جو بايدن... ظل أوباما وابن المؤسسة الحاكمة

28 نوفمبر 2019
بايدن هو التهديد الانتخابي الأكبر لترامب (Getty)
+ الخط -
إذا اختار الحزب الديمقراطي نائب الرئيس الأسبق جو بايدن مرشحاً للانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل، فهذا يعني عودة إلى الماضي أو الحنين إليه بدل المغامرة بمرشح جديد يرسم مشروع الليبراليين في مرحلة ما بعد الرئيس السابق باراك أوباما. بايدن (77 عاماً)، يختصر الانفصام بين نسختين أو جيلين من الحالة الليبرالية، جيل عقلية الحزب الديمقراطي المنغلقة عشية حركة الحقوق المدنية ومناهضة حرب فيتنام، وجيل انتخاب أول رئيس أسود ومعارضة حرب العراق.

أكبر تحدٍ أمام حملة نائب الرئيس الأسبق هو المرشح نفسه، أي ميل بايدن المتكرر إلى التعثر والهفوات حينما يخرج عن النص في حوار مع الإعلام أو المناصرين أو مع متبرعين لحملته وراء أبواب مغلقة. دخل بايدن الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي وهو متصدّر السباق، لا يحتاج سوى تقطيع الوقت حتى يصل إلى خط النهاية، لكن الهجوم المتتالي عليه من منافسيه وتعثرات حملته فتحت الطريق أمام مرشحَي التيار اليساري: إليزابيث وارن وبيرني ساندرز. استمرار انقسام التيار اليساري يعطي أفضلية لبايدن في الوقت الراهن، لكن في حال انسحب أي من وارن أو ساندرز في مرحلة معينة، فقد ينعكس التفاف اليسار حول مرشح واحد سلباً على حملة نائب الرئيس الأسبق.

بايدن هو ابن المؤسسة الحاكمة المدلل، تدرج من 36 عاماً في أروقة مجلس الشيوخ، إلى ثماني سنوات في قاعات صنع القرار داخل البيت الأبيض كنائب للرئيس. عاش حياته في ظل مآسٍ عائلية، إذ خسر زوجته الأولى وابنته بعد أسابيع من انتخابه في مجلس الشيوخ عام 1972، كما خسر ابنه بو بعد صراع مع المرض عام 2015، وكان ذلك من أسباب عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2016.

وصل بايدن إلى مجلس الشيوخ في حملة تحت شعار الاعتراض على حرب فيتنام ليصبح سادس أصغر عضو في تاريخ مجلس الشيوخ، وتدرج ليصبح رئيس لجنة العلاقات الخارجية، هذا المنصب البارز في المنظومة الأميركية الذي سمح له بنسج علاقة مع باراك أوباما حين وصل إلى مجلس الشيوخ عام 2005. عارض بايدن حرب الخليج الأولى عام 1991 لكنه كان مؤيداً لتدخّل الحلف الأطلسي العسكري في الحرب البوسنية عامي 1994 - 1995. كما صوّت لصالح إعطاء تفويض للرئيس الأسبق جورج بوش الابن لغزو العراق عام 2003 وهذه مشكلة لكل مرشح رئاسي ديمقراطي، لا سيما في ظل تعاظم نفوذ القاعدة اليسارية ونظراً لما انتهى إليه إرث بوش الابن في العراق.


بالنسبة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن بايدن هو التهديد الانتخابي الأبرز، لأنه الأكثر خبرة بين منافسيه الديمقراطيين المحتملين، ووحده يمكنه أن يقول في المناظرة الرئاسية إن لديه تجربة في البيت الأبيض. كما يمثّل بايدن التيار الوسطي في الحزب الديمقراطي وقادر في الانتخابات العامة على استقطاب المستقلين والعمال، وبالتالي منافسة ترامب في الولايات المتأرجحة انتخابياً في الوسط الغربي التي يراهن عليها الرئيس الحالي لتجديد ولايته.

هذا الهاجس لترامب دفعه إلى التورط في "أوكرانيا غيت" بحثاً عن أدلة تورط ابن بايدن، هانتر، في فضيحة سياسية تساعد على هزيمة نائب الرئيس الأسبق. لكن هذه فضيحة تسلط الضوء أيضاً على انشطة نجل بايدن التجارية في بلدان مثل اوكرانيا والصين مستفيداً من منصب والده كنائب الرئيس. كما تقاطع ترامب مع بايدن مرة أخرى حين وصفت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية بايدن بأنه "كلب مسعور يجب ضربه حتى الموت بالعصا". وبدل الدفاع عن مسؤول أميركي سابق تعرض لهجوم من هذا النوع من إعلام رسمي أجنبي، اكتفى ترامب بتغريدة توجّه فيها للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون: "جو بايدن قد يكون نعساناً وبطيئاً جداً، لكنه ليس كلباً مسعوراً، هو في الواقع أفضل إلى حد ما من ذلك".



بايدن لا يزال يتصدر استطلاعات الرأي في الانتخابات التمهيدية عند الديمقراطيين بفارق سبع نقاط عن منافسته إليزابيث وارن، لكن الطريق أمامه لن يكون سهلاً مع بدء الاقتراع في شهر فبراير/ شباط المقبل. بايدن يتصدر استطلاعات الرأي في نيفادا وكارولينا الجنوبية وتكساس، وهي ولايات حاسمة بالنسبة للديمقراطيين لكن في الانتخابات العامة، في المقابل يحل ثانياً بعد وارن في نيوهامبشير وكاليفورنيا وماساشوستس، أي الولايات الليبرالية الحاسمة لكن في الانتخابات التمهيدية. والتحدي الآخر بالنسبة إلى بايدن هو الدعم المحدود له نسبياً من الجيل الشاب من الليبراليين الذي يميل إلى مرشحي التيار اليساري وارن وساندرز. هذا التباعد مع الجيل الشاب يتمحور حول العديد من القضايا التي تعكس التغير في تعريف الليبرالية بين جيلين في الحزب الديمقراطي، وهذا كان واضحاً عندما أعلن بايدن أخيراً أنه ضد شرعنة الماريجوانا كي لا تصبح "بوابة للمخدرات"، فيما 67 في المائة من الأميركيين يؤيدون هذه الخطوة، بحسب استطلاع "بيو للأبحاث"، لا سيما الجيل الشاب منهم.

حصل بايدن أخيراً على دعم غير مباشر لخطابه الوسطي من أوباما الذي دعا مرشحي التيار اليساري إلى اعتماد الواقعية في برامجهم وطروحاتهم لضمان الفوز في الانتخابات العامة، في وقت هناك صعود في نجومية مرشح وسطي آخر هو العمدة بيت بودجيج ومع دخول مرشح وسطي آخر إلى السباق هو حاكم ماساشوستس الأسبق ديفال باتريك. إذا تمكن بايدن من عبور الانتخابات التمهيدية بأقل ضرر ممكن، يحتاج إلى التفاف التيار اليساري حوله ليضمن الفوز في الانتخابات العامة ضد ترامب، وهذه المعضلة الأكبر لترشيحه الرئاسي كي لا يكرر تجربة هيلاري كلينتون عام 2016.