اشتباكات إدلب: التهدئة تنتظر لقاء بوتين وأردوغان

27 ديسمبر 2019
يعاني النازحون من سوء الأحوال الجوية(الأناضول)
+ الخط -

عادت الاشتباكات بشكل متقطع بين قوات النظام السوري ومليشيات مساندة لها من جهة، وفصائل المعارضة السورية من جهة أخرى، يوم الخميس الماضي، على جبهات الريف الجنوبي الشرقي من إدلب، تحديداً في جنوب مدينة معرة النعمان وشرقها، وذلك بعد الهدوء الذي ساد لبعض الوقت. واحتدمت الاشتباكات على جبهات التح وجرجناز وغيرها، التي سبق أن سيطرت قوات النظام عليها، وحاولت الفصائل استعادتها من دون جدوى. وأدى احتدام المعارك إلى نزوح أكثر من 235 ألف شخص خلال أسبوعين حسب ما أعلن مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة أمس الجمعة، مشيراً إلى أن هؤلاء نزحوا بين 12 ديسمبر/كانون الأول الحالي و25 منه، من قرى عدة، ومنها معرة النعمان وقرى وبلدات في محيطها، وجميعها باتت "شبه خالية من المدنيين". وقد دارت اشتباكات عنيفة بين قوات النظام والمعارضة على محور قرية الدير غربي بريف معرة النعمان الشرقي، وترافقت مع قصف واستهدافات متبادلة، بعد تمكن الفصائل من استعادة السيطرة على نقاط كانت قوات النظام تقدمت إليها خلال الساعات الماضية. وفيما قصفت قوات النظام مناطق معرشورين ومعرشمشة وتلمنس ومحيط معرة النعمان، إلا أن طائرات النظام وروسيا لا تزال غائبة عن أجواء المنطقة لليوم الثاني على التوالي.

من جهته، كشف المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، النقيب ناجي المصطفى، لـ"العربي الجديد"، عن سير المعارك صباح أمس، قائلاً: "دارت اشتباكات عنيفة على أكثر من محور، وتم التصدي من قبل قواتنا لأكثر من محاولة تقدم لقوات النظام التي كبّدناها خسائر في الأرواح والعتاد، لا سيما على محاور أبو جريف وتل الشيح والدير الغربي". وأشار المصطفى، إلى أن فصائل المعارضة لجأت إلى أسلوب الكمائن، للإيقاع بقوات النظام خلال محاولات تقدمها الأخيرة، وقد نجحت في ذلك أثناء اشتباكات ليل الخميس وصباح أمس.

وقياساً بحدة المعارك التي شهدتها الجبهات في الريف الجنوبي من إدلب الأسبوع الماضي، يمكن قراءة التهدئة الحالية بكونها انعكاساً لاستمرار المفاوضات بين الوفدين الروسي والتركي بالعاصمة الروسية موسكو، مع تمديد الوفد التركي زيارته إلى روسيا ثلاثة أيامٍ إضافية ابتداءً من يوم الخميس الماضي. وكان الوفد التركي برئاسة نائب وزير الخارجية سيدات أونال، قد وصل موسكو مطلع الأسبوع الحالي، وطلب وقفاً لإطلاق النار في إدلب، قابله الجانب الروسي بوعد للعمل على تكريس ذلك خلال 24 ساعة، حسبما أعلن حينها المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، الذي أشار أيضاً إلى أن بلاده "تتابع عن كثب عملية وقف هذه الهجمات، ونتوقع أن تتوقف في أقرب وقت ممكن، وسيتم تنفيذها بوقف جديد لإطلاق النار وجدول زمني محدد".

وتخشى تركيا استئناف الهجمات أو استمرارها بشكل عنيف، وبقاء الآلاف من النازحين على حدودها، وفي حال لم تتوصل الجهود التركية خلال المفاوضات مع روسيا إلى تهدئة معينة، فإن الكثير من هؤلاء النازحين سيحاولون إيجاد طريق للدخول إلى تركيا، وهذا ما تحذر منه الأخيرة المجتمع الدولي، والأوروبيين على وجه التحديد، بل وتستخدمه كورقة تلوح بها.

بدوره، جدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الخميس، مخاوف بلاده من حدوث موجة لجوء سورية جديدة إلى بلاده، داعياً إلى تحقيق التهدئة في إدلب. وقال في كلمة له خلال اجتماع لحزب "العدالة والتنمية"، في العاصمة أنقرة: "أبلغنا أوروبا بأنه لم يعد بإمكاننا استيعاب موجة جديدة من اللاجئين، ويجب تحقيق التهدئة في إدلب"، مشيراً إلى أنّ هجمات النظام السوري في المحافظة "لا تجعل وقف إطلاق النار الدائم ممكناً".



وينتظر جنوب إدلب، ومعرة النعمان بالتحديد، نهاية المفاوضات بين الجانبين الروسي والتركي، وهي بمثابة مفترق طرق لمنطقة "خفض التصعيد" برمتها. مع العلم أن من احتمالاتها الإيجابية، هو تعهد الأتراك إبعاد "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) عن إدلب، وضمان تسيير دوريات مشتركة على طول الطريقين الدوليين "أم 5" المار بمعرة النعمان وصولاً إلى سراقب، و"أم 4" المار بسراقب مروراً بجسر الشغور وصولاً إلى اللاذقية، وبالتالي عودة المدنيين إلى منازلهم. أما عن أبرز الاحتمالات السلبية، فيتمحور بتعنّت الروس في فرض سيطرتهم على معرة النعمان، التي باتت شبه خاوية إلا من المقاتلين.

