التفسير القانوني لرسالة الرئيس العراقي الملوّحة بالاستقالة وتداعياته على حلفاء إيران

28 ديسمبر 2019
تحاول قوى سياسية اعتبار رسالة صالح للبرلمان بأنها استقالة(Getty)
+ الخط -
تشعر الأحزاب العراقية المقربة من إيران، وتحديداً المنضوية ضمن تحالف "البناء"، الذي يضم قوى "الحشد الشعبي" وحزب "الدعوة" و"بدر" وبعض الكيانات السنية، بالورطة بعد الموقف الأخير لرئيس الجمهورية برهم صالح.

وكان الرئيس العراقي قد دخل ضمنيا على خط موالاة المتظاهرين ومطالبهم، وفضح بطريقة مباشرة الضغوط التي تمارس عليه من قبل تلك الأحزاب بشأن محاولة تمرير مرشحهم لرئاسة الحكومة، أسعد العيداني، وذلك عقب تعذّر الاتفاق على تكليف رئيس وزراء جديد، مع مرور نحو أسبوع على دخول البلاد في فترة فراغ دستوري.

وهدد صالح بتقديم استقالته من منصبه في حال استمرار القوى السياسية في إهمال مطالب المحتجين الذين خسروا لغاية الآن أكثر من 520 قتيلا ونحو 22 ألف مصاب، مع دخولهم في الشهر الثالث على التوالي في الاحتجاجات التي تشهدها بغداد ومحافظات الوسط والجنوب في البلاد، وهو ما عمّق الأزمة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة الشاغرة ورئاسة البرلمان التي قد تتحوّل إليها صلاحيات صالح بعد أسبوعٍ من تقديم استقالته.

ويُفسر قانونيون عراقيون أن استقالة رئيس الجمهورية، بحسب الدستور العراقي، لا تكون نافذة إلا بعد سبعة أيام من تاريخ إيداعها البرلمان، وبعد مضيّ أسبوع من دون سحبها يحل رئيس البرلمان محل رئيس الجمهورية، حيث يجمع رئيس البرلمان الرئاستين لعدم وجود نائب لرئيس الجمهورية، على أن يتم انتخاب رئيس جديد خلال شهر، وهو نص المادة 75 من الدستور النافذ في العراق.

ويأتي هذا بعد أقل من شهر واحد على قبول استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، في الأول من ديسمبر/كانون الأول الحالي، التي أدت إلى أزمة سياسية كبيرة، واضطراب التوجهات السياسية، خصوصاً مع وجود جبهات مناوئة للوجود والنفوذ الإيراني الداعم لحكومة المحاصصة، التي تؤمن بعرفٍ ساد بعد عام 2003، بأن الأحزاب الشيعية مكلفة باختيار رئيس الوزراء، وأن هذا المنصب هو من حصة المكون، وهو ما يرفضه المتظاهرون الذين يطالبون بدولة مدنية تقوم على أساس الاختصاصات والكفاءات من دون مراعاة مذهب أو طائفة رئيس الحكومة. ويساند هذا الطرح من السياسيين، زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ورئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي بائتلافه السياسي "النصر".

وبعد مرور أكثر من 24 ساعة على صدور بيان برهم صالح، الذي كشف فيه ما يدور في كواليس غرف السياسيين، ومحاولات إيران وأحزابها في العراق تمرير أسعد العيداني، ومن ثم لجوئه إلى مدينة السليمانية حيث مدينته الأصلية ومنزله، تزداد الهجمة على صالح في وسائل الإعلام المملوكة للأحزاب والمليشيات، والتي بلغت مرحلة الشتائم والطعن، كما ورد على لسان عضو تحالف "الفتح" والقيادي في مليشيا "العصائب" عدي عواد، في برنامج متلفز، دعا فيه العراقيين إلى البصق على رئيس الجمهورية، وهو ما يشرح الألم الذي لحق بتحالف "البناء"، الذي توقّع أن صالح سيوافق على تقديم العيداني مرشحاً بديلا لعادل عبد المهدي.



