مصر أمام 372 توصية حقوقية... ولا استجابة متوقعة

17 نوفمبر 2019
تشهد أوضاع حقوق الإنسان تردياً في مصر(توماس كويكس/فرانس برس)
+ الخط -
انتهت الجلسة الرابعة والثلاثين للاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بتلقي مصر أول من أمس 372 توصية من 133 دولة من الدول الأعضاء، إزاء الانتهاكات السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، بزيادة عن الاستعراض في عام 2014 (300 توصية)، والاستعراض في عام 2010 (122 توصية). ورفضت مصر التعليق على التوصيات المقدمة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بعدما طلب وفدها الرسمي أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان المنعقد في جنيف، برئاسة وزير الشؤون النيابية عمر مروان، منح الفرصة لدراسة هذه التوصيات بشكل متأن، على أن تبدي الحكومة المصرية رأيها في موعد غايته فبراير/شباط المقبل.

وتُعد التوصيات، بهذا الرقم الكبير، تأكيداً على الممارسات القمعية للنظام المصري على مدى السنوات الماضية. في هذه الأثناء، يبدي حقوقيون مصريون شكوكاً حول مدى التزام مصر بتوصيات الاستعراض الدوري لحقوق الإنسان، وكذا تأثيرها على حالة حقوق الإنسان المتردية في البلاد، والتي تُدار بواسطة نظام قمعي منذ تنفيذ انقلاب الجيش على الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013.
وعن جدوى الاعتماد على التوصيات الدولية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، يرى المحامي الحقوقي محمد حسين النجار، أن آلية المراجعة الدورية الشاملة تقدم مجموعة من التوصيات، ويكون أمام الدولة خمسة أعوام لتنفيذها، هذا بفرض قبول الدولة بهذه التوصيات، إذ يحق لها بعد تسلم التوصيات رسمياً أن تقبل بعضها، وترفض بعضها، وأن تأخذ بعضها بعين الاعتبار.

وقال النجار، في تدوينة نشرها عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، إن "موضوع الاهتمام بحقوق الإنسان تراجع بشكل كبير على المستوى الدولي، خصوصاً مع صعود التيار اليميني الشعبوي في العديد من دول أوروبا، والولايات المتحدة، وهو تيار يعطي أهمية أكبر للبعد الأمني والسياسي على حساب البعد الحقوقي، ويتمحور على قضاياه الداخلية، والالتفاف الشعبي حولها، من دون الاهتمام بالقضايا الدولية. وتفتقد لجان وآليات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان إلى الإلزام. كما تعدم الوسائل العقابية حيال الدول غير الملتزمة، سواء بتقديم تقاريرها للجان المختلفة في الموعد المقرر، أو بتنفيذ توصيات وملاحظات اللجان والدول المختلفة على تقاريرها، والتي تعتمد بشكل أساسي على الإدانة الأخلاقية، أو حرص الدولة على صورتها أمام المجتمع الدولي. وأشار النجار إلى أن العديد من الأنظمة العربية تعي جيداً أن العلاقات الدولية تربطها مجموعة من المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية، وأن قضية حقوق الإنسان لا تعد أكثر من ورقة يمكن استخدامها للضغط على دولة ما، وبالتالي لم تعد تهتم كثيراً، أو تلتفت إلى صورتها الحقوقية في الخارج، ولا سيما أن أغلب مجتمعاتها تشهد حالات من الانتهاكات، خصوصاً في ما يتصل بقضايا اللاجئين.

من جهته، استبعد أحد أعضاء تكتل (25-30) الذي يمثل الأقلية في البرلمان المصري، حدوث تغيرات ملموسة في سياسة الحكومة إزاء الملف الحقوقي، بالقول إن "النظام الحالي يناصب العداء لقوى المعارضة المدنية، ولن يستجيب للتوصيات الأممية إلا في إطار شكلي، من خلال الترويج لأن مواد الدستور والقانون المصري تجرم التعذيب داخل السجون، من دون اتخاذ إجراءات جدية في هذا الصدد". وأضاف المصدر، في تصريح خاص، أن "الأزمة ليست في مواد الدستور أو القانون، ولكن في عدم تنفيذها على أرض الواقع، فمصر لديها باب رائع للحريات في الدستور، بيد أنه وقف التنفيذ منذ صدور الدستور قبل خمسة أعوام". ولفت إلى أن "أوضاع السجناء عموماً، والسياسيون منهم على وجه أخص، تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، والواقع يقول إن المئات من المحتجزين وافتهم المنية بسبب الإهمال الطبي".

