غليان جراء تصعيد إدلب: تركيا مطالبة بالضغط لإيقاف الجرائم

20 ديسمبر 2019
أمطر النظام وروسيا الأحياء السكنية بالصواريخ(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

يستمر تصعيد سلاح الجو الروسي، وذاك التابع لقوات النظام السوري، على مدن وبلدات الريف الجنوبي والشرقي من إدلب، ولا سيما مدينة معرة النعمان ومحيطها، مستهدفاً إياها بعشرات الصواريخ الفراغية والموجهة، بالإضافة إلى البراميل المتفجرة التي تلقيها المروحيات، فضلاً عن عشرات القذائف والصواريخ التي أمطرت بها مدفعية النظام وراجماته المتمركزة قرب المنطقة الأحياء السكنية والقرى المأهولة بالسكان البعيدة عن خطوط التماس بين قوات المعارضة وقوات النظام ومليشيات مساندة لها، ولا سيما جنوبي شرق إدلب.

وشهد صباح أمس الخميس، قصفاً من المروحيات بالبراميل المتفجرة، طاول بلدات تلمنس وجرجناز والغدفة ومعرشمشة، بالتزامن مع قصف بالصواريخ الفراغية من قبل الطيران الحربي الروسي على بلدة تل مرديخ شرق إدلب. وشمل القصف، خلال الـ 48 ساعة الماضية، نحو 30 نقطة، بين مدينة سراقب وبلدات جرجناز وتلمنس والغدفة ومعرشورين ومعرشمارين والهلبة ومعصران ومعرشمشة ومرديخ والحراكي والبرسة وأبو مكي وتل الشيح والبرسة في ريف إدلب الشرقي، ومدينة معرة النعمان وبلدات حيش وكفرومة وخان السبل والتح وبابيلا وبالس بريف إدلب الجنوبي، بالإضافة إلى استهداف مدينة جسر الشغور وبلدتي بداما والناجية بريف إدلب الشمالي الغربي.

وأعلن الدفاع المدني، في بيان أول من أمس الأربعاء، حول مجريات الأحداث والوضع الإنساني في إدلب، أن "المحافظة تتعرض لموجة قصف عنيفة جداً، تتركز على مدينة معرة النعمان والقرى والبلدات المحيطة بها بشكل رئيسي، حيث سبّب القصف تهجير الآلاف، فيما أدت الغارات الجوية التي نفذها طيران النظام السوري والطائرات الحربية الروسية إلى مقتل العشرات خلال أقل من عشرة أيام". وحذّر من "كارثة إنسانية تهدد حياة أكثر من مائة ألف مدني يعيشون في هذه المنطقة، بسبب استمرار القصف ومحاصرة الطائرات الحربية لهم، واستهداف آلياتهم عند محاولة الهرب من الموت". وأضاف: "وثقت فرقنا مقتل 24 شخصاً الثلاثاء، قضى 18 منهم في منطقة معرة النعمان، فيما انتُشلَت 5 جثامين لمدنيين قضوا جراء الغارات والقصف المدفعي الذي استهدف منازلهم وبناهم التحتية". واعتبر أن هدف روسيا والنظام السوري من هذه الحملة "تهجير ما بقي من السكان، وقتل أكبر عدد منهم، حيث استُهدف مركز للدفاع المدني السوري، ومركز إسعافي، وأسواق شعبية، بالإضافة إلى استهداف مبنى شركة الكهرباء في مدينة معرة النعمان".

ويركز الطيران الحربي قصفه على الطرق التي يسلكها النازحون نحو الشمال، ولا سيما الطريق الدولي "إم 5" الذي يمرّ في معرة النعمان وسراقب، إلا أن أعداد النازحين لا تزال في تزايد مستمر مع تصاعد الحملة. وأشار فريق "منسقو الاستجابة" إلى أن أعداد النازحين من جنوب إدلب بلغ خلال 24 ساعة فقط 11,714 نسمة، ليرتفع عدد النازحين بين الأول من نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 17 الشهر الحالي إلى 109408 نازح، معظمهم يقيمون في العراء وبين أشجار الزيتون، وسط ظروف جوية قاسية.



وتشهد الجبهات، ولا سيما في الريف الجنوبي الشرقي من إدلب هدوءاً نسبياً منذ عدة أيام، بعد معارك تقدمت فيها قوات النظام خلال الأسابيع الماضية على تلك المحاور، وسيطرت على عدد من النقاط، ما يجعل هذا التصعيد الجوي على المناطق المأهولة أمراً غير مفهوم من قبل الأهالي، الذين لم يعد باستطاعتهم إحصاء الطلعات الجوية. فقد اعتادوا من النظام تكثيف القصف بالتزامن مع شدة المعارك أو الخسائر التي يتلقاها، أما في الأيام الأخيرة، فقد زادت حدة القصف مع توقف المعارك أو هدوئها على الأقل، ما يؤكد المعلومات الواردة من الجولة الأخيرة من مباحثات أستانة، بوجود خلاف تركي – روسي حول إدلب، ولا سيما الملف المتعلق بإخراج "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) منها، الذي تلقيه موسكو على عاتق أنقرة.

