العراق: سباق لإخماد التظاهرات والتضحية بالحكومة أول الخيارات

07 أكتوبر 2019
سقط الكثير من الضحايا في عمليات القمع(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -


بالتزامن مع حزمة الوعود والقرارات الكبيرة التي أطلقتها الحكومة العراقية، ورئاسة البرلمان، خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، واعتبرت غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ، مثل توفير مليون فرصة عمل للعراقيين وإعادة تشغيل 50 ألف مصنع، ومنح مرتب شهري ثابت لكل أسرة لا تمتلك دخلاً، بهدف تحجيم التظاهرات، تنفذ على الجانب المقابل قوات عراقية خاصة، تتبع أجهزة "سوات"، وأمنية للحشد الشعبي واستخبارات الجيش، حملة اعتقالات غير مسبوقة. وطاولت حملات الاعتقال، التي كان مسرحها الرئيس مناطق العشوائيات والأحياء الفقيرة في شرقي بغداد على وجه التحديد، عشرات الشبان، ممن تم رصدهم يشاركون في التظاهرات خلال اليومين الماضيين، وهو ما قد يفسر سبب لجوء المحتجين إلى تغطية وجوههم عند خروجهم للشارع.

وفي المقابل، يؤكد مسؤولون وسياسيون عراقيون أنه في حال فشل الحكومة في وقف التظاهرات وإعادة الحياة الى طبيعتها في بغداد والجنوب، قبل نهاية الأسبوع الحالي، فإن "هناك توافقاً مبدئياً على التضحية بحكومة عادل عبد المهدي". وبحسب قيادي بارز في تحالف "الفتح" البرلماني فإن "المرجعية الدينية في النجف نأت بنفسها عن اتخاذ أي موقف غير الذي أعلنت عنه في خطبة الجمعة الماضية، وذلك رداً على مطالبات سياسية بطرح مبادرة منها تكون ملزمة للجميع لحل الأزمة". ورجح أن "تذهب الكتل السياسية الرئيسية إلى إرضاء الشارع، بإعلان تأييدها إقالة الحكومة في حال استمرت التظاهرات أكثر من ثلاثة أيام. لكن تنفيذ هذا الأمر غير سهل، فهناك حالة انسداد سياسي، ولا توجد كتلة كبيرة يمكن أن تحسم الموضوع، وستعيد الأجواء في البلاد إلى مشاريع حكومات الطوارئ والإنقاذ الوطني وغيرها من الطروحات التي سمعناها في عام 2014 قبيل اختيار حيدر العبادي رئيساً للوزراء".

وأوضح القيادي أن "الحكومة شكلت خلية أزمة أمنية، وأخرى سياسية وإعلامية لإدارة الأزمة، ومبادرتها المرتقبة كُشف عنها في إصلاحات اقتصادية ومالية كبيرة وأخرى إدارية تتعلق بالفساد ومحاربته، كان آخرها مساء السبت (الماضي)، لكن يبدو أن تجاوب الشارع معها غير كبير، أو أنه غير مبالٍ بها أصلاً". وبين أن "رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي يعارضان الحديث عن الذهاب لانتخابات مبكرة، ويعتبران أن الأزمة تتعلق بالحكومة فقط وليس بالرئاسات الأخرى (الجمهورية والبرلمان)"، معتبراً أن "الأيام القليلة المقبلة ستكون، في حال لم تنجح الحكومة بإنهاء التظاهرات أو خفض وتيرتها، بمثابة إيذان لبدء المحادثات بين الكتل البرلمانية حول إقالة الحكومة"، لافتاً إلى أن "الكتل السياسية قلقة على وضعها في مناطق ثقلها بالجنوب العراقي مع استمرار التظاهرات، خصوصاً مع ارتفاع فاتورتها من الضحايا والجرحى"، كاشفاً، لـ"العربي الجديد"، أن "أعضاء تحالف سائرون، بما فيه شقه الشيوعي، علقوا عضويتهم في البرلمان فعلياً استجابة لطلب مقتدى الصدر، وأبلغوا الدائرة القانونية في البرلمان بذلك القرار".

وقال سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، لـ"العربي الجديد"، إن "معالجة الأزمة الحالية بيد الحكومة وحدها، التي من المفترض أن تُوجد حلولاً لإرضاء المتظاهرين الغاضبين"، مبيناً أن "هناك مباحثات مكوكية تجرى حالياً بين القوى السياسية من جهة، والرئاسات الثلاث من جهة ثانية، من أجل الوصول إلى معالجات للوضع الحالي بالعراق". وبشأن دعوة الصدر الأخيرة لاستقالة حكومة عبد المهدي وبصيغة "شلع قلع"، أشار إلى أن "عبد المهدي ليس متشبثاً بالسلطة، وهو لا يُمانع في الاستقالة، لكن هناك قوى سياسية تعترض على اللجوء إلى هذا الخيار. وحتى موقف المرجعية الدينية (في النجف) يبدو أنه لم يصل إلى هذه المرحلة، وهي إزالة الحكومة". واعتبر أن "التوافقات والتوازنات السياسية التي جاءت بعبد المهدي للسلطة انتهت الآن. وكان يوجد في السابق طرفان سياسيان متمثلان بتحالفي الفتح وسائرون، وحالياً هناك أكثر من طرف سياسي. وهناك كتلة قوية وشعبية هي المتظاهرون الذين باتوا يمثلون المحرك الأساسي للعملية السياسية والتوافقية التي قد تحدث مستقبلاً أو لا تحدث"، مشيراً إلى أن "التظاهرات الجارية حالياً سقط فيها الكثير من الضحايا، وهذه الدماء تحتاج إلى خيار مقنع وكبير، لا معالجات شفهية وشكلية عادية".



