انتفاضة لبنان مستمرة.. ومشاورات تشكيل الحكومة تبدأ الاثنين

15 نوفمبر 2019
اعتصام أمام قصر العدل للمطالبة بالإفراج عن معتقلين(حسين بيضون)
+ الخط -
أثارت تسريبات حول احتمال تكليف الوزير السابق محمد الصفدي رئاسة الحكومة اللبنانية، غضب وسخرية المتظاهرين الذين يطالبون في حراكهم المستمرّ منذ نحو شهر بإسقاط الطبقة السياسية بالكامل، متّهمين إياها بالفساد وبالعجز عن حل الأزمات المعيشية. وتناقل الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً للصفدي كتب عليها "هل تستهزئون بنا؟".

وأفادت مصادر مقربة من الحكومة، رفضت الكشف عن اسمها، ووسائل إعلام محلية، ليل الخميس - الجمعة، عن اتفاق بين كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، و"التيار الوطني الحر" بزعامة صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، وزير الخارجية جبران باسيل، وكل من "حزب الله" و"حركة أمل"، على تسمية وزير المالية السابق محمد الصفدي (75 عاماً) رئيساً للحكومة الجديدة.
وسرعان ما أثارت التقارير غضب المتظاهرين في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، فاتهموا السلطات بعدم أخذهم على محمل الجدّ. وتظاهر العشرات ليلاً في بيروت وأمام مكتب الصفدي في طرابلس في شمال لبنان. ويُتوقع أن تنظم تظاهرة في بيروت، اليوم الجمعة، ضد تسميته.

باسيل: الاستشارات قد تبدأ الاثنين
وقال باسيل لموقع "أم تي في" اللبناني: "اسم الصفدي طُرح منذ فترة طويلة، تماماً كما طرحت شخصيّاً عدداً كبيراً من الأسماء، وأحياناً بناءً على طلب رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان متجاوباً بشكلٍ دائم، وبعض هذه الأسماء تعمل خارج لبنان، إلا أنّ الثنائي الشيعي تحفّظ على الأسماء التي لا يعرفها جيّداً". وأضاف: "تحتاج هذه المرحلة الى شخصيّة تعرف الدولة جيّداً، والصفدي سبق أن تولّى أكثر من حقيبة وزاريّة ولم تكن عليه أيّ شبهة فساد في المهام الرسميّة التي مارسها، لذلك أجد أنّه شخصيّة مناسبة لهذه المرحلة".

ولفت باسيل الى أنّه على قناعة بضرورة مشاركة تقنيّين في الحكومة المقبلة، لكي يتفرّغوا للإنتاج والاهتمام بملفّات وزاراتهم والنهوض من الأزمة التي نعيشها.
وكشف أنّ شكل الحكومة كان مدار نقاش بينه وبين حلفائه لفترة، وهو كان يؤيّد تمثيل الأحزاب بتقنيّين، ولم يكن، منذ اليوم الأول، متمسّكاً بالمشاركة في الحكومة، إلا أنّ فرقاء آخرين لم يكونوا متحمّسين لهذا الأمر، ولذلك تمّ الاتفاق على أن يمثَّل كلّ فريق بمن يختاره، شكلاً وأسماءً.


أمّا عن احتمال أن تكون موافقة بعضهم على اسم الصفدي تهدف إلى "حرقه"، يقول باسيل: "لا أرغب في السير الآن بهذه النظريّة، لأنّ الوقت ومسار الأمور هو الذي يحدّد ما إذا كان ذلك صحيحاً. ولكن، من جهتنا، أؤكّد أنّنا تواصلنا مع الوزير الصفدي وهو وافق على تولّي رئاسة الحكومة في حال حظي اسمه بموافقة القوى السياسيّة الأساسيّة المشاركة في الحكومة".
وتابع: "إذا سارت الأمور بشكلٍ طبيعي، يفترض أن تبدأ الاستشارات يوم الاثنين، ليُسمّى الصفدي في ختامها، وإلا سنبقى في دائرة المراوحة بانتظار الاتفاق على اسم رئيس الحكومة".
وردّاً على سؤال عن الفترة التي سيستغرقها التأليف، يقول باسيل: "لا يفترض أن تكون فترة طويلة، لأنّ القوى السياسيّة الأساسيّة على قناعة بضرورة الإسراع في تأليف حكومة تخرج البلد ممّا هو فيه".

وشدّد باسيل على أحقيّة المطالب التي ينادي بها الناس. "من حقّهم أن يطالبوا ويشكوا، وهم يعانون منذ 30 سنة، وقد وضعوا في السنوات الأخيرة آمالهم علينا، لكنّنا فشلنا نتيجة التركيبة القائمة في تحقيق ما يطمحون إليه، فزادت خيبتهم".
إلا أنّه، في المقابل، أشار إلى أنّ فريقاً خارجيّاً استغلّ هذا الحراك، ويظهر هذا الأمر في بعض الأمور التي حصلت في الأسابيع الأخيرة، وحتى قبل بدء التظاهرات، ولذلك قال ما قاله في ذكرى 13 تشرين في الحدث.
وشدّد باسيل على أنّه ليس في وارد "ركوب الموجة" والضحك على الناس وإسماعهم ما يرغبون بسماعه. وقال: "أنا شخص مسؤول، وسمعت الكثير من اتهامات الفساد التي طاولتني وطاولت وزراءنا، ولكن من يملك "قصقوصة" ورق تؤكّد ذلك فليقدّمها، بل على العكس كانت مشكلتي مع البعض أنّني لا أريد تغطية الفساد".


