونائب مدير أوقاف القدس الشيخ ناجح بكيرات لمدة 4 أشهر، ووزير القدس عدنان الحسيني، وعضوي مجلس الأوقاف حاتم عبد القادر ومهدي عبد الهادي لمدة أسبوع. وأضاف المركز أنه رصد اعتقال 16 موظفاً من دائرة الأوقاف الإسلامية وحراس في المسجد الاقصى، ومعظمهم أُبعدوا عن المسجد لفترات متفاوتة، كما أُبعد أحد الحراس عن المسجد لمدة 6 أشهر، ومدير مركز المخطوطات في الأوقاف "بعد استدعائهم للتحقيق". وأوضح المركز أن قرارات الإبعاد عن الأقصى والقدس القديمة تراوحت بين 3 أيام و6 أشهر، وصدرت عن عدة جهات: مخابرات وشرطة الاحتلال، محاكم الاحتلال، مما يسمى "قائد شرطة القدس".


ومع استمرار الاحتلال في استهدافه لحراس الأقصى تحديداً، فقد تنادت العائلات المقدسية إلى ما اصطلح النشطاء من الحراك الشبابي المقدسي على تسميته "دوري العائلات"، إذ تطوعت كل عائلة بأن يقوم فرد أو عدة أفراد منها بفتح باب المصلى بالتناوب حتى لو كلفهم ذلك الاعتقال والإبعاد، وهو ما حدث فعلاً، إذ اعتقل الاحتلال وأبعد عدة أفراد من عائلة نجيب المقدسية، ومن عائلات أخرى لم يتوانَ أفرادها عن القيام بذلك افتداء للأقصى، وحفاظاً على حراسه الذين باتوا أكثر استهدافاً من قبل شرطة الاحتلال. ويتعمد أفراد الشرطة الدخول إلى مصلى الرحمة بنعالهم، ويتصدى لهم الحراس محاولين منعهم، لينتهي الأمر بالاعتقال والاعتداء بالضرب ثم الإبعاد، وهو إجراء يصفه الشيخ عبد العظيم سلهب في حديث لـ"العربي الجديد" بالظالم والاستفزازي، علماً بأنه كان أبعد عن الأقصى لمدة أربعين يوما قبل أن يعود إليه قبل أيام منهياً مدة إبعاده.
وعن هذا الأمر، يقول سلهب: "كان الإبعاد أقسى عقوبة تقع علينا. لم يحدث منذ أكثر من أربعين عاماً على خدمتي للأقصى أن أُبعدت عنه يوماً واحداً. وحين حدث ذلك كان وقعه عليّ كبيراً ومؤثراً، تماما كما هو بالنسبة إلى نحو مائتي مواطن ومن بينهم حراس وخطباء تم إبعادهم عن الأقصى خلال الشهرين الماضيين".

وكان الشيخ رائد دعنا، وهو مدير سابق للوعظ والإرشاد، قد أُبعد هو الآخر عن المسجد الأقصى لمدة أربعين يوماً لم تنته بعد، لدوره في فتح باب المصلى قبل شهرين، وإمامته جموع المصلين داخله وعلى أبوابه. اليوم لا يزال الشيخ دعنا يؤم عشرات المبعدين من الحراس والسدنة والمرابطين خارج أبواب الأقصى بعد أن حرموا من دخوله. يؤكد دعنا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هدف الاحتلال من هذه الإبعادات تفريغ الأقصى من مصليه ومرابطيه وتمكين المستوطنين من فرض واقع جديد فيه"، مشدداً على أن "هذا لن يحدث أبداً، ولن تثنينا أوامر الإبعاد عن استمرار الرباط والتواجد. نحن لم نعتدِ على أحد، هم من اعتدوا علينا".

الشيء ذاته يؤكده نائب المدير العام لأوقاف القدس، الشيخ ناجح بكيرات، والذي أبعد عن الأقصى لأربعة شهور، ولا يزال مبعداً، محذراً الاحتلال من الاستمرار في سياسته بحق الأقصى، ومشيداً بالعائلات المقدسة التي تنادت لحماية المسجد الأقصى والقيام بدورها في الدفاع عنه وعن كل مصلياته وفي المقدمة منها مصلى الرحمة. ويقول بكيرات في حديث لـ"العربي الجديد": "من الواضح أن الاحتلال يسعى لتفريغ الأقصى، وما استهداف الحراس والمرابطين بسياسة الاعتقال والإبعاد إلا شكل من أشكال سياسات الاحتلال على هذا الصعيد. نحن باقون هنا... مدافعون عن أقصانا... وعائلات القدس التي تطوعت لإرسال أبنائها لفتح باب مصلى الرحمة كل يوم هي في الواقع تؤدي دورها المشهود في الدفاع عن مسجدها الأقصى، تماماً كما حدث في معركة البوابات الإلكترونية، وقبل وبعد ذلك في التصدي لاقتحامات المستوطنين واستفزازاتهم اليومية داخل الأقصى".

ويعتبر المبعدون عن الأقصى ومن بينهم رئيس قسم المخطوطات في دائرة الأوقاف، رضوان عمرو، والذي انتهى أمر إبعاده نهاية مارس الماضي، أنها "التجربة الأكثر إيلاماً، فلا يمكن أن تتخيل نفسك مبعداً عن الأقصى وأنت تقف على بعد أمتار من بواباته لا تستطيع الدخول إلى هناك". ويضيف: "أمر الإبعاد صدر في الرابع والعشرين من مارس الماضي، بعد استدعائي إلى مركز شرطة الاحتلال في جبل المكبر وهناك سلمت الأمر بالإبعاد لأسبوع. انتهى مفعول الأمر، لكن أسبوعاً من الإبعاد عن معراج الرسول الكريم لا يمكن تصوره أبداً".

لكنّ تجربة عمران الرجبي في الإبعاد عن الأقصى لمدة خمسة أيام، تختلف قليلاً عن غيرها. ويروي الرجبي لـ"العربي الجديد"، أن "أحد أفراد شرطة الاحتلال الذي كان يأتي يومياً لاستفزاز الحراس على مصلى الرحمة حاول الدخول عنوة إلى داخل المصلى وبحذائه، وحين حاولتُ منعه حدث تدافع بيننا، ثم حضر شرطي آخر واعتديا عليّ بالضرب، ثم نقلت إلى مركز لشرطة الاحتلال لأسلم أمر الإبعاد".
ما حدث مع الرجبي لا ينساه، وتم توثيقه من مصلين تواجدوا داخل مصلى الرحمة وفي ساحات الأقصى، واقتيد مكبلاً إلى مركز شرطة الاحتلال القريب من الأقصى حيث تم التحقيق معه لساعات قبل أن يسلم أمر الإبعاد. التهمة كما يقول هي "خرق أمر لمحكمة الاحتلال بعدم فتح باب المصلى. لكننا كحراس، فنحن فقط نؤدي عملنا".
ولتجنّب الاستهداف المستمر للحراس والمرابطين، اقترح نشطاء على الأوقاف الإسلامية إقامة بوابة إلكترونية على باب المصلى تُفتح من قبل الدائرة إلكترونياً، لكن مسؤولاً في الأوقاف، فضّل عدم ذكر اسمه، يقول لـ"العربي الجديد": "الاحتلال يمنع أي عمل ترميم أو إضافة حتى لو كان بلاطة".