من جهته، أوضح المحامي البارز نجاد البرعي، أن الهدف من المراجعة الدورية ليس إدانة دولة ما أو تبرئتها، أو انتصار المجتمع المدني عليها أو هزيمته، ولكن أن تبدي الدول الأعضاء ملاحظاتها حول حالة حقوق الإنسان في البلد الذي يخضع للمراجعة، بهدف إلقاء الضوء على المشكلات التي تعترض نفاذ هذه الحقوق، وهو ما يؤهل الدولة، إن أرادت، إلى الحصول على مساعدة المجتمع الدولي الفنية والمالية في بعض الأحيان على إنفاذ هذه الحقوق.


وأفاد البرعي بأن المراجعة الدورية الشاملة ليست مباراة بين المجتمع المدني والحكومات التي تخضع للمراجعة، يفوز فيها طرف على حساب طرف آخر، مستطرداً أنه "كان من المفترض أن تضع الدولة تقريرها بالمشاركة مع مؤسسات المجتمع المدني، لأن التقارير الموازية التي تقدمها المؤسسات المدنية هدفها الأساسي إلقاء الضوء على المشكلات التي قد لا تنتبه إليها الدولة، ما يساعدها على تصحيحها من خلال المقترحات والتوصيات المقدمة منها".

ويعتبر النظام المصري نفسه في حالة عداء مع المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان، كونها تفضح الانتهاكات الحقوقية المختلفة في تقاريرها، وهو ما دفعه إلى تعطيل نشاط أغلبها، واتهام قادتها باتهامات جنائية، ومنع كثير منهم من السفر، بل والتحفظ على حسابات بعضهم، فضلاً عن شن حملة كراهية واغتيال معنوي عبر وسائل الإعلام لنشطاء حقوقيين يحظون بسمعة دولية جيدة.

في غضون ذلك، قال رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، علاء عابد، إن ارتفاع عدد التوصيات الموجهة إلى مصر لا يعبر بالضرورة عن زيادة حدة الانتهاكات في مصر، لأنها ركزت على خمسة موضوعات رئيسية، وتكررت من أغلب الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مشيراً إلى أن هناك حالة من التعاون المؤسسي والدبلوماسي بين مصر والمجلس الأممي، بشأن تطبيق معايير حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، على حد تعبيره.
وأضاف عابد، في بيان صادر عن اللجنة، أن المجتمع الدولي يقدر الدور المصري في محاربة الإرهاب، وقدرته على تحقيق توازن بين الحقوق الأساسية للشعب ومكافحة الإرهاب، مدعياً أن مجموعة الدول الأوروبية أشادت بحزمة التشريعات والإجراءات التي اتخذتها مصر من أجل تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً، إضافة إلى المشاركة الفعالة لها في الحكومة والبرلمان.
وكانت السلطات المصرية قد شنّت حملة اعتقالات واسعة طاولت أكثر من 4 آلاف شخص، بالتزامن مع احتجاجات 20 سبتمبر/أيلول الماضي المطالبة برحيل السيسي من الحكم، من بينهم العديد من الأكاديميين والصحافيين والحقوقيين البارزين، بدعوى اتهامهم بـ"استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة"، و"مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها".

وتلتزم مصر بالمثول للمراجعة الدورية كل خمس سنوات، كجزء من الآلية الدورية الشاملة لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في العالم، والتي تتيح لحكومة كل دولة تقديم تقرير رسمي عمّا تم في الملف الحقوقي لديها، بغرض عرض سجلات حقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في محاولة لتحسين الأوضاع الحقوقية في الدول الأعضاء. ومن بين أبرز التوصيات الأممية الموجهة إلى مصر "ضرورة تصديقها على نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، والعمل على التعليق الفوري لعقوبة الإعدام من أجل إلغائها، وضمان حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان، وحماية الصحافيين، فضلاً عن استبعاد كل الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية، وإعادة تعريف الإرهاب، وضمان الوصول لمياه الشرب النظيفة والصرف الصحي".

المساهمون