لا يكفّ النظام المصري عن التنكيل بكل من له علاقة من قريب أو من بعيد بثورة 25 يناير 2011 ومن شارك فيها. قد يفهم النشطاء السياسيون والحقوقيون ضريبة هذا الاختيار والنهج الذي اتبعوه منذ الثورة أو ما قبلها، لكن من غير المفهوم التنكيل بهم بشكل غير مباشر، إذ إن أحد أساليب النظام هو القبض على أشقائهم في مصر، حتى هؤلاء الذين لم يسلكوا طريقاً للسياسة في أي وقت. لكن الأسوأ من التنكيل بأشقاء المعارضين، هو نسيانهم في غياهب السجون، إما لعدم شهرتهم بالقدر الذي يفرض أسماءهم على بيانات وتقارير المنظمات الحقوقية والمناشدات الدولية للإفراج عن المعتقلين، وإما باعتماد منطق الصمت في سبيل الفرج.
حازم غنيم
حازم غنيم، شقيق الناشط وائل غنيم، فقد أُلقي القبض عليه من منزله في 19 سبتمبر/أيلول الماضي، وتم اقتياده إلى مقر الأمن الوطني وخضوعه لاستجواب غير قانوني وهو معصوب العينين. بعدها ظهر في النيابة على ذمة القضية رقم 1338 لسنة 2019، بعد استجوابات الأمن الوطني وتحقيقات النيابة، التي دارت في الأساس حول شقيقه ونشأته ونشاطه وعمله وسفره والفيديوهات التي يبثها أخيراً. ووجّهت النيابة أربعة اتهامات لغنيم هي "المشاركة في تحرك يضم جماعة الإخوان وعناصر إثارية بغرض القيام بأعمال عدائية"، و"مشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها"، و"استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بغرض ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون"، و"نشر وإذاعة أخبار كاذبة بغرض تكدير السلم العام وبث الفتنة".
حازم غنيم، طبيب أسنان، وغير ناشط سياسياً، لكنه في الفترة الأخيرة حرص على إعادة نشر ما ينشره شقيقه على مواقع التواصل الاجتماعي. وقبل القبض عليه بأيام، كان شقيقه وائل غنيم القاطن في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، قد نشر صورة أربكت متابعيه، لحقها مقطع فيديو وهو حليق الرأس والحواجب، ونصف عارٍ، ويكيل الشتائم والسباب للمقاول محمد علي، ويطالب المخابرات الحربية والمخابرات العامة المصرية بالاتصال به. وظل وائل غنيم الذي يدّعي التطهّر من كل عقَد الذنب والتنميط المجتمعي والأيديولوجي والسياسي على هذه الوتيرة خلال الفيديوهات التي بثها حتى لحظة إعلان القبض على شقيقه، لكن هذه الوتيرة من السباب والهجوم هدأت لاحقاً.
في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، وهي منظمة مجتمع مدني، هيثم أبو خليل، أن قوات الأمن المصرية ألقت القبض على شقيقه، استشاري الطب النفسي، عمرو أبو خليل، من داخل عيادته، كما اقتحمت منزلي والدته وشقيقته، في محاولة جديدة للضغط عليه. ونشر هيثم أبو خليل، عبر حسابه على "فيسبوك"، بلاغاً للرأي العام، كتب فيه "تم اختطاف شقيقي الأكبر الدكتور عمرو أبو خليل بعد اقتحام عيادته وتفتيشها ومصادرة متعلقاته الشخصية، واقتحام منزل والدتي الحاجة فادية زغلول (76 عاماً) حفيدة سعد باشا زغلول، وكسر باب الشقة عليها وسرقة جميع الأموال والهواتف والكمبيوترات وجوازات السفر وبطاقات الرقم القومي والأوراق الخاصة بها وبشقيقي، والذهاب إلى شقة شقيقتي الكبرى الدكتورة ديانا أبو خليل وتفتيش شقتها وقلبها رأساً على عقب".
وأكد أبو خليل، أن ما حدث "جريمة كاملة تتشابه كثيراً مع جرائم الفاشية في عهود سابقة دفع العالم كله ثمنها كثيراً، ومنها التنكيل بالعائلات من أجل إخراس أصوات أبنائهم المعارضين للحكم الفاشي الدموي الهمجي، وأن سبب ما حدث هو انتقام غير مبرر من نجل (الرئيس عبد الفتاح) السيسي، محمود السيسي، عبر نشر صورته وصور العائلة الحاكمة لمصر، من دون أن يفزعه أو يغضبه نشري لجرائم والده ولا جرائمه هو في سيناء، التي أعمل عليها منذ أكثر من 6 سنوات؛ ولكن أغضبه نشر صور العائلة حتى لا يعرف الشعب من اختطف بلده ومن جوّعه وأذلّه وهم يرفلون في النعيم". وأُدرج عمرو أبو خليل على ذمة القضية رقم 1118، المعروفة إعلامياً بـ"إحياء تنظيم الإخوان المسلمين"، ومسجون حالياً في سجن العقرب.
عائلة حسام الشوربجي
فجر يوم 11 سبتمبر 2018، اعتدت قوات الأمن على عائلة الإعلامي حسام الشوربجي، في مدينة العريش، وقامت بطرد العائلة من المنزل قبل إشعال النيران فيه. وكتب الشوربجي، في حسابه على "فيسبوك"، أن "قوات الجيش والشرطة ارتكبت جريمة جديدة في حق عائلتي المقيمة بمدينة العريش - شمال سيناء، وتم الاعتداء بالضرب والسب على نساء وعلى أبناء إخوتي وعلى والدتي البالغة من العمر 60 عاماً. ثم أحرقوا العمارة التي تسكن فيها أسرتي بكامل محتوياتها. خمسة طوابق أحرقها الظالمون من دون سبب، وأجبروا أمي وإخوتي وزوجة أخي وأطفالهم على مشاهدة ذكريات العمر وهي تحترق أمام أعينهم".
