جاسيندا أرديرن... كيف واجهت قائدة شجاعة أيام نيوزيلندا الحالكة؟

21 مارس 2019
أرديرن أصغر رئيسة وزراء أنثى بتاريخ نيوزيلندا (Getty)
+ الخط -
"القادة الحقيقيون لا يزالون موجودين". بهذا العنوان، وجهت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، تحية، يوم الثلاثاء الماضي، إلى رئيسة الوزراء نيوزيلندا الشابة جاسيندا أرديرن، لما أظهرته من حكمة وشجاعة وحسن إدارة، للمرحلة التي تمر بها بلادها، بعدما وجه يميني متطرف تهديداً قوياً للأمن الاجتماعي، في بلدٍ يعتبر، مقصداً للاجئين والمظلومين والمهاجرين حول العالم، الهاربين من بطش أنظمتهم وحروب دولهم التي لا تنتهي.

واليوم الخميس، وبأسرع من المتوقع، أعلنت أرديرن إقرار حظر البنادق نصف الآلية والهجومية كالتي يستخدمها الجيش في نيوزيلندا، بعد المجزرة التي نفذها برنتون تارانت، في مسجدين في مدينة كريستشيرش، والتي راح ضحيتها أكثر من 50 مصلياً.

قرار أرديرن، أعاد تسليط الضوء عليها، كقيادية حاسمة، لتعنون صحف عالمية مرة جديدة، سؤالاً حول لماذا لا تقتدي الولايات المتحدة، بالحسم الذي أظهرته رئيسة وزراء نيوزيلندا، كما بمقارنات بين زعماء دول، أبرزهم رؤساء أميركيون، لم يزوروا شخصياً مواقع شهدت عمليات قتل إرهابية، أو عمليات قتل جماعية، كثيراً ما تكون أسبابها انتشار السلاح بيد المواطنين.

لكن انتشار اسم أرديرن، التي أصبحت أصغر زعيمة لحزب العمال في نيوزيلندا، ثم أصغر رئيس وزراء لهذا البلد في 150 عاماً، وأصغر رئيسة وزراء له على الإطلاق، وانتشار صورها والمدائح والإعجاب بها على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي المحافل السياسية، وعبر وسائل الإعلام، وهو إعجاب دوى منذ اليوم الأول للمجزرة، يعود لما عكسه سلوك هذه القيادية بالتعامل مع الأزمة، إذ تمكنت من جمع القدرة على إظهار التعاطف والحب والوحدة من جهة، والحزم من جهة، وفي آن معاً، من خلال سرعة التجاوب مع متطلبات المرحلة التي لم تكن بلادها تتوقعها، وجاهزة لتردداتها، وبهذا الحجم.

وقد يكون أول تصريح لأرديرن، عقب الهجوم الذي نفذه تارانت، هو أكثر ما لفت الأنظار إليها. إذ، وفي الوقت الذي كانت تتعامل فيه وسائل الإعلام مع المجزرة بمصطلحات "المسلح"، و"المهاجم"، وهي غالباً المصطلحات التي ترافق عمليات القتل التي ينفذها "المسلحون البيض"، أو "غير المسلمين"، كما يتم تداول الحديث عنهم، كانت رئيسة الوزراء النيوزيلندية حاسمة في الإعلان عن "عمل إرهابي"، نفذه "متفوق أبيض" بحق أبناء الجالية المسلمة في كريستشيرش، وجعل المصلين القتلى ضحايا من الدرجة الأولى.

ولم يمض وقت قصير على هذا الإعلان، حتى أعلنت رئيسة الوزراء النيوزيلندية، أن برنتون تارانت "لا يمثل قيم نيوزيلندا ومبادئها.. هو ليس نحن"، داعية إلى الوحدة والتضامن خلال الظرف الدقيق الذي تمر بها بلادها.

وكان لموقف أرديرن في كريستشيرش في اليوم التالي للمجزرة، وارتدائها الحجاب خلال لقاءاتها مع عائلات الضحايا، ثم افتتاحها جلسة البرلمان النيوزيلندي، يوم الثلاثاء الماضي بـ"السلام عليكم"، الصدى الإيجابي في تكريس شعور التضامن والوحدة بعد المجزرة، وإبعاد شبح الفتنة، في بلد يضم عدداً مهماً من المهاجرين، وهو شعور انسحب على النخب السياسية في هذا البلد، التي التزمت بالصمت في وجه أرديرن، وخاصة من قبل تلك المنتقدة لها في العادة، أو التي تخاصمها سياسياً، كما أنه موقف امتد من القيادة إلى القاعدة الشعبية، التي سارعت إلى تلقف دعوات رئيسة الوزراء لإظهار الحب والتضامن.

ومن أبرز سمات هذا التلقف الشعبي، هو قيام نيوزيلنديين منذ الثلاثاء الماضي، أي قبل إصدار القانون الخاص بالأسلحة، بتسليم أسلحتهم في مراكز الشرطة المحلية.

وفي البرلمان النيوزيلندي، أصدرت أرديرن موقفاً آخر، حمل دلالات كثيرة، تجاوزت بلادها. إذ أعلنت أنها لن تلفظ اسم الإرهابي، أبداً، في رغبة بعدم إعطاء أي شهرة لقاتل سفاح، بل طالبت عوضاً عن ذلك، بنشر ولفظ أسماء الضحايا.