وكشفت مصادر من أروقة المفاوضات في موسكو لـ"العربي الجديد"، أن الملفين السوري والليبي يُبحثان ضمن حزمة واحدة بين الجانبين، ما يجعل التكهنات بالنتائج أمراً صعباً ومعقداً، وما يخشاه السوريون في إدلب أن تذهب أرضهم فرق حسابات بين الروس والأتراك، مقابل مصالح مشتركة للطرفين في ليبيا وغيرها. وحول ما إذا كانت المفاوضات ستؤدي في نهاية طريقها إلى نتائج سلبية من شأنها الحفاظ على مدينة معرة النعمان، تحت سيطرة المعارضة أو الإشراف التركي، قال رئيس المكتب السياسي لـ "فرقة المعتصم" التابعة لـ "الجيش الوطني السوري"، مصطفى سيجري إن خيارهم حينئذٍ هو "المقاومة حتى النصر". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "معركتنا مع الاحتلال الروسي والاحتلال الإيراني ستكون طويلة، لأنها معركة تحرير وطرد للاحتلال، ندرك أن الملف السوري بات ورقة للمساومة بين أطراف عدة، وهذا من شأنه تعقيد المهمة وإطالة المعاناة. ولكنها أرضنا وقضيتنا وخيارنا معلن، ولا يمكن التفريط بالمناطق المحررة بل سيستمر النضال حتى تحرير آخر شبر من الأراضي السورية".

وأشار سيجري إلى أن المعارضة "تتعرض منذ عام 2016 إلى حصار خانق وقطع لجميع أنواع الدعم العسكري والإنساني، بهدف دفعنا للاستسلام إلا أننا لن نستسلم، المقاومة خيارنا، وسنذهب الى حرب استنزاف للعدو، وسنشهد تغييرات في التكتيك العسكري، وسوف تتحرك مجموعات خلف صفوف العدو، وسيدفع الاحتلال الروسي ثمن تضييعه للفرصة تلو الأخرى مع الحلفاء في الجمهورية التركية. ونؤكد أن المعركة طويلة ونحن على أبواب مرحلة جديدة، ربما تكون بداية حرب العصابات وسنسحب الاحتلال الروسي والإيراني الى معارك استنزاف طويلة".

وحول احتمالات وجود مؤشرات إيجابية في المباحثات التركية – الروسية حول إدلب، أشار السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، وهو مقرب من الحكومة، إلى أنه "لا يوجد تطابق بين تركيا وروسيا مائة في المائة حول ملف إدلب، فموسكو تصرّ على أن هنالك مجموعات إرهابية من (النصرة) وغيرها، وتركيا تصرّ على أن يكون هنالك وقف كامل لإطلاق النار وعدم الدخول إلى مدينة معرة النعمان، والقضية لا تزال بحاجة لأن يكون هناك لقاءات على مستويات عليا". ورأى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "لن يتم البت النهائي في ملف إدلب، إلا خلال اللقاء المرتقب بين (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين وأردوغان في 8 يناير/كانون الثاني المقبل، وهنالك أوراق بيد تركيا أتوقع أن تضغط بها على روسيا لحل هذه المعضلة، وهي بالتأكيد أوراق ضغط غير معلنة، وروسيا كذلك سوف تضغط على تركيا بسبب موقفها المعلن من الشأن الليبي، والأمور معقدة نوعاً ما". لكن كاتب أوغلو توقع أن "تنجح المباحثات السياسية والدبلوماسية بعد لقاء بوتين – أردوغان، وستؤدي الصداقة الشخصية بينهما دوراً في تذليل العقبات بين مؤسسات البلدين".

وكان يوم الخميس الماضية شهد أول تصريح للرئيس الأميركي دونالد ترامب حول إدلب، عندما أعلن عن موقفه حيال الأزمة عبر حسابه على "تويتر"، محذراً روسيا وإيران والنظام من الاستمرار باستهداف المدنيين، قائلاً: "روسيا وسورية وإيران يقتلون آلاف المدنيين"، معرباً عن دعمه للجهود التي تبذلها تركيا لإيقاف ذلك "التي تعمل جاهدة على منع هذه المجزرة". وفيما إذا كان تصريح ترامب يأتي ضمن الوقوف الأميركي خلف تركيا، بما يخص ملف إدلب تحديداً، قال كاتب أوغلو، إن "تصريح ترامب لا يفهم منه الالتزام الكامل مع تركيا في قضية إدلب من خلال مجاملتها، بل في الواقع موقف ضد روسيا، فترامب يحاول استغلال الوضع الحالي وأخطاء روسيا للضغط عليها دولياً وعالمياً، وفي ذات الوقت يريد أن يظهر في مظهر الداعم لتركيا. لا يمكن الوثوق بالنوايا الأميركية تجاه تركيا، وبالتأكيد ليس من مصلحة تركيا أن تسوء علاقاتها مع روسيا، لأنها تعلم أن الولايات المتحدة حليف لا يمكن الوثوق به".



المساهمون