بالتزامن مع ذلك، دعا ناشطون ومراصد في محافظة إدلب، الأهالي من أنحاء المحافظة كافة والمهجرين إليها، إلى الاعتصام في ساحة معبر باب الهوى الحدودي، اليوم الجمعة، لمطالبة الضامن التركي بالوقوف عند مسؤولياته والضغط على روسيا لإيقاف جرائمها بحقهم. وذكرت المراصد، في تسجيلات صوتية بثتها للأهالي، أن "عليهم مواصلة كفاحهم السلمي لإيقاف الحملة الشرسة التي يشنها النظام والروس عليهم"، وأن "إدلب تتعرض لحرب إبادة ويجب على الجميع التكاتف لإيقافها".

وقال الناشط أبو بحر، الذي يدير أحد المراصد جنوب إدلب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الهدف من الدعوة لهذا الاعتصام، مناشدة الحكومة التركية باعتبارها ضامنة للمعارضة في المسارات السياسية والاتفاقيات التي تخصّ إدلب، بأن تُفعل دورها بشكل أكبر من خلال نقاط المراقبة التي تنشرها في إدلب ومحيطها، بالإضافة إلى التحرك الدبلوماسي للضغط على روسيا لإيقاف الجرائم المستمرة بحق المدنيين". وتوقع أن "يأتي الاعتصام بنتيجة إيجابية لمصلحة المدنيين، ولا سيما أن نقاط المراقبة التركية في إدلب لا تزال مكانها، والقصف يحصل على مرأى منها. وعلى ذلك، لا بد للقيادة التركية أن تنظر بعين الضامن لمسؤولياتها حيال المنطقة وأهلها، الذين أصبح معظمهم مشردين في العراء". وطالب أبو بحر اللاجئين السوريين في أنحاء العالم كافة تنظيم اعتصامات ووقفات احتجاجية لتنبيه العالم إلى الجرائم التي ترتكبها روسيا في إدلب، في محاولة لاستنهاض المجتمع الدولي للتحرك، ووضع حد للهمجية الروسية.

ومن المتوقع أن يحتشد مئات السوريين، ولا سيما من سكان المخيمات الحدودية القريبة من معبر باب الهوى في ساحته، اليوم الجمعة، للمطالبة بوقف التصعيد على مدنهم وقراهم. وشهدت نهاية أغسطس/ آب 2018 تحركاً مماثلاً لأهالي إدلب، الذين توجهوا بالعشرات إلى منطقة باب الهوى في تظاهرة ضخمة، لتخرج حينها وزارة الدفاع الروسية، وقبل أن تنفض التظاهرة، وتعلن وقفاً لإطلاق النار، إلا أنه لم يطبق على أرض الواقع بسبب المراوغة الروسية.

وحذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تدفق جديد للاجئين السوريين إلى تركيا. وقال، خلال كلمته في افتتاح القمة الإسلامية المصغرة التي تستضيفها العاصمة الماليزية كوالالمبور أمس الخميس: "انظروا، 50 ألف شخص يتدفقون مجدداً على أراضينا قادمين من إدلب، بينما يوجد لدينا 4 ملايين لاجئ. وكرر انتقاده لرفض خطته إقامة "منطقة آمنة" في سورية. وقال: "عند الحديث عن تأسيس منطقة آمنة شمالي سورية، لا تقدم البلدان الغربية أي دعم، ولكن عندما يتعلق الأمر بالأسلحة فإنهم يرسلونها إلى المنظمات الإرهابية. وحينما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب يقولون: ينبغي لنا محاربته". وعلى الدوام، تلوّح تركيا بورقة فتح طريق الهجرة أمام اللاجئين فيها أو الفارين من نيران الحرب في إدلب وغيرها نحو أوروبا، وذلك بهدف الضغط على الأوروبيين ليضغطوا بدورهم على روسيا لثنيها عن تنفيذ عملية عسكرية واسعة في إدلب، دائماً ما تهدد بها موسكو سواء عبر مسؤوليها أو شخصيات من النظام السوري. ويقطن في إدلب نحو 4 ملايين سوري، أكثر من ثلثهم من المهجرين إليها من محافظات أخرى، ولا سيما دمشق وحلب وحمص ودرعا، الذين أجبرتهم الاتفاقيات والتفاهمات، التي خططت روسيا لها وأشرفت على تنفيذها، على ترك مدنهم ومنازلهم والاتجاه نحو إدلب.