تعيين عوض بن عوف: تباين سوداني بشأن فرصه لخلافة البشير

28 فبراير 2019
الغموض في شخصية بن عوف سيعزّز فرص نجاحه(فرانس برس)
+ الخط -
بعد أن أطاح أقرب المقربين إليه، وهو الفريق أول بكري حسن صالح، من منصب النائب الأول، عيّن الرئيس السوداني عمر البشير، يوم السبت الماضي، وزير دفاعه، الفريق أول عوض محمد أحمد بن عوف، في منصب النائب الأوّل خلفاً لصالح، ليثير بهذا التعيين جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية، حول مغزى هذا الاختيار ودلالاته، فضلاً عن الجدل المتعلّق بشخصية بن عوف التي تتخذ طابعاً عسكرياً صارماً، وتفتقر في الوقت ذاته إلى عناصر الخبرة والحنكة السياسية، نظراً إلى عدم قربه من الحياة السياسية وتقلباتها اليومية. لكن كل تلك الصفات، يراها آخرون مطلوبة بالنسبة للبشير، الذي عمل خلال الأيام الماضية على تنفيذ انقلاب أبيض عسكر بموجبه الحكومة، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد لمدة عام، ذلك لأن الوضع يحتاج إلى رجل فيه صفات النائب الأول الجديد ذاتها.
وفي أحدث تصريحاته، قال بن عوف، أمس الأربعاء، إنّ فرض حالة الطوارئ في البلاد "جاء لوقف تخريب الاقتصاد وضياع الموارد وتسرّب المال، وليس مقصوداً منها قمع التظاهرات الشعبية"، على الرغم من إجماع مراقبين للشأن السوداني على أن الهدف الأول لحالة الطوارئ هو محاولة وقف الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتنحي البشير والمستمرة منذ 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وأضاف بن عوف، في تصريحات صحافية بعد لقاء له مع البشير، أنّ "فرض الطوارئ يستهدف تحقيق الأمن والأمان وتطبيق الأحكام وإشاعة العدالة في البلاد"، لتبدو مواقفه من الأزمة كأنها صدى لتصريحات البشير.
وولد بن عوف في واحدة من قرى منطقة قري، شمالي الخرطوم، وهي المنطقة التي نشأت فيها واحدة من أشهر الممالك السودانية القديمة، والحديث هنا عن مملكة العابدلاب التي حكمت أجزاءً واسعةً من البلاد لسنوات طويلة في القرن التاسع عشر. التحق بن عوف بالكلية الحربية، وتخرج منها برتبة ملازم، ضمن صفوف الدفعة 23، ونال بعدها تدريباً عسكرياً في مصر، وعمل بسلاح المدفعية. وفي عام 1989، لم يكن بعيداً عن الانقلاب الذي قاده العميد وقتها، عمر البشير، والذي أطاح حكومة الصادق المهدي (1986-1989)، ما أتاح له كغيره من الضباط الموالين للحركة الإسلامية فرصة الترقّي والتدرّج السريع في المناصب العسكرية، فعمل مديراً لجهاز الأمن الإيجابي، ومديراً لهيئة الاستخبارات العسكرية، ونائباً لهيئة أركان الجيش السوداني، قبل أن يتقاعد من العمل العسكري في عام 2010.

عقب ذلك، انتقل بن عوف للعمل في وزارة الخارجية، حيث تولى منصب مدير إدارة الأزمات، ثمّ كان قنصلاً عاماً للسودان في القاهرة، وبعدها عيّن سفيراً لبلاده في سلطنة عمان. ومنذ عام 2015، عينه البشير وزيراً للدفاع خلفاً للفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، قبل أن يختاره لمنصب النائب الأوّل أخيراً.
