وأفادت مصادر محلية، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن الاحتجاجات تواصلت، أمس الجمعة، من خلال مسيرات شارك فيها العشرات إلى المئات من المتظاهرين في منطقة المنصورة، في إطار موجة الغضب التي تفجرت على نحو غير مسبوق بعد مقتل الشباب، الذي كان شاهداً رئيسياً في قضية اغتصاب طفل، على أيدي قوات تابعة لإدارة أمن عدن.
وسبقت تحركات أمس موجة من الاحتجاجات في مناطق مختلفة من عدن طوال الأيام الماضية، شملت كريتر والقلوعة والتواهي (مقر وجود قيادات المجلس الانتقالي الانفصالي المدعوم إماراتياً)، فضلاً عن احتجاجات في المنصورة وخور مكسر والشيخ عثمان. ووصلت الأوضاع أول من أمس الخميس إلى حد اندلاع اشتباكات بين قوات الأمن المدعومة إماراتياً وبين السكان الغاضبين.
وللمرة الأولى، نجح رد الفعل الشعبي الغاضب في مدينة عدن في انتزاع قرار بتسليم القتلة المسؤولين عن استهداف دنبع، إذ أصدر وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري، الذي يواجه هو الآخر تحديات بممارسة مهامه في ظل تبعية العديد من الأجهزة والتشكيلات الأمنية لأبوظبي، قراراً بتشكيل لجنة تحقيق بحادثة مقتل الشباب يوم السبت الماضي. وبعد يوم واحد من تشكيلها، خرج رئيس لجنة التحقيق، وكيل وزارة الداخلية اللواء محمد الأمير، ليعلن أن القوة الأمنية المسؤولة عن الحادثة سلمت قائد المهمة المسؤول عن قتل الشاب، كأول قضية ينجح الرأي العام خلالها في إجبار الجهات المعنية على تسليم أحد المسؤولين عن جريمة قتل في مدينة ارتكبت فيها مئات حوادث الاغتيال الغامضة في السنوات الأخيرة.
ووفقاً لمصادر محلية لـ"العربي الجديد"، فإن ردة الفعل الشعبية، التي تخللها قطع شوارع واحتجاجات يومية طوال الأيام الماضية، لم تكن لتنفجر على هذا النحو وتؤدي إلى كل ما حصل، إلا لكونها أتت بعد سلسلة من الانتهاكات وأعمال البلطجة التي تمارسها التشكيلات الأمنية والمليشيات المدعومة إماراتياً، والتي تتضمن أعمال القتل والاختطاف والإخفاء في السجون السرية، فضلاً عن انتهاك حقوق السجناء وتعذيبهم.
وقبل أيامٍ فقط من الغليان في عدن، كانت المدينة على موعدٍ مع فتح أحد الملفات السوداء، ويتمثل بسلسلة الاغتيالات التي استهدفت خطباء مساجد ودعاة في الأعوام الأخيرة، من خلال لقاء رعاه نائب رئيس الوزراء اليمني - وزير الداخلية أحمد الميسري، وتحدث بصراحة خلال اللقاء عن أن خطباء عدن تعرضوا لحملة استهداف منظمة وأعلن استكمال التحقيقات بشأنها، داعياً إلى كشف المعلومات حولها للرأي العام.
من جهته سبق أن كشف تحقيق أعدته وكالة أسوشييتد برس في إبريل/ نيسان 2018 عن مقتل ما لا يقل عن 25 من رجال الدين والأئمة منذ عام 2016 في عدن والمقاطعات الجنوبية. كما أدت عمليات الاغتيال الممنهجة إلى إجبار أكثر من 50 رجل دين على مغادرة اليمن.
كذلك سبق أن نشر موقع "بازفيد"، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تقريراً مطولاً عن ضلوع مرتزقة أميركيين كانوا يعملون سابقاً في أجهزة استخبارات بلدهم أو في الجيش، في عمليات اغتيالات لخصوم الإمارات في اليمن. وذكر الموقع يومها أنه لأشهر عمل جنود أميركيون مدربون عالياً على مهمة يشوب مدى قانونيتها كثير من الضبابية، وهي قتل رجال دين بارزين وشخصيات تنتمي لأحزاب إسلامية، وأهمها حزب "الإصلاح" الذي تعتبره الإمارات فرع "الإخوان المسلمين" في اليمن.
من زاوية أخرى، تسلّط الاحتجاجات المتصاعدة في عدن الضوء على الوضع الأمني المختل الذي تعيشه المدينة الموصوفة بـ"العاصمة المؤقتة" لليمن. ويقود اللواء شلال علي شائع، وهو أحد أبرز أذرع "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي الذي تدعمه الإمارات، إدارة الأمن في المدينة. كما تتمتع "قوات الحزام الأمني"، وهي ذراع أبوظبي في عدن ومحيطها، بنفوذ واسع. ولم تقتصر الشكاوى من ممارساتها على عموم السكان، بل إن الحكومة الشرعية أكدت في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي العام الماضي أن هذه القوات تمثل تهديداً للأمن والاستقرار، وترتكب الانتهاكات من السجون السرية، واضعة ممارساتها في إطار عرقلة قيام الحكومة الشرعية بواجباتها على أرض الواقع. كذلك لم يغفل أحدث تقرير أعدّه فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي حول اليمن أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، وسرب إلى الإعلام خلال شهر فبراير/ شباط الماضي، خطورة الأدوار التي تؤديها الإمارات في تقويض نفوذ سلطة الشرعية اليمنية. وركز التقرير على الأدوار التي يؤديها "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، الذي شُكّل عام 2017 بدعم من الإمارات، إلى جانب وحدات قوات الحزام الأمني، وقوات النخبة الحضرمية، وقوات النخبة الشبوانية، ومسؤولين حكوميين محليين (جميعهم تدعمهم الإمارات) في عرقلة ممارسة الشرعية اليمنية لسلطتها وواجباتها ومسؤولياتها في المناطق المحررة.
ولم تعد تكتفي الإمارات ووكلاؤها بإعاقة وجود الحكومة الشرعية وتقويض نفوذها، ولا حتى باستهداف المعارضين لأبوظبي، سواء عبر منع عودتهم إلى عدن أو ملاحقتهم وتدبير محاولات لاغتيالهم كما أكدت تقارير عدة، بل يمتد الأمر لمحاولات إسكات أي صوت معارض لها حتى لو كان في الخارج على غرار استخدام الإمارات لنفوذها لدى النظام المصري في الأيام الأخيرة، لمنع عقد المؤتمر الأول للائتلاف الوطني الجنوبي الداعم للشرعية اليمنية، والذي كان يعوّل عليه لأن يكون كياناً موازياً لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي المدعوم من أبوظبي.