عماد المرزوقي
في 11 سبتمبر 2015، أقدمت قوات الجيش في سيناء على تصفية شقيق الناشط السيناوي عيد المرزوقي، الذي كان معتقلاً في سجن العزولي قبل أن تبلّغ أسرته لاستلام جثته.
مصطفى ماهر
في 15 مايو/أيار الماضي، أعلنت حركة شباب 6 إبريل، عبر حسابها الرسمي على "فيسبوك"، القبض على مصطفى ماهر، شقيق الناشط السياسي ومؤسس الحركة، أحمد ماهر، من منزله قبل المغرب، من منطقة التجمع الثالث شرقي القاهرة. وحسب الحركة، فقد توجه أحمد ماهر، إلى قسم الشرطة الذي يقضي فيه مراقبته الشرطية لمدة ثلاث سنوات، للسؤال عن شقيقه بصحبة محامين، إلا أن قسم الشرطة أنكر وجوده. أحمد ماهر كان قد سُجن لمدة ثلاث سنوات، بموجب قانون التظاهر المصري، وأُخلي سبيله بتدابير احترازية لمدة 3 سنوات في القضية رقم 473 لسنة 2014، حصر تحقيق نيابة أمن الدولة العليا. أما شقيقه فليس له أية انتماءات سياسية حالياً، كونه تخلّى عن أي نشاط سياسي منذ فترة طويلة. ولا يزال حتى اليوم يتم تجديد حبس مصطفى ماهر، 45 يوماً كل فترة على ذمة القضية رقم 741 لسنة 2019، التي يواجه فيها اتهامات بمشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر أخبار كاذبة.
علاء عبد الفتاح
الناشط البارز علاء عبد الفتاح هو كبش الفداء الأول للنظام كلما أراد التنكيل بأسرة المحامي الراحل أحمد سيف الإسلام. فعلاء عبد الفتاح الذي ألقي القبض عليه يوم 29 سبتمبر الماضي، خلال أحدث حملة قمع تشنُّها السلطات، يخضع للمراقبة الشرطية في قسم شرطة الدقي التي يمضي فيها وقته يومياً بين السادسة مساءً والسادسة صباحاً، دافعاً الثمن عن نشاطه السياسي وعن النشاط السياسي لشقيقته منى سيف ووالدته ليلى سويف.
وعلى الرغم من أن المراقبة الشرطية التي يخضع لها علاء تنكيل في حد ذاتها، إلا أن النظام لم يكتف بها، فأدرجه على ذمة القضية رقم 1356 لسنة 2019 أمن دولة، مع محاميه الحقوقي محمد الباقر، ثم إيداعهما في سجن طرة 2 شديد الحراسة، وهو سجن سيئ السمعة في مصر، ويُعرف أيضاً باسم "سجن العقرب 2". هناك تعرّض عبد الفتاح لعصب العينين وتجريده من ملابسه، على أيدي ضباط السجن الذين انهالوا عليه ضرباً وركلاً مرات عدة، كما وجّهوا له تهديدات وشتائم. وقال له أحد ضباط الشرطة إن "السجن صُنع لأمثالك"، وأضاف أنه سيبقى في السجن بقية عمره. كما هدده أحد ضباط قطاع الأمن الوطني بأنه سيتعرض لمزيد من التعذيب إذا ما أبلغ عن الإيذاء الذي لاقاه. وتعرّض الباقر لتنكيل مشابه.
الناشط السياسي حسن البنا، الذي يعاني حالياً من تدهور حاد في حالته الصحية، حسبما أعلن شقيقه الناشط، عبد الرحمن فارس، يدفع أيضاً ثمن نشاطه السياسي وعن كون شقيقه وجهاً بارزاً لشباب ثورة يناير. البنا، كان صحافياً ومتدرباً في جريدة "الشروق" المصرية، وقد أُلقي القبض عليه مع صديقه مصطفى الأعصر، في فبراير/شباط 2018، واختفيا قسراً لمدة 13 يوماً، قبل أن يظهرا على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018، المعروفة إعلامياً بـ"الثقب الأسود الذي يبتلع الصحافيين والحقوقيين"، التي تضمّ عدداً كبيراً من الصحافيين بتهمة الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون ونشر أخبار كاذبة أبرزهم: عادل صبري، ومعتز ودنان، وعبد الرحمن الأنصاري، ومحمد أبو زيد، وإسلام جمعة، ولم يتم إحالتهم للمحاكمة.
ممارسات النظام المصري تلك، سبق أن دانتها العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وكان آخرها إدانة المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تنفيذ السلطات المصرية حملة الاعتقال، وتعريض أقارب الإعلامي المصري معتز مطر للاختفاء القسري، بعد القبض على 9 منهم. واعتبرت المنظمة هذه الممارسات "إحدى صور إرهاب الدولة، ونوعاً من أنواع العقاب الجماعي للمعارضين، وأحد أبرز الأدلة على انهيار منظومة العدالة المصرية". ووصف محامون حقوقيون مصريون، هذه الممارسات بـ"المكايدة السياسية أو الابتزاز السياسي"، واعتبروها نتاجاً طبيعياً لغياب دولة القانون. واعتبر مراقبون قانونيون أن هذه الممارسات تتم تحت مظلة، إدراج جماعة "الإخوان المسلمين" على قوائم الإرهاب، في ديسمبر/كانون الأول 2013، ما مكّنها من التنكيل بالمعارضين بتهم مطاطة بموجب قانوني الإرهاب والطوارئ. إذ ينص القانون المصري على أنه "لا عقوبة إلا بنص".