وفي الواقع، تنشط أرديرن منذ الدقيقة الأولى على تنفيذ المجزرة على أكثر من جبهة، سياسية وأمنية واجتماعية وتربوية، بدءاً من زيارتها موقعي المذبحة في كريستشيرش، وصولاً حتى إقرار قانون حظر أنواع معينة من الأسلحة على الأفراد.

20 مارس:

- أعلنت أنه سيجري حظر البنادق نصف الآلية والهجومية مثل التي يستخدمها الجيش بموجب قوانين أكثر صرامة بشأن حيازة الأسلحة، متوقعة صدور القانون الجديد بحلول 11 أبريل/ نيسان وإقرار آلية لاستعادة الأسلحة المحظورة.

-  قامت أرديرن بزيارة مدرسة ضاحية كاشمير في جنوب مدينة كريستشيرش، حيث أدى الطلاب أمامها رقصة الهاكا، التي تعود للسكان الأصليين، إعراباً عن اندماجهم بالمجتمع النيوزيلندي.


وأكدت رئيسة الوزراء للطلاب، الذين قتل منهم إثنان أثناء الهجوم، وآخر هو طالب سابق، أن بإمكانهم الحزن، وشجعتهم على الاتصال برقمٍ معين في ما لو رغبوا بالحصول على دعم نفسي.

-أعلنت أرديرن عن دقيقتي صمت في أنحاء البلاد يوم غدٍ الجمعة، تكريماً للضحايا، وعن إعلان الدعوة للصلاة في يوم الجمعة عبر التلفزيون والإذاعة الوطنية. كما سيقام حفل تأبين رسمي لم تحدد موعده بعد، ووضع نصب تذكاري.

- زارت أرديرن مركز الشرطة في كريستشيرش، وحيت المسعفين والمتجاوبين الأوائل، كما ركزت حول السبب الذي أدى إلى عدم بروز اسم تارانت على لائحة الأشخاص المثيرين للريبة.

19 مارس:

-زارت أرديرن مرة جديدة مدينة كريستشيرش، لتطمئن الجالية المسلمة أن المجزرة لن تنسى.

-تحدثت أرديرن أمام البرلمان، مؤكدة أنها لن تلفظ أسم القاتل، وستقود علمية لإصلاح قانون حيازة السلاح في البلاد، الذي يتضمن العديد من الثغرات.

18 مارس: اجتماع لمجلس الوزراء، وتأكيد العمل على إصلاح قانون السلاح.

16 مارس: نزلت أرديرن على الأرض، وحضرت مع غالبية وزراء حكومتها وزعماء المعارضة إلى كريستشيرش. ومرتدية حجاباً على رأسها، التقت رئيسة الوزراء النيوزيلندية أعضاء من الجالية المسلمة، وحضنتهم وقدمت العزاء لهم. واجتاحت فيديوهات تؤرخ لهذه الزيارة مواقع التواصل الاجتماعي، عابرةً العالم.

ومن أبرز مواقف رئيسة الوزراء النيوزيلندية، دعوتها لورشة عالمية لمحاربة العنصرية والخطاب المعادي للآخر، وتأكيدها أن ورشة عملها خلال الأشهر المقبلة، ستكون العمل على ضمان خلق بيئة في نيوزيلندا لن يكون بإمكان التطرف أن ينمو فيها. كما رفضت أرديرن أن تقود العالم في مهمة لنزع التطرف، قائلة إن كل همها ينصب على توفير الأمن في بلدها.

لعل النقطة السوداء الوحيدة التي لا تصب في مصلحة رئيسة الوزراء النيوزيلندية، في ما يتعلق بمذبحة المسجدين، هو تلقي مكتبها قبل تسع دقائق من المذبحة بياناً عن الإرهابي، لكن البيان، بحسب أرديرن لم يتضمن أي تفاصيل كان بإمكانها وقف المجزرة.

من معانقة أسر الضحايا، إلى التحية بلغة الجالية المسلمة، وارتداء الحجاب، إلى دموع التعاطف، إلى حظر السلاح، إلى الجولات التفقدية والقرارات التي ترسخ مبدأ الوحدة، ودعوة النيوزيلنديين إلى نبذ التطرف...قد تكون أرديرن مثلاً لقيادية خائفة على المستقبل، ومتوجسة من انتشار العنف، ومما "هو أعظم"، لكنها أيضاً مثلٌ يحتذى للقيادة الحكيمة، في بلدٍ يتسم بالتعدد الديني والثقافي والاجتماعي، ويركز على المهاجرين، للاستمرار بالبناء والتقدم.

"في بلدنا، نيوزيلندا، جانب مظلم، هو العنصرية، لكن ما فعلته أعطانا الفرصة لمواجهة هذه الشياطين، وهذه العتمة، وتغيير أنفسنا". هكذا يقول مواطن نيوزيلندي تعليقاً على أداء رئيسة وزراء بلده.


لعل، في بورتريه أرديرن الأول، أنها حملت طفلتها إلى الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، لتقول للعالم أنه لا أفضل من أم عاملة لتقود في السياسة.

اليوم، تظهر هذه السياسية اليسارية، أن في العالم جانب مضيء، وأن على كراسي السلطة يجلس أحياناً من يستحقونها.

المساهمون