قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من الأجواء الإيجابية التي اتسم بها لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي، ومؤتمرهما الصحافي وصورهما الفوتوغرافية، ووضوح القبول الرسمي الأميركي لفكرة تعديل الدستور المصري وبقاء السيسي في الحكم لفترة أطول دون ضغوط جذرية، إلا أنّ زيارة السيسي الأخيرة إلى واشنطن والتي استغرقت يومين، شهدت تحذيراً أميركياً للنظام المصري من استمرار "التلاعب" مع واشنطن في ملفين رئيسيين؛ أولهما الخاص بمصادر تسليح الجيش المصري، والثاني الخاص بقانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية.
وذكرت المصادر أنّ ترامب تحدّث شخصياً مع السيسي في القضيتين، لكن وزير الخارجية مايك بومبيو استطرد بشأنهما، وأوصل رسالة مفادها أنّ الولايات المتحدة تستطيع اتخاذ إجراءات تضييق أو عقاب على نظام السيسي، إذا استمر في التلاعب بشأن الملفين، سواء بتعليق أقسام من المعونة الاجتماعية أو العسكرية، أو تعطيل صرف بعض معدات الصيانة وقطع الغيار للأسلحة الأميركية. فضلاً عن الوقوف في طريق استكمال إرسال باقي شحنات طائرات "رافال" من فرنسا إلى مصر، نظراً لاستئثار واشنطن بمكوّن تقني في هذا النوع من الطائرات، لم تعط الضوء الأخضر لتيسيره إلى مصر منذ عام ونصف العام تقريباً.
وأوضحت المصادر أنّ القضية الأولى الخاصة بالتسليح تتمحور حول رغبة ترامب في أن تكون بلاده المورد الحصري للعديد من المعدات العسكرية التي بدأت مصر استيرادها من روسيا في عهد السيسي للمرة الأولى منذ منتصف السبعينيات، علماً أنّ الأخير استخدم عقود التسليح في التودّد لإدارات مختلف الدول الكبرى، وانتزاع اعترافها بشرعيته في أعقاب انقلاب يوليو/ تموز 2013.
وترفض الولايات المتحدة من حيث المبدأ، شراء دول كمصر وتركيا والهند، أسلحة روسية، وتحديداً طائرات "سوخوي-35" التي تعاقدت مصر، نهاية العام الماضي، مع روسيا رسمياً لشراء نحو 20 طائرة منها، في الفترة من 2021 إلى 2022، مقابل مليارين وربع المليار دولار، لتكون من أضخم صفقات التسليح التي يجريها السيسي، الذي يرأس دولة مثقلة بالديون والقروض الخارجية والداخلية.
الاعتراضات الأميركية ليست فقط بشأن التنافس مع روسيا في مجال التسليح، ولكن أيضا بشأن "مدى ملاءمة مدّ يد العون لدولة تشتري أسلحة من منافس الولايات المتحدة، بأسعار تزيد بكثير عن الأسعار التفضيلية التي كانت تحصل مصر بها على الأسلحة من واشنطن"، وفقاً للمصادر، التي أوضحت أنّ هذه المسألة، إلى جانب قضية توغّل الجيش الواسع في الحياة الاقتصادية، تعرّض إدارة ترامب لضغوط متزايدة داخل الكونغرس. ووصفت المصادر الضغوط الخاصة بهذا الشأن، بأنها "ربما الأصعب" منذ تلك التي مورست خلال جلسات الاستماع في صيف 2017 بشأن قضية حقوق الإنسان في مصر، وكذلك قضية الدور الاقتصادي للجيش، ونتج عنها تعليق جزء من المعونة قبل الإفراج عنه.
وأشارت المصادر إلى أنّ الضغوط تعتمد على "مقاربة منطقية" بين مدى حاجة مصر للمعونة ورمزية قيمتها المادية، وبين كون الجيش المصري قادراً على تحقيق أرباح ضخمة من أنشطة تمثّل تضييقاً على المستثمرين الأجانب، ومنهم الأميركيون، وبين أنّ الدولة التي تحصل على المعونة تنفق أضعافها على أنشطة تسليح "ثمينة، وغير مرغوبة لواشنطن".
وكان بومبيو قد قال في جلسة استماع في لجنة الموازنة بمجلس الشيوخ، أول من أمس الثلاثاء، إنه أخطر الجانب المصري بالعواقب التي يمكن وقوعها إذا تمت الصفقة، وفقاً لقانون "مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات" (CAATSA)، الصادر منذ عامين.