وعن بن عوف، قال اللواء المتقاعد أمين مجذوب إسماعيل، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الفريق أوّل عوض بن عوف له أدوار كبيرة قام بها طوال مسيرته العسكرية، وساهم إلى حدّ كبير في تطوير تسليح الجيش السوداني، وأدخل المنظومة الصاروخية والمدفعية أو ما يعرف بأجهزة الاستمكان المدفعي، إضافة لبراعته أثناء عمله في هيئة الاستخبارات في جمع وتحليل المعلومات. كما أدى دوراً كبيراً في تنظيم قوات حرس الحدود، لتساعد في تأمين الحدود السودانية الطويلة".
أمّا المحلل السياسي السوداني، كرار التهامي، فقد قال إنّ "أدوار بن عوف العسكرية السابقة تميّزت بالتنوع من ناحية تقلده العديد من المناصب، والتي قام من خلالها بأعمال تطوير في كل محطة تسلمها". وأضاف التهامي في حديث مع "العربي الجديد" أنّ مسار بن عوف العسكري "ليس نمطياً، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى ما قام به على صعيد تطوير الإمكانات العسكرية وإدخال التقنية في مجال الصواريخ والمدفعية، والمكونات الفنية الأخرى في الجيش السوداني"، معتبراً أنّ "أهمية ذلك التنوع في الخبرة العسكرية، عبر طيف واسع من المهام التي تولاها داخل حقل العمل العسكري أو الدبلوماسي، تعكس بعض ملامح شخصية النائب الأول الجديد الذي يتمتع بعنصر الوضوح في تعامله مع الآخرين"، بحسب التهامي.
لكنّ الصحافي علي ميرغني، وعلى عكس المديح الذي تجلى في الرأيين السابقين، لا يرى أنّ صفة القيادة يمكن أن تنطبق على عوض بن عوف، ضابط المدرعات السابق. فقد أشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنّه "من العادة في القوات المسلحة أنّ الضباط الذين يتم تنسيبهم مباشرة بعد تخرّجهم لوحدات منفصلة، مثل المدفعية والمدرعات، لا يجدون فرصة لممارسة القيادة بعيداً عن الوحدة الأم". ونبه ميرغني، الذي خدم من قبل كضابط في الجيش السوداني، إلى أنّه "في حالة بن عوف على وجه الخصوص، فإنّه لم يمارس القيادة إلا على مستوى الأفرع والأسلحة، ولم يمارسها في وحدات منفصلة بعيداً عن الوحدة الأم"، موضحاً أنّ "سلاح المدفعية الذي خدم فيه عرف عنه التزمّت والصرامة".

ورغم ما ورد من معلومات عن النائب الأول الجديد للرئيس، إلا أنّ هناك من يعتبر أنّه لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدثه في منصبه الجديد. وفي السياق، رأى عضو البرلمان السوداني، حسن عبد الحميد، أنّ "كل ما قيل عن شخصية وزير الدفاع والنائب الأول، لم تكشف حقيقة عوض بن عوف، ولا مواقفه ولا صفاته"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنّ "الغموض التام حتى الآن في تلك الشخصية هو سيّد الموقف، خصوصاً أنّ الرجل قليل الكلام وبعيد عن الأضواء".
واعتبر عبد الحميد أنّ تعيين بن عوف في منصب النائب الأول "أراد به البشير فقط التغيير الذي درج عليه كل 10 سنوات، بحيث يبعد أفراد الطاقم المحيط به كافة. وهي السياسة التي اعتمدها بدءاً من انقلابه عام 1989 على الصادق المهدي، ثمّ انقلابه على حسن الترابي عام 1999، فيما لم يستطع الانقلاب على أحد في عام 2009 نسبة لوجود اتفاقية نيفاشا (اتفاقية السلام الشامل) المراقبة دولياً. لكن جاء في 2019 وأبعد الجميع، بمن فيهم ساعده الأيمن، بكري حسن صالح".


