عادت أنظار اليمنيين مجدداً إلى حوار مدينة جدة السعودية، الذي ترعاه الأخيرة، بين الحكومة الشرعية وما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، مع طرح الرياض مسودة اقتراح لحل الأزمة، بالترافق مع ملامح مرحلة جديدة من التصعيد، من قبل الإمارات، بدأت بوادرها بتمرد سقطرى مروراً بسحب قوات من الساحل الغربي إلى عدن، لتعزيز القوات الموالية للانفصاليين.
وأعلنت مصادر قريبة من الحكومة اليمنية، لـ"العربي الجديد"، عودة النقاشات بين الجانب الحكومي والسعودي بشأن مسودة اقتراح للحل، تقدمت بها الرياض، وتحفظ بشأنها الوفد الحكومي، مشترطاً إحالتها إلى الرئيس عبدربه منصور هادي للموافقة، وهو ما مهد لحملة بدأها نشطاء موالون لـ"الانتقالي" وأبوظبي وجهت سهامها إلى هادي، واعتبرته عقبة في طريق الحل. وفي الوقت الذي ما تزال فيه تفاصيل المقترحات السعودية، محاطة بتكتم شديد من قبل مختلف الأطراف، تشير التسريبات إلى أنها لا تخرج بمجملها، عن مقترحات تضمن إشراك "المجلس الانتقالي"، المدعوم من الإمارات، في الحكومة، في مقابل جملة من الترتيبات الأمنية والعسكرية، التي تسمح بعودة الحكومة الشرعية إلى مدينة عدن، والتي تصفها الأخيرة بـ"العاصمة المؤقتة".
وبدأ حوار جدة بدعوة رسمية من وزارة الخارجية السعودية للحكومة اليمنية وحلفاء أبوظبي، اعتباراً من مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، حيث يوجد وفد من المجلس برئاسة عيدروس الزبيدي، لكن لم يعقد الوفد أي لقاء مباشر مع وفد الحكومة اليمنية، الذي يمثله نائب الرئيس علي محسن الأحمر ورئيس الحكومة معين عبد الملك. وسبق أن وصل الحوار إلى طريق مسدود، أواخر الشهر الماضي، غادر على أثره المسؤولون الحكوميون جدة. إلا أن الرياض سعت لإحياء الحوار مجدداً، بتقديم مقترحات للتسوية، بالترافق مع توجهها بالقبول بالتهدئة مع جماعة "أنصار الله" (الحوثيين).
وندد وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، أمس الأحد، بحملة إعلامية دشنها نشطاء من "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم من الإمارات، تستهدف هادي. وتحدث عن تنسيق بين حلفاء أبوظبي وبين جماعة "أنصار الله" (الحوثيين). وكتب، في سلسلة تغريدات، تعقيباً على حملة انتقادات بدأها أنصار "الانتقالي" نادت بإسقاط هادي، "مؤسف جداً" أن يكون رد بعض الأطراف على دعوة نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لليمنيين لتوحيد الصف لـ"مواجهة مشروع الدمار والفوضى الإيراني"، وذلك "بالمزيد من استهداف القيادة والتحريض على الشرعية الدستورية التي هي طوق النجاة لكل اليمنيين". واعتبر أن الحفاظ على مؤسسات الدولة اليمنية ووحدة البلاد، من أهم أولويات هادي، ولم يفرط بها رغم حصاره من قبل الحوثيين مطلع عام 2015، وأنه "لن يفعل ذلك اليوم مهما بلغت حملات الاستهداف والتشويه". كما اعتبر الإرياني أن "تزامن حملة المجلس الانتقالي لاستهداف الشرعية الدستورية مع تحركات سياسية" لقيادات من وصفها بـ"المليشيا الحوثية" في عدد من العواصم للتأثير على مواقفها الداعمة للشرعية، أمر يضع "علامات استفهام حول طبيعة العلاقة ومستوى التنسيق بين الطرفين ومخطط إسقاط الدولة وإعادة تقسيم اليمن لصالح طرفي الانقلاب".
وبالترافق مع عودة حوار جدة، استأنفت الإمارات خطواتها التصعيدية ضد الحكومية الشرعية جنوباً، إذ أفادت مصادر سياسية ومحلية متعددة بقيامها باستدعاء وحدات مما يُعرف بـ"ألوية العمالقة" (قوات يمنية دعمتها أبوظبي)، من الساحل الغربي إلى مدينة عدن، الأمر الذي عدّه متابعون مؤشراً على جولة جديدة من التصعيد ضد الحكومة الشرعية، التي ترابط قواتها في محافظة شبوة وأجزاء من محافظة أبين إلى الشرق من عدن. كما ترافق التطور، مع التصعيد الذي شهدته سقطرى أخيراً، إذ سعت أبوظبي إلى تنفيذ انقلاب عبر عناصر مسلحة مدعومة منها، تحت مسمى "الحزام الأمني"، بالتنسيق مع مدير أمن محافظة أرخبيل سقطرى، شرقي البلاد، أحمد علي الرجدهي الذي أطاحه هادي من منصبه منذ أيام، في خطوة استباقية، أفضت إلى إحباط مخطط إماراتي ببسط السيطرة أمنياً على الجزيرة اليمنية الاستراتيجية، في أقصى شرق البلاد.
في هذه الأثناء، أطلق وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش تصريحات جديدة، أمس الأحد، تواكب تطورات جدة. وكتب، في تغريدة، إن "الجهود الكبيرة التي تقوم بها السعودية الشقيقة عبر مفاوضات جدة لتوحيد الصف ومواجهة الانقلاب الحوثي مقدرة وندعمها دعماً كاملاً وبكل تفاصيلها". وأضاف "من الضروري أن نرى المرونة والحكمة من الطرفين. الأهم ألا نعود إلى الوضع السابق، بل أن نخرج بجبهة أكثر قوة وتماسكاً وعزماً". ولاقى تصريح قرقاش تهكماً من معلقين يمنيين اعتبروه محاولة للتضليل عن ممارسات أبوظبي. وكتب السفير اليمني لدى "يونسكو" محمد جميح، رداً على قرقاش، "تشيد أبوظبي دائماً بجهود الرياض لإنجاح حوار جدة، لتوحيد جبهة مواجهة الحوثي!"، وأضاف "جميل، ولكن، يا دكتور قرقاش، هل نقل ألوية العمالقة ــ من مواجهة الحوثي في الساحل الغربي إلى عدن وأبين لمواجهة الشرعية - يساعد الرياض على تقريب وجهات النظر بين الحكومة والانتقالي؟".