ألمانيا تحذر مصر من التطرف الديني بسبب القمع

02 نوفمبر 2019
ركز ماس على وضعية العمل الخيري بمصر(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

وجّه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري، خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة منتصف الأسبوع الحالي، انتقادات معتادة من المسؤولين الأوروبيين عموماً، والألمان خصوصاً، بشأن حالة حقوق الإنسان والتعامل الأمني مع المعارضة والمتظاهرين.

لكن ما لم يكن معتاداً هو تصريحه العلني بضرورة أن "يتنفس المصريون نسائم الحرية"، على هامش أول زيارة لوزير خارجية ألماني إلى مصر منذ 4 سنوات. فالعلاقة بين البلدين، وعلى الرغم من كم العلاقات الاقتصادية والأمنية المتطورة، ظلت محصورة في هذين الجانبين إلى حد بعيد. وحتى أن التعاون في هذين المجالين كان المحور الأساسي للقاءات السيسي السابقة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، رغبة من الجانبين في البناء على ملفات يمكن التوافق فيها، في ظل اتساع الفجوة بينهما في الملفات السياسية والإقليمية والاجتماعية والحقوقية.

لكن مصادر دبلوماسية مصرية روت، لـ"العربي الجديد"، تفاصيل جديدة لما دار بين ماس والسيسي وشكري، في اللقاء الذي استمر نحو ساعتين في قصر الاتحادية، بعدما استطرد السيسي في الرد على تساؤلات ومخاوف ومشاكل عديدة أثارها ماس بشأن الأوضاع في مصر، أبرزها "تعبيره عن خشية ألمانيا من أن تؤدي سياسات القمع المتبعة ضد النشطاء السياسيين والحقوقيين، وإغلاق المجال العام والتضييق الممنهج على منظمات المجتمع المدني، ودفعها لترك مصر للعمل في دول أخرى في الإقليم، كتونس ولبنان وتركيا، فضلاً عن التوسع في الاعتقالات والاستخدام الأمني للعدالة، إلى انجراف أجيال جديدة من الشباب المصري إلى التطرف الديني، وكذلك إلى اتباع سبل الهجرة غير الشرعية للوصول إلى أوروبا، وتحديداً إلى ألمانيا".

الوزير الألماني، يساري التوجه والمنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، استطرد، بحسب المصادر، في "شرح العلاقة بين سوء أوضاع حقوق الإنسان في مصر وتزايد هجرة الكفاءات المصرية الشابة إلى ألمانيا، بناءً على تقارير أمنية وحكومية في هذا الشأن، على الرغم من زيادة القيود منذ العام الماضي على استضافة المهاجرين من مصر". كما أعرب عن "قلقه الشديد من تحويل المجتمع المصري إلى حاضن للتيارات الإسلامية المتطرفة نتيجة التضييق على الحريات"، مشيراً، في هذا السياق، إلى تقارير استخباراتية تستند إلى معلومات مصرية عن "انتشار الأفكار التكفيرية الخاصة بتنظيمي داعش والقاعدة في سجون السيسي، خصوصاً بين فئات الشباب الأصغر سناً، الذين اعتقلوا وهم مراهقون ولم يخرج بعضهم من السجون منذ 2013".


وتأتي تحذيرات ماس على الرغم من أن العلاقات الأمنية بين القاهرة وبرلين في تطور مستمر منذ العام 2014، إذ تتبادل الدولتان الخبرات الأمنية والاستخباراتية، وقدمت ألمانيا لمصر خدمات تدريب أمنية عالية المستوى في مجالات فض الشغب وتأمين المطارات والتجمّعات، بعد الإطاحة بحكم جماعة "الإخوان المسلمين". وتمّ ذلك على مراحل بين عامي 2014 و2015، في ظل اعتراض دوائر داخل الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم وشركائه على منح مصر أي أفضليات بسبب سجلها السيئ في حقوق الإنسان.

