هكذا سيفرض الاتفاق التركي الليبي نفسه على قمة برلين المرتقبة

02 ديسمبر 2019
نفاذ الاتفاق التركي الليبي بات أمراً محسوماً (مراد كولا/الأناضول)
+ الخط -
لا تزال الأمم المتحدة تبذل جهوداً يبدو أنّها أصبحت معزولة بشأن حل الأزمة في ليبيا، ففيما كانت تعول على عقد قمة في برلين، أوائل ديسمبر/ كانون الأول الحالي، من أجل تقريب وجهات النظر الدولية المختلفة، بلغ الصراع الدولي أوجه بسبب المصالح المتعارضة للدول الفاعلة في الملف الليبي، وعلى كافة المستويات.

وفيما أعرب المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، عن مخاوفه من إمكانية تأثير الخلافات الأميركية الروسية الجديدة في ليبيا، ثارت ثائرة دول إقليمية في الشرق الأوسط اعتراضاً على مذكرتي تفاهم وقعتها الحكومة التركية مع حكومة "الوفاق" بطرابلس المعترف بها دولياً، بشأن اتفاق أمني وبحري بينهما.

وكان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" فايز السراج، وقّع، الأربعاء الماضي، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مذكرتي تفاهم، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، والثانية حول تحديد مناطق النفوذ البحرية.

وبعد الاعتراض المصري واليوناني، وتصريحات فرنسية مشابهة، أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، الأحد، أنّ بلاده ستطلب الدعم من حلف شمال الأطلسي "ناتو"، خلال قمته المقررة، هذا الأسبوع، في لندن، على خلفية الاتفاق التركي مع حكومة "الوفاق".

أما محلياً، ورغم عدم صدور أي موقف رسمي من قبل حكومة "الوفاق"، إلا أنّ مجلس النواب المنعقد بطبرق شرق ليبيا والموالي للواء المتقاعد خليفة حفتر، بادر للإعلان عن رفضه لمذكرتي التفاهم، منذ الخميس الماضي، كما أعلن، اليوم الاثنين، أنه تواصل مع مجلس الأمن الدولي داعياً إلى وقف تنفيذ الاتفاق.

في المقابل، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي، أمس الأحد، أنّ تركيا وليبيا "لن تسمحا بفرض سياسة الأمر الواقع بعد الاتفاقية المشتركة بين البلدين"، وذلك رداً على تصريحات قادة في مصر واليونان.

وأكد أقصوي أنّ مذكرة التفاهم وقعت وفقاً للقانون الدولي، موضحاً أنّ بنود الاتفاق جرت وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، مشيراً إلى أنّ "الاتفاق يعني عدم سماح تركيا بفرض أمر واقع عليها".

وعلّق الباحث الليبي في الشؤون السياسية مروان ذويب، على هذه المواقف، بالقول لـ"العربي الجديد"، اليوم الإثنين، إنّه "كان جلياً أنّ واشنطن منذ اقترابها من الملف الليبي، على خلفية قلقها من التوغل الروسي، ستسعى للتصعيد وإرباك المشهد على خصومها، والتعاون التركي الليبي هو أحد تجلياته"، مرجّحاً أنّ "تداعيات رفض الاتفاق لن تتعدى التصريحات، ونفاذه بات أمراً محسوماً".

ويعتقد ذويب، أنّ "خطط واشنطن الحالية هي الضغط على حلفاء حفتر، سواء الحليف التركي أو مصر وغيرها من خارج ليبيا وليس داخلها"، مؤكداً أنّ "إثارة مسألة الحدود البحرية في المتوسط، أمر يتجاوز الملف الليبي ليتجه للتصعيد ضد روسيا التي اعتقدت أنّ وجودها في سورية يمكنها من الوصول إلى منابع الغاز في المتوسط"، لافتاً إلى أنّ "منابع الغاز هدف استراتيجي لروسيا منذ بدء تدخلها في سورية".

وأشار ذويب إلى "الصمت الأوروبي والأميركي حيال الغضب المصري اليوناني"، معتبراً أنّ "محاولة فرنسا فرض رأيها في الأثناء، ليست سوى دليل على رضى ضمني دولي على هذا الغضب، وأنّ واشنطن تقف وراء التوتر الجديد".


وعن تأثير الخلافات المتصاعدة بشأن اتفاق تركيا مع حكومة "الوفاق"، على مساعي عقد قمة برلين بشأن ليبيا، رأى الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق، أنّ "آثار الخلاف ستكون مباشرة" على القمة المرتقبة، مرجحاً أن يتأخر تحديد موعد عقد القمة إلى مطلع العام المقبل.

وأوضح البرق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "مصر وفرنسا وروسيا أطراف رئيسية في مشاورات الإعداد للقمة في برلين، وسوف يكون الانخراط التركي في ليبيا لدعم جبهة حكومة الوفاق تأثير على مواقفها". وتابع: "بل سيربك الاتفاق ما توصلت إليه جلسات المشاورات الأربع الماضية في برلين، لكن إلى الآن يبدو أن سياسة واشنطن تجري في اتجاه إرغام حفتر على وقف حربه على طرابلس، وقبول التفاوض مع خصومه في ليبيا".

ورجّح البرق أنّ "خيبة الأمل التي ستصاب بها ألمانيا سترتفع في حال دخول الاتفاقين حيز التنفيذ"، مذكّراً بأنّ "قادة قوات حكومة الوفاق أشاروا إلى قرب وصول دعم عسكري تركي إلى ليبيا"، مستشهداً في هذا السياق بما كتبه فرج خليل آمر سلاح المدفعية بقوات حكومة "الوفاق"، على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، عن "قرب وصول شحنة أسلحة ومعدات عسكرية وطائرات مسيرة الى طرابلس".

وكان خليل قد أكد أنّ قوات الحكومة "ستملك المبادرة من جديد بوصول دعم نوعي"، كاشفاً عن "رجوع الطيران الحربي والمسير بكثافة لساحة المعركة قريباً".

وعلّق البرق بالقول "من الواضح أنّ جبهات القتال تنتظر تصعيداً جديداً سيقلب الكثير من الموازين، وإذا أضفنا حديث هذا القيادي لحديث المتحدث باسم حفتر عن أنّ الحل سيكون عبر البندقية، وقوله إنّ ما سيخرج عن برلين سيبقى في برلين، يعني أنّ القمة تواجه الفشل منذ الآن".

ورأى البرق أنّ "المشهد المقبل قد يحمل سيناريوهين؛ الأول أنّ الساحة على وشك اندلاع حرب بالوكالة بشكل أكثر ضراوة، فالتعاون التركي مع حكومة الوفاق سيكون معلناً لوقوفه على أساس شرعي، والدول التي تدعم حفتر وترى فيه حارساً لمصالحها ستدعمه بقوة أيضاً"، أما السيناريو الثاني، بحسب البرق فهو "وصول تلك الدول إلى قناعة  بخسارة الرهان على السيطرة العسكرية كسبيل لحصولها على مواقع نفوذ، خصوصاً أنّ من يدعم الحكومة دولة لها ثقلها العسكري، وعضو هام بحلف شمال الأطلسي، وبالتالي فستكون هناك عودة تدريجية للحل السياسي، لكن وفق شروط ورؤية جديدة بكل تأكيد".