وقال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، خلال اجتماع الحكومة اليوم الأربعاء، إن بلاده تجاوزت الأحداث الأخيرة من خلال القول إن "الشعب الإيراني خرج منتصرا من اختبار تاريخي رغم المشاكل الاقتصادية" التي يعاني منها.
وأضاف الرئيس الإيراني أن بلاده شهدت "أحداث شغب منظمة ومبرمجة ومسلحة"، متهما من سماها بـ"الدول الرجعية" في المنطقة والصهيونية والولايات المتحدة الأميركية بالضلوع فيها "وفق مشروع مخطط له". وقال روحاني إن "مثيري الشغب كانوا قلة" في صفوف المحتجين على رفع أسعار البنزين.
وأضاف روحاني أن أهداف رفع أسعار البنزين هي "الاكتفاء الذاتي في توفير الطاقة من خلال الإنتاج الداخلي لعدم الحاجة إلى الأجانب"، و"تحقيق العدالة الاجتماعية" من خلال توزيع عوائد ارتفاع هذه الأسعار.
وأوضح روحاني أن هذه العوائد ستوزع بين 18 مليون أسرة إيرانية، يبلغ عدد أعضائها 60 مليونا، مشيرا إلى دفع دفعتين منها على شكل مساعدات نقدية لـ 13 مليون أسرة إيرانية خلال الأيام الأخيرة، على أن تدفع الدفعة الأخيرة يوم السبت المقبل لـ 5 ملايين أسرة متبقية.
يشار إلى أن الأسرة الإيرانية المكونة من شخص واحد ستتلقى شهريا مبلغا قدره 55 ألف تومان (سعر صرف كل دولار = 11500 تومان)، وسيزداد المبلغ مع عدد أفراد الأسرة ليصل إلى 205 ألف تومان لأسرة مكونة من 5 أشخاص فصاعدا. علما بأنه إلى جانب هذا المبلغ الشهري يتلقى كل مواطن إيراني مبلغا شهريا آخر منذ عشر سنوات تقريبا، قدره 45 ألف تومان.
وحاول الفريق الاقتصادي للحكومة الإيرانية اليوم تطمين الشارع الإيراني من أن رفع أسعار البنزين "لن يتسبب في ارتفاع أسعار بقية السلع"، ليؤكد وزير الطاقة الإيراني، رضا أردكانيان، أن الوزارة "لن ترفع أسعار الكهرباء والماء حتى نهاية العام الحالي" الإيراني الذي سينتهي في العشرين من مارس 2020. وكشف أردكانيان عن قرض روسي لإيران بقيمة 5 مليارات دولار.
إلى ذلك، أفادت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" في تقرير عن أوضاع البلاد بأن "الهدوء عاد للمدن التي شهدت احتجاجات شعبية على رفع أسعار البنزين"، مشيرة إلى أن ذلك يعود إلى "فصل الشعب صفوفهم عن مثيري الشغب والوجود المكثف لقوات الأمن".
إلا أن الوكالة ذكرت أن مساء أمس الثلاثاء "كانت هناك تقارير عن وجود تجمعات إلا أنه بعد تدخل الشرطة لم تحدث مشكلة"، لافتة إلى عمليات اعتقال "لقادة أعمال الشغب" في المحافظات التي شهدت اضطرابات أمنية على مدى الأيام الماضية".
في الأثناء، تتواصل التصريحات والبيانات الإيرانية على التوالي بشأن التعامل بـ"حزم وقوة" مع أي محاولات لـ"ضرب استقرار وأمن البلاد"، فيما أصدر الجيش الإيراني، مساء أمس الثلاثاء، بيانا أشار فيه إلى أن "الحاقدين قد أثاروا فتنة جديدة"، مؤكدا أنه "سيتصدى بكل صرامة لأي اعتداء من قبل الأعداء".
وفي تقرير، نشرته وكالة "فارس" الإيرانية، اليوم الأربعاء، ورد أن من بين معتقلي الأحداث الأخيرة في إيران "عدد من الإيرانيين مزدوجي الجنسية"، لافتة إلى أنهم يحملون جنسيات ألمانية وتركية وأفغانية. وذكرت "فارس" أنه "ضبطت مع هؤلاء المعتقلين أجهزة ومعدات تستخدم في عمليات التخريب".
وكانت "فارس" قد أفادت أمس الثلاثاء أيضا بتوقيف "7 رعايا أجانب خلال قيامهم بتخريب بنوك جنوب العاصمة طهران"، من دون الكشف عن الدول التي يتبعها هؤلاء.
خامنئي: التحرك كان أمنياً
وفي ثاني تعليق له على التطورات الحديثة في إيران، اعتبر المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، مساء أمس الثلاثاء، في لقاء مع رجال أعمال وناشطين اقتصاديين، أن "ما جرى في البلاد خلال الأيام الماضي لم يكن تحركا شعبيا وإنما أحداثا أمنية"، معلنا "دحر العدو خلال الأيام الأخيرة"، ليؤكد لـ"أصدقاء الثورة وأعدائها" أن إيران "قد أجبرت العدو على التراجع عسكريا وسياسيا وأمنيا".