لكنّ للواء المتقاعد أمين مجذوب إسماعيل رأياً آخر، فقد رأى أنّ مجيء بن عوف لمنصب النائب الأول "أمر فرضته التركيبة الجديدة للحكم التي اتجهت نحو عسكرة السلطة، بالتزامن مع إعلان حالة الطوارئ في البلاد"، معتبراً أنّ ذلك "يستدعي الحاجة لوجود شخصية تربط ما بين رئاسة الجمهورية والقوات المسلحة، لا سيما أنّ بن عوف احتفظ بمنصبه كوزير للدفاع، وبالتالي المطلوب منه إدارة الولاة الذين عُيّنوا كلهم من القوات النظامية، ومطلوب منه كذلك الإشراف على تطبيق حالة الطوارئ"، مؤكداً أنه "بشخصيته العسكرية وولائه للحركة الإسلامية التي انتمى لها منذ شبابه، وبسيطرته على المؤسسة الاستخبارية في الجيش، سيتمكّن من أداء مهامه بالصورة المطلوبة".
ووسط هذه الآراء التي حاولت إيجاد مبررات لتعيين بن عوف في منصبه الجديد، ذهب آخرون إلى اعتبار ذلك بمثابة المفاجأة الكبيرة غير المتوقعة، خصوصاً في ظلّ حالة من الاحتقان السياسي والاقتصادي، قائلين إنه كان من الأجدى تعيين شخصية تمتلك مفاتيح لحلحلة تلك القضايا، لتجاوز حالة انسداد الأفق.
وفيما اعتبر الباحث السوداني، عبده طه مختار، في حديث صحافي، أنّ اختيار بن عوف "ما هو إلا محاولة لتدوير الحلقة الأقرب للرئيس"، ذهب بعض المتابعين للشأن السوداني إلى القول إنّ هذا الاختيار "ليس إلا نتاج رغبة من البشير في البحث عن مقربين يضمن ثقتهم للأيام المقبلة".
وفي ظلّ الوضع المتأزّم على الساحة السودانية، يطرح الكثير من التساؤلات عن مدى إمكانية نجاح بن عوف في مهامه الجديدة أو المطلوبة منه. وفي هذا السياق، اعتبر عضو البرلمان السوداني، حسن عبد الحميد، أنّ "حالة الغموض في شخصية بن عوف ستعزّز فرص نجاحه في منصب النائب الأوّل، لأن كثيراً من الشخصيات الأخرى مواقفها مفضوحة، وبالتالي لا تحصل على ثقة من خصوم الحكومة". واستدرك بأنّ نجاح بن عوف "مرتبط إلى حدّ كبير بقدرته على الاقتراب من الأحزاب السياسية المعارضة، وربما يكون مقبولاً لديها، لأنه غير متورّط سياسياً، وكذلك ربما ترغب المعارضة في معرفة أفق تفكيره، لأنها تدرك وتعرف تفكير الآخرين".

وفي الإطار ذاته، أشار المحلل السياسي السوداني، كرار التهامي، إلى عوامل أخرى تعزّز من فرص نجاح بن عوف، وتتمثّل في "البعد الدبلوماسي لديه الذي جعله يتمتع بخبرة في التفاوض، وكسب الأطراف الأخرى". وأوضح أنّ "هذه الميزة كانت من الأسباب الداعمة لتعزيز العلاقات مع مصر، وذلك عبر الحميمية التي عكسها بن عوف في تعامله مع نظرائه في الخارج ومع القيادة العسكرية والسياسية في مصر، خصوصاً أنه عمل هناك فترة طويلة. كما أنه يتمتع بالبعد السياسي اللازم لإدارة ملفات الدولة المختلفة". ولفت التهامي إلى أنّ "هناك جانباً شخصياً لا يمكن إغفال ذكره في معرض التقويم لشخصية عامة في هرم السلطة، إذ إنّ بن عوف شخص متواضع وبسيط ومن الشخصيات العامة المتميزة في ما يتعلّق بالاستقامة والبعد عن شبهات الفساد والمحسوبية".
وعلى عكس هذه النظرة المتفائلة بمهمة بالرجل، فإنّ ميرغني رأى أنّ النائب الأوّل الجديد "سيواجه جملة تحديات ومشكلات، منها الازدواجية في منصبيه، نائباً أول ووزيراً للدفاع في حكومة رئيس الوزراء محمد طاهر إيلا، المعروف بتدخله في تفاصيل مرؤوسيه، وقد ظهر ذلك خلال فترة عمله والياً لولايتين في البلاد. فهذا التعقيد قطعاً سيخلق مشكلة بين الرجلين، ولو بعد حين".
