تباين مواقف الأحزاب التونسية حول خيار حكومة كفاءات

24 ديسمبر 2019
هل ينجح الجملي بتشكيل حكومة كفاءات (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تباينت مواقف الأحزاب التونسية بخصوص إعلان رئيس الحكومة المكلف، الحبيب الجملي، أمس الاثنين، الذهاب إلى حكومة كفاءات وطنية بعد فشل المشاورات مع الأحزاب التونسية، وبخاصة تلك الممثلة برلمانيا، ومنها "حركة الشعب" و"تحيا تونس" و"التيار الديمقراطي".

واعتبرت حركة "النهضة" أن تكوين حكومة كفاءات غير متحزبة يعدّ الحل الأمثل لتونس في هذه الفترة المتميزة بتشرذم الساحة السياسية والبرلمانية. ويراهن الحزب على حصول حكومة الكفاءات على أغلبية مريحة وعلى تأييد طيف واسع من الأطراف السياسية، التي نادت منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية بتشكيل حكومة كفاءات تخرج البلاد من الأزمة.

وعلق رئيس "النهضة"، راشد الغنوشي، في تصريح صحافي على هامش استقبال وفد من البرلمان العربي بمجلس النواب التونسي الثلاثاء، على اعتزام الجملي تكوين حكومة كفاءات غير متحزبة، واصفا ذلك بالحل الأمثل والأنسب لتونس. وأضاف أن تشكيل حكومة كفاءات وطنية منفتحة على كل الأحزاب والتيارات السياسية والكفاءات غير المتحزبة مهمتها خدمة مصلحة البلاد، يجعلها الأكثر تأييدا من أي حكومة سابقة لأنها مفتوحة على الجميع ولا تقصي أحدا.

وقادت تصريحات مسؤولي حزب "النهضة"، المراهنة على هذا الخيار، إلى عدة تساؤلات حول الأسس الموضوعية والتفاهمات الحاصلة من أجل حصولها على ثقة أغلبية النواب بعدد أصوات يضمن لها حزاما سياسيا موسعا. وإن كانت جميع المؤشرات حول التوازنات السياسية في البرلمان تشير إلى استحالة تجميع أغلبية معززة حول حكومة الكفاءات بقيادة الجملي، حيث، بعملية حسابية بسيطة، تجمع أصوات كتلة "النهضة" وكتل "قلب تونس" و"الإصلاح الوطني" و"المستقبل" 125 صوتا فقط.

ويتجاوز الأمر كذلك حدود أغلبية التصويت إلى نوعية الدعم السياسي الذي قد تحصل عليه حكومة تكنوقراط، إثر شروعها في العمل ومواجهتها للهزات السياسية وللصعوبات الاقتصادية والاحتقان الاجتماعي، وهو ما عبر عنه القيادي بـ"النهضة"، عبد اللطيف المكي، في تدوينة على صفحته بـ"فيسبوك"، موضحا أن "حكومة التكنوقراط هو حل ترقيعي إذ أن أوضاع البلاد تحتاج أساسا إلى خيارات سياسية، ما يجعلها تتجه لحلول مملاة من دون تعديل أو تغيير، كما لن تكون هذه الحكومة محتضنة شعبيا بصورة حقيقية، والأحزاب التي منحتها الثقة يسهل أن تتنصل منها في كل مرحلة بحجة أنها كانت حلا اضطراريا".

من جهته، فسر القيادي بـ"النهضة"، محمد القوماني، في حديثه لـ'العربي الجديد" رهان الحزب على نجاح هذا القرار بعدة مؤيدات، أبرزها مطالبة الأحزاب ذات الوزن البرلماني بحكومة كفاءات غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات، إذ أن الأحزاب السياسية الرئيسية في البرلمان رفضت المسار الدستوري القاضي بتعيين "النهضة" لشخصية من داخلها، وامتنعت عن المشاركة في حكومة ترأسها شخصية من الحزب، مما دفع لتكليف شخصية غير متحزبة (الحبيب الجملي) لتكوين حكومة.

