اشتعال معارك إدلب: الفصائل تنتقل من الدفاع إلى الهجوم

02 ديسمبر 2019
عملية النظام بإدلب محفوفة بالمخاطر (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

لم تنتظر فصائل المعارضة السورية طويلاً هذه المرة، قبل أن تبادر إلى الهجوم على قوات النظام والمليشيات المساندة له في الشمال الغربي من سورية، في محاولةٍ للحد من تقدمها إلى عمق محافظة إدلب، ما يشكّل خطراً وجودياً داهماً على الفصائل التي خسرت كثيراً من مواقعها، عندما اكتفت بالدفاع. ويترافق التصعيد في محافظة إدلب مع انسداد الأفق السياسي في ما يخصّ الملف السوري، لجهة اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، والذي يعود إلى رفض النظام تسهيل مهمة الأمم المتحدة لتحقيق أي تقدم، كما يؤكد اتساع هوة الخلاف التركي - الروسي حول ملفات عدة في شمال غربي سورية وشمال شرقها، وعجز الطرفين عن ردمها بتفاهمات جديدة.

ولا تزال المعارك مستعرة على محاور قتال عدة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، بين فصائل المعارضة السورية من جهة، وقوات النظام والمليشيات المساندة له من جهة أخرى، والتي نفّذت ليل السبت – الأحد هجوماً معاكساً بغطاءٍ جوي روسي مكثف، بهدف استعادة مناطق كانت خسرتها نهار السبت. وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن معارك كرٍّ وفر دارت الأحد في ريف إدلب الشرقي بين قوات المعارضة وقوات النظام، مشيرة إلى استعادة الأخيرة بعض المواقع نتيجة القصف الجوي المكثف، من دون أن تتضح خريطة السيطرة النهائية بعد بسبب استمرار المعارك.

وانتقلت فصائل المعارضة، أول من أمس السبت، من استراتيجية الدفاع إلى الهجوم، مطلقة معركة "ولا تهنوا"، لتُبعد قوات النظام عن قرى إعجاز وسروج واسطبلات ورسم الورد في ريف إدلب الشرقي، كما صدّت نحو ثماني محاولات تقدم من قبل قوات النظام خلال اليومين الماضيين.

وتحدثت "الجبهة الوطنية للتحرير"، وهي أكبر تجمع عسكري لفصائل المعارضة شمال غربي سورية، عن صدّها محاولات عدة من قبل قوات النظام على محور قرية إعجاز في ريف إدلب الشرقي، في محاولة من تلك القوات لاستعادة القرية من قبضة الفصائل، مشيرة في بيان أصدرته أمس الأحد، إلى أن محاولات النظام أسفرت عن سقوط عددٍ من القتلى والجرحى في صفوف قواته، وسط قصف جوي ومدفعي مكثف استهدف المنطقة. وفي السياق ذاته، أكدت مصادر في "الجبهة الوطنية للتحرير"، مقتل قائد غرفة عمليات قوات النظام في ريف إدلب، إيفان ديوب، أمس الأحد، جراء المعارك الدائرة على المحاور الشرقية والجنوبية لريف المحافظة مع فصائل المعارضة. كما أكد موقع "بلدي نيوز" الإخباري المعارض مقتل ديوب، الذي كان يحمل رتبة نقيب، ويتحدر من بلدة الشيخ بدر التابعة لمحافظة طرطوس، مشيراً إلى مقتل ضابطين آخرين خلال المعارك، الأول برتبة رائد، والثاني ملازم أول.

من جهته، أكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" مقتل ما لا يقل عن 12 من عناصر قوات النظام والمسلحين الموالين له، وسبعة مقاتلين من فصائل المعارضة، ليرتفع إلى 51 عدد الذين قتلوا للطرفين جراء القصف والمعارك العنيفة جنوب شرق إدلب في يومي السبت والأحد الماضيين. إلى ذلك، أوقف المجمع التربوي في مدينة معرة النعمان (31 كيلومتراً جنوب مدينة إدلب)، أمس، الدوام في المدارس التابعة له، بسبب هجمات قوات النظام وقصفها المستمر على المحافظة.

ويؤكد هجوم المعارضة المفاجئ استشعارها الخطر من محاولة قوات النظام تكرار سيناريو "دبيب النمل" الذي سبق أن استخدمته، وأدى إلى تمكنها من قضم كثير من مناطق المعارضة رويداً رويداً، وعلى مراحل، خصوصاً في ريفي إدلب وحماة، خلال الحملة العسكرية التي بدأت أواخر إبريل/ نيسان الماضي، وانتهت أواخر أغسطس/ آب. وكانت قوات النظام قد تقدمت على حساب فصائل المعارضة السورية الأسبوع الماضي، فسيطرت على قرى عدة في ريف إدلب الشمالي الشرقي، وباتت على بعد نحو 20 كيلومتراً من مدينة معرة النعمان، كبرى مدن ريف المحافظة الجنوبي.

