تواجه "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تعتبر "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري، أسئلة كثيرة، بما في ذلك مصير هذه القوات بعد انتهاء مهامها الرئيسية التي شُكلت من أجلها من قبل التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، وهي محاربة تنظيم "داعش" في منطقة شرق الفرات التي تشكل نحو ثلث سورية.
وشكل إعلان هذه القوات، السبت الماضي، القضاء على تنظيم "داعش" في منطقة شرقي الفرات حدثاً مفصلياً لن يكون مصير هذه القوات بمنأى عنه. وكان من اللافت تضمن بيان النصر على تنظيم "داعش" دعوة "قوات سورية الديمقراطية" النظام السوري إلى الاعتراف بـ"الإدارة الذاتية" التي أنشئت في مناطق سيطرتها، في إشارة واضحة إلى إدراكها لحجم المخاطر التي تنتظرها واستعدادها لمحاورة النظام والتفاوض معه.
وفيما لا تزال "قسد" تملك أوراق قوة، ربما تسمح لها بلعب دور جديد في الصراع المحتدم على سورية، فإنها تملك، في الوقت ذاته، عوامل قد تؤدي إلى تفكيكها، كونها تضم مليشيات غير متجانسة، اتخذها التحالف الدولي ذراعاً برية له في سورية. وتأسست "قوات سورية الديمقراطية"، التي تشكل "الوحدات" الكردية عمودها الفقري، أواخر العام 2015، بدعم مباشر من التحالف الدولي. وضمت هذه القوات مليشيات كردية وعربية وسريانية وتركمانية متعددة الولاءات، ومختلفة في الرؤية والمسعى والهدف. وأتى حرص التحالف على إظهار تعدد مكونات "قسد" في محاولة منه للتخفيف من حجم القلق لدى العديد من الأطراف الفاعلة في الملف السوري بشأن تطلعات الأكراد، السياسية والعسكرية، خصوصاً لجهة السعي لإنشاء إقليم في شمال شرق سورية.
لكن الطابع العام لـ"قوات سورية الديمقراطية" كردي محض. وبعد أكثر من 3 سنوات، بات لدى "قسد" عشرات آلاف المقاتلين المدربين الذين يملكون أسلحة متوسطة وثقيلة قدمها التحالف الدولي لهم، ما يجعل منهم قوة يحسب لها حساب في أي صراع قد يندلع، خصوصاً مع قوات النظام السوري، أو الجيش التركي، في حال رفعت الولايات المتحدة الأميركية غطاء الحماية عن هذه القوات. ومن المتوقع أن يبقى الدعم الغربي، الذي تحظى به "قسد"، مستمراً في المدى المنظور طالما أن هناك خطراً من عودة "داعش" مرة أخرى، وهو ما يفسر إصرار القادة الأكراد في هذه القوات على تذكير العالم بأن خطر التنظيم لم ينته بعد. وظهر هذا الأمر مع وصول مساعدات عسكرية أميركية إلى "قسد" في الحسكة، قادمة من إقليم كردستان العراق. ولدى هذه القوات أوراق قوة يمكن أن تطيل عمرها أكثر، منها مصير آلاف المسلحين المستسلمين من تنظيم "داعش"، إذ من المتوقع أن يمر زمن طويل قبل إغلاق هذا الملف الشائك. وحاولت هذه القوات استثمار التوتر الحاصل بين الجانب التركي ودول عربية، بينها السعودية والإمارات، من خلال تسهيل وجود عسكري لهذه الدول في شمال شرقي سورية، يضمن للأكراد دعماً عربياً يتيح لهم الدخول بقوة في أي تسوية سياسية مقبلة، يأمل الأكراد أن تضمن لهم حقوقاً سياسية وثقافية ثابتة تجنبهم انتقاماً مستقبلياً ربما يضمره النظام الحالي.
في المقابل، تحمل "قسد" عوامل تفككها، إذ من المتوقع أن يدفع انتهاء المعارك مع "داعش" إلى فتح باب أسئلة جديدة تتعلق بمصير المنطقة التي يشكل العرب الغالبية الساحقة من سكانها، بعكس الصورة التي تحاول أحزاب كردية، أبرزها حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له، تسويقها للرأي العام العالمي عن الوضع الديمغرافي للمنطقة. ورحّلت هذه المليشيات وقوى عربية أخرى الحديث عن مستقبل المنطقة، طالما أن المعركة لم تنته مع "داعش". لكن يُنتظر أن يطرح الموضوع الآن، ما يمكن أن يشعل خلافاً يؤدي إلى انفراط عقد "قوات سورية الديمقراطية". وتضم منطقة شرقي الفرات كامل محافظة الحسكة، والجزء الأكبر من محافظة الرقة، ونصف محافظة دير الزور، وقسماً من ريف حلب الشمالي الشرقي. وتكاد تخلو محافظة الرقة من الوجود الكردي، باستثناء بعض القرى في ريفها الشمالي في محيط مدينة تل أبيض. وتخلو دير الزور تماماً من أي وجود سكاني كردي، فيما يشكل الأكراد نحو 30 في المائة من محافظة الحسكة، ويحضرون بقوة في مدينة عين العرب (كوباني) وبعض ريفها في ريف حلب الشمالي الشرقي. وهاجر قسم كبير من أكراد سورية خلال سنوات الأزمة إلى دول أوروبية، خصوصاً ألمانيا والسويد، وهو ما قلل من عددهم الإجمالي في منطقة شرقي الفرات.