"تهديد بالاستقالة وليست استقالة"

وتحاول قوى سياسية عدة اعتبار رسالة صالح للبرلمان بأنها استقالة، في مسعى منها إلى استبعاده فعلا، كما فعل النائب الثاني لرئيس البرلمان بشير الحداد، الجمعة، الذي قال إنه في حال لم يسحب رئيس الجمهورية برهم صالح رسالته، فستعتبر استقالة رسمية خلال أسبوع، مستدركاً بالقول في بيان عمّمه على وسائل الإعلام: "باعتبار أنه لا يوجد نائب للرئيس، فإن الدستور العراقي يقضي بأن يتسلم رئيس مجلس النواب المنصب، وأن يتم تعيين رئيس للجمهورية خلال 30 يوما".

ويؤكد القانوني علي القيسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن رسالة صالح "حرفيا تهديد بالاستقالة وليست استقالة، ولا يمكن القبول بأي تفسير آخر غير ذلك"، واصفا تصريحات نائب رئيس البرلمان بأنها "مغلوطة، وقد يكون غير مطلع على الرسالة أساسا".

في السياق، يعتبر عضو تحالف "سائرون" غايب العميري، خطوة صالح بأنها "موقف أخلاقي يحسب له"، ويضيف "صالح لوّح وهدد بالاستقالة بعد الضغوط الكبيرة التي تعرّض لها من تحالف البناء الذي يصر على قتل المحتجين باستخدام أسماء فاسدة وترشيحها إلى منصب رئيس الحكومة، وقد مارس صالح دوره الإنساني والوطني بعيداً عن المنافع الحزبية".

وأوضح العميري، لـ"العربي الجديد"، أن "تلويح صالح بالاستقالة قد يُهدد حياته السياسية بالخطر، لأن هذا القرار لا يخدم أي جهة سياسية، حتى الأحزاب الكردية، ولكنها لحظة أخلاقية فارقة في حياة صالح وفي تاريخ العراق، وبعد أن تكشّفت الحقائق وصار العراقيون على علمٍ بالتحالفات السياسية التي تسعى إلى تخريب العراق وجرّه إلى حرب أهلية عبر تفويض الفاسدين من رقاب العراقيين، صار المتظاهرون يتمسكون بمطالبهم وشروطهم أكثر في سبيل إصلاح ما خربته الأحزاب".

في المقابل، بدأت كتل سياسية مقربة من إيران بحملة واسعة ضد برهم صالح، من قبيل اتهامه بالفساد والتورط في عقود مع شركات نفطية وأيضا مساومتهم على كركوك، كما هو الحال بالنسبة لعضو ائتلاف "دولة القانون"، الذي يتزعمه نوري المالكي، النائب عن بغداد سعد المطلبي.

واتهم المطلبي رئيس الجمهورية بأنه "سعى خلال الأيام الماضية إلى الحصول على موافقة الأحزاب العراقية بشأن سيطرة قوات البشمركة على مدينة كركوك، مقابل قبوله بمرشح تحالف "البناء" أسعد العيداني لمنصب رئيس الوزراء، وحين عجز عن تحقيق ما أراد ورفض كل قادة الأحزاب العراقية طلب صالح، سارع إلى الالتفاف على المتظاهرين طالباً دعمه في حركة لم تكن نزيهة وهي التلويح باستقالته"، وفقا لزعمه.

وبيّن لـ"العربي الجديد"، أن "بيان صالح الأخير بشأن استعداده للاستقالة ورط الأحزاب، وقد تُدخل الاستقالة العراق في متاهة سياسية وتعميق أزمة الفراغ الدستوري".

إلى ذلك، قال الخبير بالقانون العراقي علي التميمي، لـ"العربي الجديد"، إنه في حال تقديم رئيس الجمهورية استقالته إلى رئيس البرلمان مكتوبة يعني أنها تكون نافذة بعد 7 أيام من إيداعها البرلمان، وخلال الأيام السبعة قبل نفاذ الاستقالة، يبقى رئيس الجمهورية يتمتع بكافة صلاحياته، ويجوز له التراجع عن الاستقالة ولا يحتاج الأمر إلى تصويت البرلمان".

وأوضح التميمي أنه "بعد مرور سبعة أيام تكون الاستقالة نافذة، إذا لم يتراجع الرئيس، ويحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس، وإذا لم يتوفر النائب، فتتحول الصلاحيات مباشرة إلى رئيس البرلمان، إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال 30 يوماً، وفي حال حصول ذلك يتوجب دستورياً على البرلمان أن يحل نفسه بنفسه تمهيداً للانتخابات المبكرة التي من المفترض أن تُجرى بعد شهرين من حل البرلمان".