أما الملف الثاني لجهة الأهمية الذي شغل قسماً كبيراً من اللقاء، فهو شراء السلاح الألماني. فعلى الرغم من أن مصر سبق وامتنعت عن شراء بعض الأسلحة والفرقاطات بعد الاتفاق عليها العام الماضي، احتجاجاً على قرار ألمانيا بوقف تصدير الأسلحة إلى السعودية، إلا أن البيانات الرسمية تكشف أن القاهرة جاءت في المركز الثاني على مستوى العالم في شراء الأسلحة الألمانية خلال النصف الأول من العام 2019. ودارت المناقشات بين السيسي وماس حول أهمية المضي قدماً في إصدار الحكومة الاتحادية أذون التصدير لمصر من شركات السلاح في مختلف الولايات الألمانية، علماً أن بعض طلبات الشراء قوبلت بالرفض من برلين، بسبب تقارير استخباراتية ألمانية عن عدم وضوح سبب شراء مصر لتلك الأسلحة، وفقاً للمصادر الدبلوماسية، التي أوضحت أن "السيسي شدد على ضرورة تطوير التعاون في هذا الملف".

وبحسب بيانات رسمية حصلت عليها "العربي الجديد"، فقد اشترت مصر أسلحة ألمانية، خلال النصف الأول من العام الحالي، بقيمة 801 مليون و847 ألف يورو، متفوقة على بريطانيا والولايات المتحدة والجزائر وكوريا الجنوبية وأستراليا وقطر. وجاءت فقط خلف المجر، التي اشترت أسلحة بقيمة مليار و769 مليون و869 ألف يورو، في إطار خطة رئيس الوزراء اليميني فيكتور أوربان، الذي تجمعه علاقة وطيدة بالسيسي، لتحديث الجيش المجري. وأوضحت البيانات أن الأسلحة التي اشترتها مصر تتضمن قطع غيار للطائرات المقاتلة، ومعدات للدعم الأرضي والتدخل السريع، وأنظمة دفاع جوي، وأجزاء صواريخ، وأنظمة توجيه أرضية للصواريخ.
وبحسب المصادر الدبلوماسية، فإن "المساعي المصرية لزيادة الواردات من الأسلحة الألمانية تُواجه بمعارضة شديدة من دوائر سياسية في برلين، على الرغم من توضيح أن الأنواع المستوردة تستخدم في ميادين حربية وليس للقمع. كما أن هناك شكوكاً تُثيرها بعض تلك الدوائر حول إعادة تصدير بعض الأسلحة وقطع الغيار من مصر إلى السعودية، في إطار التعاون الوثيق بين البلدين وحظر توريد الأسلحة للسعودية، وهذا أمر حساس، تم نفيه في محادثات سابقة بواسطة مسؤولين مصريين، لكنه ما زال يُروّج في برلين على نطاق واسع، ارتباطاً بالزيادة الكبيرة في كمية الأسلحة المصدرة هذا العام".

أما الملف الثالث الذي ركز عليه ماس، فهو الخاص بوضعية العمل الخيري والاجتماعي والدراسي الألماني الرسمي في مصر، لا سيما أنه التقى ببعض النشطاء الحقوقيين قبل لقائه بالسيسي. فعلى الرغم من تعهد النظام المصري سابقاً بحماية هذه الأنشطة، واستثنائها من العديد من القيود التي تُفرض على المنظمات المحلية والدولية الأخرى، إلا أن برلين ما زالت متشككة في نوايا النظام، بعد تأخر صدور اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي الصادر أخيراً، والذي استجابت فيه الحكومة لضغوط الدول الغربية لإزالة الأدوار التي كانت مسندة للاستخبارات والأمن الوطني، لكن المواد في المقابل جاءت مكتظة بالعبارات المطاطة التي يمكن استخدامها لتقييد الأنشطة. وتوقعت المصادر المصرية أن يعاد طرح هذه الملفات، بالإضافة إلى أخرى، خلال لقاء من المقرر عقده بين السيسي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هذا الشهر، إذ سلمه ماس دعوة لحضور مؤتمر للتعاون بين ألمانيا وأفريقيا ينطلق في برلين في 19 الشهر الحالي.