علاوة عن ذلك، طالبت أحزاب مشاركة منذ بدء المشاورات بأن يتم تكوين حكومة كفاءات، على غرار حزبي "قلب تونس" و"تحيا تونس"، فيما رفض جزء آخر المشاركة لتعود "النهضة" إلى خيار حكومة الكفاءات، على حد قوله، مضيفا أنه في تقدير "النهضة" فإن هذه الحكومة ستحظى بالتأييد اللازم لأن هذا التوجه عبرت عنه أحزاب وبالضرورة ستصوت لفائدته.

وبين القوماني أن المشهد في البرلمان منقسم بشكل واضح، ومهما كانت طبيعة الحكومة فإنها لن تحظى بالحزام السياسي الواسع، وأي تحالف حزبي لن ينال إلا أغلبية محدودة، مشددا على أن حكومة الكفاءات ما هي إلا نتاج تعثر التوافق واستحالة جمع الأحزاب على كلمة سواء، لا سيما مع تعدد اشتراطات الأحزاب.

وفي ظل دفع أطراف متعددة نحو خيار إعلان "النهضة" فشلها في تكوين الحكومة لينطلق مسار "حكومة الرئيس" التي ستتشكل غالبا بمعزل عن "النهضة"، فإن محدث "العربي الجديد" اعتبر أن حكومة الجملي هي الحل المتاح مرحليا ولن تفشل وستمر في البرلمان، ولكن في حال أخفقت في ذلك فإن هذا لا يعني أن حكومة الرئيس ستمر، إذ ستواجه بدورها صعوبات جمة ولن تكون أكثر حظوظا من حكومة الحبيب الجملي، وتكون آنذاك احتمالات حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة واردة.

ويرى مراقبون أن صد "النهضة" لمبادرة رئيس الجمهورية قيس سعيد، ورفضها لوساطته خلال الاجتماع الذي دعا إليه الاثنين في قصر قرطاج مع الرباعي المعني بتشكيل الحكومة، مرده إصرارها على إنجاح خيارها وقطع أي طريق يفضي غلى سحب خيوط المشاورات من يدها، وتحجيم دور سعيد في هذه المرحلة.

وفند القيادي بـ"النهضة" محمد القوماني في حديثه لـ"العربي الجديد" هذا الرأي، لافتا إلى أن الحزب قدر أن تفاعل رئيس الجمهورية مع المشهد السياسي غامض وضعيف جدا، إذ لم يبذل، منذ تكليف الجملي، أي مجهود سياسي في اتجاه دعمه وتدخل في الوقت الضائع، بعد أن أوشكت أن المهلة الدستورية على الانتهاء. ولا ترى "النهضة"، في تشبثها بتقديرها السياسي القاضي بإنهاء المشاورات مع "حركة الشعب" و"التيار"، أي إعلان للقطيعة مع سعيد ولا صد لمبادرته.

من جانبه، أكد القيادي في "التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ حكومة الكفاءات "تبدو أنها الخيار الأول للجملي، ففي ظاهرها هي حكومة مستقلة ولكنها في باطنها هي حكومة تضم النهضة وقلب تونس ومكونات من ائتلاف الكرامة، وهي خليط مستهجن لن تعالج مشاكل البلاد وستسقط ولن تصمد أمام الصعوبات ومتطلبات المرحلة القادمة وبالتالي ستكون حكومة من دون سند وحزام سياسي".

وأوضح أن الحكومة ستضم "النهضة" و"قلب تونس" وشخصيات مستقلة وهو الخيار الأسهل للعمل من دون شروط وقيود وهي تقريبا أسهل تشكيلة، مبينا أن الخيار الثاني، المشاورات مع "التيار" و"حركة الشعب"، كان بدفع من بعض القيادات داخل حركة "النهضة" لاختيار حكومة مدعومة سياسيا وممثلة برلمانيا.