من جهتها، حاولت وسائل إعلام النظام التقليل من شأن تقدم الفصائل، إذ أشارت إلى أن قوات النظام صدت محاولة تسلل من قبل مقاتلي "الجبهة الوطنية للتحرير"، باتجاه نقاط ارتكازها في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وكبّدت المهاجمين خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد العسكري. 

وزعمت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أن قوات الأخير كبّدت الفصائل خسائر بشرية كبيرة تجاوزت 30 قتيلاً، وضعفهم من الجرحى، عدا عن تدمير دبابتين وخمس ناقلات جند ومرابض مدفعية، وذلك بعد اشتباكات ضارية استمرت حتى مساء أول من أمس السبت. كذلك زعمت أن فصائل المعارضة السورية "عجزت عن تغيير خريطة السيطرة لصالحها"، معتبرةً أن المعركة التي بدأتها هذه الفصائل "تستهدف تقوية موقف داعمهم التركي في مفاوضاته مع الضامن الروسي لاتفاق سوتشي الخاص بمناطق شرق الفرات". ونقلت "الوطن" عن مصدر عسكري في قوات النظام قوله إن "سلاح الجو المشترك السوري - الروسي أدّى دوراً مميزاً في صد الهجوم المعاكس على نقاط تمركز الجيش السوري، والذي استخدمت فيه الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وألحق خسائر كبيرة في صفوف المهاجمين، في وقت استهدف فيه تحصيناتهم وخطوط إمدادهم الخلفية في الريف الجنوبي الشرقي بإدلب وريفها الجنوبي". كذلك نقلت عن "خبراء عسكريين" تعليقهم أن قوات النظام "وبدعم من القوات الجوية الروسية، وضعت نصب عينيها الوصول إلى الطريق الدولية حلب - حماة، سواء عن طريق استعادة مدينة معرة النعمان، أو على المنطقة التي تفصلها عن بلدة حيش، شمال خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، قبل أن تواصل مدّ نفوذها صوب مدينة سراقب وصولاً إلى بلدة الزربة فمشارف مدينة حلب". وبات من الجلي أن استعادة السيطرة على الطريقين الدوليين "إم 4" و"إم 5"، اللذين يصلان حلب، كبرى مدن الشمال السوري، بوسط البلاد وساحلها، يشكل الهدف الأول لقوات النظام التي كانت تأمل استعادتهما سلماً من خلال التفاهمات التركية - الروسية في سوتشي أواخر 2018، والتي أكد عليها الطرفان في أغسطس/ آب الماضي، خلال قمة جمعت الرئيسين الروسي والتركي، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، في موسكو.

وتبدو محاولة النظام التوغل في عمق محافظة إدلب محفوفةً بالمخاطر، في ظل إصرار فصائل المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" على الدفاع عن هذه المحافظة المكتظة بالسكان. وجاء الفشل المتكرر من قبل قوات النظام في السيطرة على تلة الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي، ليزيد من عجز هذه القوات عن إحداث اختراقات مهمة تغيّر خارطة السيطرة في المحافظة، معقل المعارضة الأبرز في سورية.

وتشي مبادرة فصائل المعارضة إلى الهجوم على قوات النظام، التي تجاوزت التهدئة الروسية المعلنة أواخر أغسطس/ آب الماضي، بأن إدلب تنتظر شتاءً ساخناً. كما دفع انسداد الأفق السياسي، بعد فشل الاجتماع الثاني من أعمال اللجنة الدستورية في جنيف، الصراع إلى هذا المستوى من التصعيد العسكري، والذي من المتوقع أن يمتد إلى محاور قتال أخرى في ريف المحافظة وريف اللاذقية الشمالي. كما أن اتساع هوة الخلاف بين الروس والأتراك حول ملفات عدة في شمال غربي سورية، وفي شمال شرقها، يؤدي دوراً في تسعير القتال في إدلب ومحيطها، حيث من الواضح انخراط الطيران الروسي في المعارك ووضع موسكو التهدئة الهشة خلف ظهرها، لحين حدوث انفراجات في ملفات عالقة لم يفض تفاوضها مع أنقرة حولها إلى أي نتيجة. وتختار موسكو إدلب ومحيطها دائماً ميدان تصعيد عسكري وتوجيه الرسائل السياسية، بحجة وجود "هيئة تحرير الشام"، ما يتيح استخدام الطيران الحربي، وتوفير غطاء ناري لقوات النظام تحت ذريعة محاربة الإرهاب.

ومن الواضح أن الاتفاقات الروسية - التركية المبرمة في منتجع سوتشي، سواءً تلك التي تخص محافظة إدلب ومحيطها، والموقعة في سبتمبر/ أيلول 2018، أو اتفاقات شرقي نهر الفرات المبرمة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تواجه تحديات ربما تفضي الى انهيارها.

ولا يزال الروس يصرّون على عودة قوات النظام إلى مجمل الجغرافيا السورية، وتفكيك "تحرير الشام" وتنظيمات تدور في فلكها، في حين أن المقاربة التركية مختلفة، في ظل وجود نحو أربعة ملايين مدني في محافظة إدلب، هم بمثابة قنبلة بشرية ستكون تركيا أول المتضررين من انفجارها.



المساهمون