ومن شأن تداعيات هذا التحول، الذي ظهر تباين في واشنطن تجاهه بين مؤيد لقرار ترامب ومحذر منه، أن تساهم في تبدل موازين القوى في سورية والمنطقة، الأمر الذي يتوقع أن يظهر تباعاً أخذاً في الاعتبار جملة من العوامل؛ أولها سير العملية العسكرية المرتقبة وحدودها، فضلاً عما إذا كانت ستحمل صداماً مباشراً بين الجيش التركي و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد). وتُضاف إلى كل ذلك، طبيعة الخطوات السياسية والعسكرية للأكراد في الأيام المقبلة، وما إذا كانوا سيتوجهون نحو النظام السوري.
كما تتجه الأنظار إلى الموقف الروسي، خصوصاً بعد إعلان الكرملين تمسكه بضرورة انسحاب كل "القوى الأجنبية غير القانونية من سورية"، في ظل تحذير إيران على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف من الحلول العسكرية في المنطقة. كذلك ينتظر أن تتضح تباعاً طبيعة التفاهمات الأميركية التركية وحدودها سواء في ما يتعلق بسورية أو بملفات أخرى تخص البلدين.
وقال البيت الأبيض، في بيان، إن القوات الأميركية في شمال سورية لن تتمركز بعد اليوم قرب الحدود مع تركيا، ولن تدعم عملية أنقرة "التي خططت لها طويلاً" في البلاد. وأضاف: "قريباً، ستمضي تركيا قدماً في عمليتها التي خططت لها طويلاً في شمال سورية. لن تدعم القوات المسلحة الأميركية العملية ولن تنخرط فيها. وكون قوات الولايات المتحدة هزمت الخلافة على الأرض التي أقامها تنظيم "داعش"، فلن تتمركز بعد اليوم في المنطقة مباشرة" عند الحدود مع تركيا.
وسرعان ما ترجم موقف البيت الأبيض على الأرض، إذ أعلن مسؤول أميركي أن قوات بلاده أخلت مواقعها على الحدود السورية التركية بما في ذلك موقعان للمراقبة في شمال شرقي سورية في تل أبيض ورأس العين، أي في المنطقة التي يتوقع أن تتم فيها العملية التركية والتي أكد أردوغان اليوم أنها ستبدأ خلال وقت قصير.
في الأثناء، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم، أن قرار ترامب يعاكس توصيات كبار المسؤولين في وزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الخارجية الأميركية، الذين كانوا يفضلون الإبقاء على وجود عسكري صغير في شمال سورية لمواصلة العمليات ضد تنظيم "داعش" الإرهابي وأن يكون بمثابة قوة توازن مع روسيا وإيران. وأشار مسؤولون في الإدارة الأميركية إلى أن ترامب أبلغ أردوغان بقرار سحب 100 إلى 150 جندياً من المنطقة، كمقدمة لفتح الطريق أمام أنقرة لشن عملية، لكنهم أشاروا إلى أنه لن يتم الانسحاب بشكل كامل من سورية.
وانتقد العديد من الخبراء بشأن سورية قرار البيت الأبيض، وحذروا من أن تخلي واشنطن عن الحلفاء الأكراد قد يوسع من النزاع وسيساهم في إيجاد تحالف بين الأكراد والنظام السوري لمحاربة القوات التركية. وفي السياق، قال النائب عن الحزب الديمقراطي روبن كاليغو، إن "السماح لتركيا بالدخول إلى الشمال السوري سيكون إحدى أكثر الخطوات المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط". وأضاف، في تغريدة، أن "الأكراد لن يثقوا مجدداً بالأميركيين. سوف يبحثون عن حلفاء جدد أو الاستقلال من أجل حماية أنفسهم".
وأضاف المسؤول نفسه أنّ "الرد من قبل "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من شأنه أن يؤدي دوراً في رواية تركيا بأنها بحاجة إلى جعل المنطقة آمنة لإعادة اللاجئين". ومن وجهة نظر "قسد"، فإنها تشعر بأنّ أي عمل أحادي من جانب تركيا على الأراضي السورية التي تسيطر عليها يشكّل تهديداً وعليها الردّ عليه. ولفت المسؤول إلى أنّ "السماح بإقامة قواعد للدوريات التركية، يفتح الباب أمام احتلال دائم، ويجعل من السهل على الجيش التركي مهاجمة قوات سورية الديمقراطية لاحقاً".
وكان وزير الدفاع الأميركي، مارك أسبر، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، مارك ميلي، اتصلا بالمسؤولين الأتراك، الأسبوع الماضي، لخفض التوتر بين البلدين. ويبدو أن تصاعد تهديدات أردوغان بشن العملية أدى إلى تراجع ترامب. ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤول أميركي قوله إن الجنود الأميركيين بدأوا بالتراجع إلى الخلف من "أجل الابتعاد عن الطريق". وأضاف: "لن ندعم الأتراك ولن ندعم قوات سورية الديمقراطية. إذا اندلعت معركة بينهما سنقف على الحياد".
وقال المبعوث الأميركي السابق إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، بريت ماكغورك: "يبدو أن هذا قرار متهور آخر، واتخذ من دون تشاور بعد اتصال مع رئيس دولة أجنبية. إن بيان البيت الأبيض لا علاقة له بالتطورات على الأرض. إذا طبق، فإنه سيرفع من منسوب الخطر ضد جنودنا، بالإضافة إلى عودة (داعش)". وحذر مسؤولون أميركيون من استفادة التنظيم الإرهابي من الموضوع، لكنهم أشاروا إلى أن الأمر يتمحور حول ما إذا كان الدخول العسكري التركي سيؤدي إلى توسع الحرب في الشمال السوري.