لهذه الأسباب غادر بومبيو المغرب من دون استقبال ملكي

06 ديسمبر 2019
اقتصار بومبيو على لقاءات سريعة بالرباط (فرانس برس)
+ الخط -
غادر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المغرب، الذي انقضى يوم الخميس، دون أن يلتقي الملك محمد السادس، بعدما كان استقباله داخل القصر الملكي مدرجا ضمن جدول أعمال الزيارة الأولي الذي أعلنته الخارجية الأميركية.

وقالت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، إن الارتباك الذي شهدته زيارة بومبيو للمغرب، واقتصاره على لقاءات سريعة مع مسؤولين حكوميين، ومغادرته المملكة بعد ساعات من وصوله إليها، دون أن يستقبله الملك محمد السادس، يرتبط بما وصفه أحد هذه المصادر بـ"التشويش" الذي أحاط بالزيارة من جانب إسرائيل والأطراف المؤيدة لها في واشنطن، والتي استبقت وصول بومبيو إلى المغرب بنشر أنباء تربط الزيارة بأجندة ترمي إلى حمل المغرب، ضمن دول عربية أخرى، على تطبيع علاقاتها بإسرائيل.

قمة هذا "التشويش" الإسرائيلي تجسّدت في انتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأربعاء 4 ديسمبر/كانون الأول، إلى العاصمة البرتغالية لشبونة، حيث كان بومبيو في زيارة عمل، ليجتمع به هناك، وتنطلق آلة الدعاية الإعلامية الإسرائيلية في الترويج لفكرة حمل المغرب على القيام بخطوة دبلوماسية لتطبيع علاقاته بالدولة العبرية.

وكشفت مصادر "العربي الجديد" أن هذا الضغط الإسرائيلي كان يرمي إلى إقناع بومبيو باستصدار موافقة مغربية على إحياء فكرة شبيهة بـ"مكتب الاتصال الإسرائيلي" الذي كان المغرب يعتمده في عاصمته في النصف الثاني من عقد التعسينيات.

وكانت المملكة قد أصدرت قرارا بإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي عاما واحدا بعد وصول الملك محمد السادس إلى الحكم، أي في أكتوبر/ تشرين الأول 2000، وذلك في سياق اندلاع انتفاضة فلسطينية وإقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على تقتيل الفلسطينيين.

وكان المغرب قد تبادل مع إسرائيل فتح مكتبين للاتصال معتمدين لدى بعضهما البعض، بدءا من العام 1996، في سياق المساهمة المغربية في عملية السلام التي كانت تشهد تقدما بناء على اتفاقية "أوسلو" التي وقّعت عام 1993 بين الفلسطينيين وإسرائيل.

أنباء أشعلت فتيل الغضب الشعبي بالمغرب، حيث سارع المرصد المغربي لمناهضة التطبيع ساعات قليلة قبل وصول بومبيو، إلى إصدار بيان شديد اللهجة، حذّر فيه من إقحام المغرب في أية مبادرة سياسية لفرض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

وبرز ارتباك أجندة الزيارة في اليومين الأخيرين قبل حلول موعدها، حيث تغيّر البرنامج الرسمي للزيارة عدة مرات، إلا أن النسخة الرسمية الأخيرة التي نشرها موقع الخارجية الأميركية، صباح الخميس، تضمنت انطلاق الزيارة باستقبال الملك محمد السادس لبومبيو في الساعة الثانية والنصف من يوم وصوله، وإنهاءها بحفل عشاء رسمي تقرر أن تقيمه الأسرة الملكية على شرف الضيف الأميركي، وهو ما تم إلغاؤه، كما ألغي مؤتمر صحافي مشترك بين بومبيو ونظيره المغربي ناصر بوريطة.

الأستاذ الجامعي المغربي المختص في ملف الصحراء، محمد الزهراوي، علّق على هذه التطورات بالقول إن "ثمة رسائل مشفرة وألغازا رافقت الزيارة الخاطفة التي قام بها بومبيو، لاسيما وأنه غادر المملكة دون استقباله من طرف الملك محمد السادس كما كان مبرمجا من قبل".

وأضاف الزهراوي، في تعليقه الذي نشره عبر حسابه الشخصي في "فيسبوك"، أنه ورغم سياق الزيارة المتسم بحدوث تقارب كبير بين البلدين، "ثمة ما يؤكد أن أجندة الطرفين بدت متباعدة وغير متجانسة إزاء العديد من الملفات، لاسيما الملفان الفلسطيني والليبي".

واستخلص الزهراوي ملاحظتين أساسيتين، أولاهما هي أن الملك من خلال عدم استقبال بومبيو "يوجه رسالة مباشرة إلى إدارة ترامب، مفادها أن المملكة ترفض الانخراط في أية تسوية تكون على حساب القضية الفلسطينية. وأن قضية الصحراء (يواجه فيها المغرب حركة انفصالية) لا ولن تكون ورقة مساومة أو تفاوض".

أما الملاحظة الثانية، برأي الزهراوي، فهي لقاء عبد اللطيف الحموشي بوزير الخارجية الأميركي، "باعتباره الوصي على جهاز الاستخبارات الداخلية بدل ياسين المنصوري (مخابرات خارجية)، الوصي والمكلف بأمن المملكة في الخارج، يؤشر على أن المملكة ترغب في الحفاظ على التنسيق الأمني مع أميركا وفق مستويات معينة، رغم الاختلاف في بعض الملفات ذات الطبيعة الجيوسياسية".

المساهمون