وأوضح خامنئي أن بلاده "ستجبر أيضا" الولايات المتحدة على التراجع في حربها الاقتصادية "مع استمرار الحراك الراهن في مجالات الإنتاج الاقتصادي"، معتبرا الرهان على انتهاء العقوبات الأميركية "خلال العامين المقبلين باطلا".
وأكد أن "العقوبات الأميركية ستبقى قائمة"، داعيا إلى عدم ربط إنقاذ اقتصاد إيران برفع هذه العقوبات أو انتهاء فترة رئاسة دونالد ترامب ومجيء رئيس أميركي آخر أو مبادرات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع التشديد على أن "عقد الرهان على هذه المبادرات لن يحل أي مشكلة ويجب التخلي عن هذه الرهانات".
وأضاف أن "الالتفاف على العقوبات هو تكتيك، لكن الاستراتيجية هي تحصين البلاد من تبعات هذه العقوبات".
مسيرات "ثورية" مضادة
ومع تأكيد السلطات الإيرانية عودة الهدوء إلى المدن المحتجة وانتهاء الاحتجاجات، بدأت تخرج منذ أمس الثلاثاء مسيرات مضادة داعمة للثورة والنظام الإيراني في المحافظات والمدن الإيرانية، تندد "بأعمال الشغب" و"التدخل الأجنبي" فيما جرى خلال الأيام الماضية في إيران، وفقا للقائمين على هذه المسيرات.
وفي هذا السياق، وبعد مسيرات داعمة للنظام الإيراني في تبريز وزنجان وهمدان أمس الثلاثاء، خرجت اليوم مسيرات مماثلة في أردبيل وغلستان ومدن أخرى.
وفي غضون ذلك، شُيع جثمانان من قتلى قوات التعبئة (الباسيج) التابعة للحرس الثوري في غرب العاصمة طهران، بحضور مسؤولين إيرانيين، في مقدمتهم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني.
وأعلنت السلطات الإيرانية مقتل 3 من أفراد هذه القوات خلال الأيام الماضية بمدينة "ملارد" غربي طهران، على يد "مناهضي الثورة والمخربين"، مشيرة إلى أنهم "قتلوا بالسلاح الأبيض".
وتشير المصادر الإيرانية إلى مقتل عدد آخر من قوات الشرطة والباسيج خلال الاحتجاجات الأخيرة، ليكشف في السياق، المتحدث باسم قوات الشرطة الإيرانية، أحمد نوريان، اليوم الأربعاء، وفقا لوكالة "فارس"، عن مقتل اثنين من هذه القوات خلال الأيام الماضية.
بالمقابل، فيما لم تؤكد السلطات الإيرانية بعد إلا مقتل 5 من المتظاهرين، إلا أن منظمة العفو الدولية أعلنت أمس الثلاثاء في تقرير لها مقتل أكثر من 100 متظاهر في 20 مدينة إيرانية.
استمرار قطع الإنترنت
في خضم هذه التطورات، وفيما تؤكد إيران أن الهدوء قد عاد إلى شوارع مدنها، إلا أن الإنترنت الدولي ما زال مقطوعا فيها، ليشير رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية، محمود واعظي، اليوم الأربعاء، إلى أنه "إذا استمر الهدوء بهذا الشكل ستعود خدمة الإنترنت في وقت قريب جدا".
وأضاف واعظي على هامش اجتماع الحكومة الإيرانية أن مجلس أمن الدولة "اتخذ قرارات محددة لأجل أمن البلاد واضطر لاتخاذ قرار بشأن قطع الإنترنت".
وفيما لم يكشف واعظي متى سيكون هذا "الوقت القريب جدا" إلا أن عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية، أبو الفضل حسن بيغي، ذكر في حديث لوكالة "إيسنا" الطلابية الإيرانية، أن الإنترنت "ستعود خلال الأيام المقبلة"، معتبرا أن "مثيري الشغب كانوا يستخدمونها لتنسيق أعمالهم".
وفي ضوء التطورات الداخلية في إيران، بدأت تعود التطورات المتعلقة بالاتفاق النووي إلى الواجهة مجددا، لتكشف تقارير إعلامية أوروبية عن لقاء مرتقب اليوم الأربعاء في بروكسل بين وزراء خارجية الترويكا الأوروبية، أي فرنسا وبريطانيا وألمانيا، للتباحث بشأن تنفيذ إيران المرحلة الرابعة من تقليص تعهداتها النووية في السادس من الشهر الجاري.
وحول الاتفاق النووي، كان الرئيس الإيراني قد حذر أمس الثلاثاء، لدى استلامه أوراق اعتماد السفيرة الأسترالية الجديدة، من انهياره، قائلا إن ذلك سيضر بالعالم.