هذه المؤثرات الداخلية، تخطّاها عبد الحميد بالذهاب إلى أبعاد أخرى، وتتعلّق تحديداً بالمؤثرات الإقليمية والدولية. إذ قال إنّ بن عوف "مقبول خارجياً لدى قوى إقليمية ودولية، خصوصاً لدى الإمارات والسعودية، حيث برز الرجل طوال أكثر من 3 سنوات كأحد أبرز المدافعين عن بقاء الجيش السوداني في اليمن رغم الانتقادات الواسعة لذلك، وهو أمر ظلّ يكرره، كما أنّ زيارته إلى كل من السعودية والإمارات تكررت كثيراً".
غير أنه في الوقت نفسه، لا يتفق كثيرون مع الفرضية المتعلقة بالقبول الدولي، ويستشهد هؤلاء بلجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة حول الأوضاع في إقليم دارفور، إذ تشير مصادر مطلعة إلى أنّ تلك اللجنة وضعت اسم بن عوف ضمن قائمة المسؤولين المشتبه في مسؤوليتهم عن تدهور الوضع في الإقليم. كذلك يستشهد هؤلاء بقيام واشنطن بوضعه في قائمتها السوداء، بسبب مزاعم حول دور له حين كان قائداً للاستخبارات العسكرية، في صراع دارفور. وتثير تلك الشواهد مخاوف من تأثيرها السلبي على حركته وأدائه عامة، بعد توليه المنصب أو حتى بعد خلافته للبشير تحت أي داعٍ.

لكنّ اللواء المتقاعد أمين مجذوب إسماعيل قلّل من تلك المخاوف، وقال إنّ "البشير نفسه ومعه أكثر من 40 شخصية أخرى، وضعوا ضمن تلك القوائم، وجميعهم ظلوا في أماكنهم، يؤدّون واجباتهم بصورة طبيعية"، مضيفاً أنه "بإمكان بن عوف الآن التعامل مع الحالة في دارفور بمعالجة جذور الأزمة، ليكون ذلك أبلغ خطاب للمجتمع الدولي".
وعن الموضوع نفسه، قال الصحافي علي ميرغني إنّه "لم يعرف السودانيون إلا 3 شخصيات فقط أدرجت على قوائم مجلس الأمن، وصاروا من المطلوبين على خلفية أزمة دارفور"، مستدركاً بالقول "أستبعد أن يكون ذلك سبباً يعوق أداء الرجل، والمجتمع الدولي يمكنه تجاهل ذلك، إذا رأى في ذلك مخرجاً لأزمة الحكم الحالية".
من جهة أخرى، يرى البعض أنّ بإمكان بن عوف خلافة البشير، حال قرر التنحي أو عدم الترشح للانتخابات في 2020. وهذا ما توقعه مجذوب، الذي قال إنّ "بن عوف بإمكانه تكرار تجربة المشير عبد الرحمن سوار الدهب، الذي خلف، وهو وزير دفاع وقائد عام للقوات المسلحة، الرئيس جعفر نميري في عام 1985"، مؤكداً أنه لو حدث ذلك "فستظهر قدرات بن عوف الحقيقية". ويتفق عبد الحميد مع ذلك.
لكن ميرغني لا يعتقد أنّ حظوظ بن عوف "على هذا القدر، وهي ضعيفة أمام وجود أسماء أخرى مطروحة لهذا المنصب، مثل مدير جهاز الأمن، الفريق أول صلاح عبد الله قوش، أو وزير الخارجية السابق إبراهيم غندور"، مشيراً إلى أنّ "بن عوف يفتقر إلى العلاقات الدولية، ولم يعرف له دور في علاقات السودان الخارجية، ولم يشغل منصب سفير في الدول ذات الثقل العالمي".
المساهمون