ويترأس الصفدي مجلس إدارة شركة شريكة في إنماء واجهة بيروت البحرية، التي يرى المحتجون أنها جزء من الاعتداء على الأملاك البحرية العامة، إذ تنتشر على طول الشاطئ اللبناني مشاريع سياحية ومنتجعات، عدد كبير منها يملكه سياسيون. وتقفل هذه المشاريع باب الوصول إلى البحر أمام عامة اللبنانيين.
والصفدي من أكبر الأثرياء في لبنان، ويتحدر من طرابلس التي يعاني 26 في المئة من سكانها من فقر مدقع، وشغل سابقاً حقائب وزارية عدة أبرزها المالية (2011 -2014) والاقتصاد (2009 -2011).
وتأتي هذه المعلومات عن توجه لتسمية الصفدي، في وقت لم يدع رئيس الجمهورية حتى الساعة إلى الاستشارات النيابية التي يتمّ فيها تسمية رئيس جديد للحكومة.
وقال عون خلال لقائه وزير الدفاع الإيطالي لورينزو غويريني على رأس وفد، في القصر الجمهوري، إنّ "معالجة أسباب التحركات الشعبية ستكون أول اهتمامات الحكومة العتيدة"، مجدداً "رفض الاقتراح الأوروبي لدمج النازحين بالمجتمعات المضيفة".


اعتقالات وقمع للمتظاهرين

ووقعت إشكالات عدة بين الجيش اللبناني والمتظاهرين في منطقة جل الديب (شمالي بيروت)، التي كانت مركز تظاهر مركزي في الأيام السابقة. وعمد الجيش إلى استخدام القوة مع المتظاهرين الذين حاولوا مرّات عدة قطع الطريق، قبل أن ينجحوا بعيد منتصف الليل، إلا أنّ الطريق عاد وفُتح من جديد فجراً. وتعرّض شبان للضرب على يد عناصر الجيش، الذين اعتقلوا عدداً منهم.

وفي منطقة الرينغ في بيروت، تحدّث ناشطون عن خطف الشابين سامر مازح وعلي بصل، ليل أمس الخميس، أثناء توجههما من مكان الاعتصام إلى منطقة الجميزة.

ونفّذ عدد من المحتجين اعتصاماً أمام قصر عدل بيروت، اليوم الجمعة، للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين لدى القوى الأمنية ليل الخميس.

اعتصام أمام قصر العدل في بيروت (حسين بيضون) 


وأفادت "الوكالة الوطنية للإعلام" الرسمية اللبنانية، بأن المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري التقى، في مكتبه في قصر عدل بيروت، وفداً من عشرة محامين من الحراك الذي تقدم بطلب لمعرفة مصير الموقوفين، لا سيما علي بصل وسامر مازح، اللذين تم توقيفهما في منطقة الرينغ.


وتم لاحقاً الإفراج عن كلّ من مازح وبصل من مخفر الجميزة، الذي نُقلا إليه في وقت سابق، فيما تمّ الإفراج عن عدد من موقوفي جلّ الديب والزوق، الذين أوقفوا صباحاً، وذلك من ثكنة صربا العسكرية.



ولاحقاً، أعلن الجيش اللبناني في بيان، أنه "أثناء قيام قوى الجيش بتنفيذ مهامها في فتح الطرقات في العديد من المناطق اللبنانية، عمد بعض المحتجين إلى التعرض للعسكريين بتوجيه عبارات استفزازية ومحاولة الاعتداء عليهم، ما أدى إلى إصابة عدد منهم برضوض وجروح مختلفة، الأمر الذي دفع إلى توقيف المعتدين الذين بلغ عددهم 20 شخصاً وأحيلوا إلى التحقيق". وأضاف: "تم إخلاء سبيل 9 منهم، وأبقي على 7 أشخاص رهن التحقيق بناء لإشارة القضاء المختص، وأحيل 4 منهم، بينهم سوري إلى الشرطة العسكرية بعدما ثبت تورطهم بمخالفات أخرى".



الطرابلسيون يرفضون تسمية الصفدي

وفي طرابلس، قال جمال بدوي (60 عاماً) لوكالة "فرانس برس": "يثبت طرح محمد الصفدي لرئاسة الحكومة أن السياسيين في السلطة يعيشون في غيبوبة عميقة وكأنهم في كوكب آخر خارج نبض الشارع". واعتبر الأستاذ الجامعي سامر أنوس (47 عاماً)، من جهته، أن الصفدي "جزء أساسي من تركيبة هذه السلطة، وله مشاركة مباشرة في الفساد والاعتداء على الأملاك البحرية"، مضيفاً "الصفدي لا يلبي طموحات الانتفاضة الشعبية في لبنان".
ويطالب اللبنانيون بتشكيل حكومة تكنوقراط، عقب استقالة حكومة الحريري، تضمّ وجوهاً غير سياسية، تكون مستقلّة عن الأحزاب، تتولّى إدارة المرحلة الحالية والنهوض باقتصاد البلاد الذي شهد تراجعاً كبيراً في الأشهر الأخيرة.