واعتبر الشواشي أنه عند فشل المشاورات تم الإعلان عن الخيار الأول، مضيفا أن هذه الحكومة قد تحصل على الثقة من قبل البرلمان وعلى العدد المطلوب، ولكنها لن تصمد أمام المعوقات والمشاكل المنتظرة. وأكد أن الإصلاحات المطلوبة تتطلب حكومة قوية تلبي انتظارات التونسيين، وتعكس النتائج الانتخابية التي منحت للأحزاب، وتكون حاملة لمشروع ولرؤيا واضحة.

وأفاد الشواشي أن "التيار" لم يتعرض إلى مراوغة لأنه كان متيقظا منذ البداية، ويعرف أن هناك مشاورات أخرى في الكواليس مع "قلب تونس" ولم تكن علنية، فالسيناريو كان موجودا والشخصيات التي سيتم تعيينها كانت شبه جاهزة.

واعتبر أن ذلك هو "ما دفع الجملي إلى الإعلان عن حكومة كفاءات والتأكيد على أن الإعلان عن الحكومة سيكون قريبا، وبالتالي النقاشات كانت مجرد ذر رماد على العيون"، مضيفا أن هذه الحكومة ستواجه رفض المنظمات، وحتى رفضا من قبل رئيس الدولة الذي دعا إلى اجتماع عاجل أمس، محذرا من حصول تصادم بين رأسي السلطة التنفيذية والتشريعية.

بدوره، أكد "الاتحاد الشعبي الجمهوري" في بيان أن مقترح تكوين حكومة كفاءات مرفوض، وأنه عبّر سابقا عن استعداده للتصويت لأي حكومة تعرض على البرلمان دليلا عن حسن النوايا، ولكنه يجد نفسه حيال مقترح حكومة كفاءات وطنية مجبرا على التصدي له، وسيعمل جاهدا على إقناع مكونات مجلس النواب أن تحذوا حذوه.

وقال النائب في البرلمان عن حزب "قلب تونس"، حاتم المليكي، إن حزبه يدعم فكرة حكومة كفاءات وطنية، في انتظار الاطلاع على الفريق الحكومي والبرنامج، مضيفا في تصريح إعلامي أن حزبه سيدعم حكومة الكفاءات الوطنية إذا كان فعلا اختيار الفريق الحكومي على أساس الكفاءة.

وأفاد المليكي أن حزبه طالب منذ البداية بتشكيل حكومة كفاءات وطنية، معتبرا ذلك أفضل حل لإدارة المرحلة القادمة.

ولفت المحلل السياسي، عبد اللطيف الحناشي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هذا الخيار كان نتيجة المأزق الذي حصل بعد فشل المشاورات بين الأحزاب، مبينا أن هذا الخيار كان يجب أن يكون منذ البداية، في ظل الاختلافات العميقة بين "التيار" و"حركة الشعب" و"النهضة"، والفجوة في الرؤى والنظرة للمسائل الاقتصادية والموقف من صندوق الرهن الدولي، وهي خيارات بعيدة كل البعد بين الأحزاب الممثلة للعائلة الديمقراطية و"النهضة" وكانت ستجعل الانسجام بينها شبه مستحيلة.

وقال الحناشي إن الخيارات البعيدة هي التي أفشلت المفاوضات وليس التفاصيل حول الحقائب الوزارية، مبينا أن الحكومة لها أولويات، وهي معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي يمكن أن يتم إيجاد حلول عملية خاصة بعد التقارب مع الاتحاد العام التونسي للشغل. وبين أن قدرة الحكومة على التعايش والشخصيات المستقلة وارتباطاتها بالأحزاب الداعمة لها ستكون محددة لتأثيرها ونجاحها، وقد تتمكن من النجاح، فحتى حكومة كفاءات بالخبرة والتجربة يمكنها تحقيق إنجازات وهذا رهين الشخصيات التي سيقع عليها الخيار.

المساهمون