أمّا بشأن القضية الثانية الخاصة بنظام عمل الجمعيات الأهلية، فإنّ الدوائر الأميركية المختلفة، وعلى رأسها البيت الأبيض، باتت متأكدة من أنّ السيسي يتلاعب بها وبالأطراف الغربية الأخرى، ويحاول الوصول إلى "شيء غير مفهوم" من خلال استمرار التردد بين فكرة تعديل القانون الحالي الذي يغضب الغرب، وفكرة إصدار قانون جديد تماماً. وترى واشنطن أنّ "الشكل" أو "الإجراء" أمر لا يعنيها، وأنّ الاستغراق فيه والتحجج به لتأخر صدور قانون الجمعيات الأهلية، يمثّل تحدياً للعواصم الغربية.
وأكد طرح هذه المسألة بهذا المنظور خلال الزيارة، ما سبق ونشرته "العربي الجديد"، في أعقاب صدور تقرير وزارة الخارجية عن الحقوق والحريات في مصر، من أنّ الإدارة الأميركية بدأت تتشكّك في نوايا السيسي لتعديل القانون فعلياً. فرغم مرور 4 أشهر ونصف الشهر على تعهده بتعديله خلال شهر، لم تظهر أي مسودة رسمية لمشروع التعديل، حتى بعد تواصل وزارة التضامن الاجتماعي المكلفة بإدارة حوار موسّع حوله، مع ممثلي السفارات والجهات المانحة من الولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى. وقد تركزت ملاحظات هؤلاء على ضرورة السماح بتدفق الدعم بعد غلق قضية التمويل الخاصة بالمنظمات الأجنبية.
وذكرت المصادر الدبلوماسية المصرية أنّ واشنطن "متأكدة من أنّ القاهرة تحاول العبث معها"، لأنّ التفاهم الذي تمّ في عام 2017 بشأن وجوب توفيق أوضاع المنظمات المصرية المتلقية للدعم الأميركي أولاً، قبل تلقيها أي دعم سواء عبر وزارة التضامن الاجتماعي أو أي وزارات أخرى أو بشكل مباشر، لم يعد له أي محل، لأن القانون الحالي معطّل ولم تصدر له لائحة تنفيذية. كما لم يصدر القانون الجديد الذي وعد به السيسي، فضلاً عن استمرار رفض الأجهزة الأمنية العديد من الأنشطة، مقابل تمرير التمويل فقط للمشروعات التي تخفف الأعباء عن الحكومة بشكل مباشر.
وتوجّه معظم المساعدات الاجتماعية من الولايات المتحدة وأوروبا إلى مشروعات إنشاء مدارس ووحدات صحية ومستشفيات، وتحديداً في قرى الصعيد الأكثر فقراً، والتي تعترف الحكومة بأن المجتمع الأهلي الممول بمساعدات أجنبية أو تبرعات محلية هناك، يتولى أكثر من 70 في المائة من الأعمال الإنشائية واللوجستية فيها.
وبحسب المصادر، فإنّ شخصيات نافذة في الدوائر الأميركية - الجمهورية قبل الديمقراطية - تحدّثت بعد تعهّد السيسي بتعديل قانون الجمعيات الأهلية، عن وجوب ضمان السماح لمنظمات المجتمع المدني الأميركية بممارسة عملها في مصر، كجمعيات أجنبية تنشط في مجال العمل الأهلي والتنموي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي، من دون قيود أمنية أو استخباراتية. على أن تنسق واشنطن مع القاهرة في مجالات العمل والجهات الحاصلة على التمويل، كما كان الوضع قبل ثورة يناير 2011، وقبل فتح قضية "التمويل الأجنبي" التي كان السيسي خلالها مديراً للاستخبارات الحربية، ومشرفاً على إعداد تقرير اتهم منظمات أميركية بالتحريض على الاستقرار في مصر.
من جهة أخرى، وبعد تقرير لوكالة "رويترز" تحدّث عن انسحاب مصر من المشاورات الخاصة بالجهود الأميركية لتشكيل ما يُعرف بـ"الناتو العربي"، قللت مصادر مصرية مسؤولة من دقة ما تمّ نشره بشأن وجود قرار كهذا. وقالت المصادر التي تحدثت إلى "العربي الجديد"، إنّ "الحديث عن خطوة أو قرار بالانسحاب من جانب القيادة المصرية ليس صحيحاً بالمرة، ولكن هناك تباينات في الرؤى ترغب القاهرة في حسمها قبل إنهاء مرحلة المشاورات والبدء في الخطوات العملية".