ومن الناصرية، حيث بلغت التظاهرات مراحل خطيرة مع ما رافقها من حرق أبنية حكومية وأخرى تابعة لأحزاب، مع استمرار القمع والعنف من قبل الأجهزة الأمنية، قال عضو تيّار "الحكمة" الذي يصف نفسهُ معارضاً للحكومة محمد اللكاش، لـ"العربي الجديد"، إن "عبد المهدي لا يتحمل كل المسؤولية عن إخفاقات الحكومة، ولا حتى العنف الجاري ضد المتظاهرين السلميين الذي خرجوا بحركة احتجاجية عفوية". وأكد أن "الدورة البرلمانية الحالية تُعد الأسوأ منذ عام 2005، إذ إنها لم تتمكن طيلة عام كامل من إقرار قوانين مهمة، وما أفرزه البرلمان عبارة عن قوانين لا تخدم العراقيين، فضلاً عن كونه أهمل الجانب الرقابي بشكل كامل". ولفت إلى أن "تيار الحكمة مع إلغاء البرلمان الحالي وإجراء انتخابات نزيهة بقانون جديد يضمن مشاركة كافة الشعب، وبمفوضية انتخابات جديدة، تمنع التزوير"، معتبراً أن "استقالة حكومة عادل عبد المهدي كاملة أمر صعب ولا يمكن أن يحصل، وكان على مقتدى الصدر العودة إلى مستشاريه قبل الإدلاء بمثل هذا الرأي".

أما النائب عن تحالف "القوى العراقية" يحيى المحمدي فقد بيَّن، لـ"العربي الجديد"، أن "الانقسام كبير بين الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية بشأن الأحداث الأخيرة"، موضحاً أن "مجلس النواب يسعى حالياً للاجتماع وتحقيق أكبر عدد من مطالب المتظاهرين، لا سيما المتعلقة بالخدمات، والأيّام المقبلة ستظهر الكثير من نتائج الجهود النيابية. ولكن الحديث بشأن استقالة الحكومة فهو أمر لم ندرسه في تحالف القوى لغاية الآن، لأننا نؤمن بضرورة إيجاد الحلول والمعالجات ضمن صلاحيات البرلمان". وتابع "هناك من يعتقد أن ملف استقالة الحكومة، يتم عبر الدعوات، ولكن في الحقيقة إنه أكبر من خيار داخلي".

الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني قال إن "التوجه العام لدى كل الكتل السياسية في العراق اليوم هو إنهاء التظاهرات، غير أن استمرارها يجعلهم أمام ضرورة تقديم قربان للشارع لتهدئته والحكومة الحالية ستكون أسهلها". وأضاف أن "الإيرانيين أنفسهم قلقون من التظاهرات، ويمكن معرفة ذلك من إعلامهم والتصريحات التي يدلون بها كون التظاهرات هذه المرة خرجت من النجف وكربلاء وهي معاقل لها رمزيتها ودلالاتها، والنقمة واضحة على الأحزاب والقوى التي تدعمها إيران". واعتبر أن "الوضع الحالي في العراق هو الاستمرار بالقمع حتى إخماد التظاهرات إن لم يقتنع المحتجون بالعلاجات التي أعلنت عنها الحكومة وينهوا تظاهراتهم. والخيار الأخير في حال استمرارها هو التضحية بحكومة عبد المهدي"، مؤكداً أن "أربعينية الإمام الحسين، وتزامنها مع التظاهرات، تشكل مصدر قلق للكتل السياسية والحكومة ككل. إذ يمكن في حال استمر الحراك بالشارع أن تتحول لأكبر تظاهرة في العراق، ولن يستطيع الأمن أن يواجهها بالرصاص كما يفعل الآن".

ميدانياً، أقر مسؤول أمني عراقي بتنفيذ قوات وصفها بالخاصة عمليات اعتقال واسعة طاولت ناشطين ومدونين ومشاركين في التظاهرات، مرجحاً أن تكون عمليات اعتقال وقتية. وبحسب المسؤول فإن قوات أمن خاصة تتبع لاستخبارات الجيش وقوات "سوات" وأمن الحشد الشعبي نفذت عمليات اعتقال ودهم للمنازل في مناطق في ضاحية الصدر والبلديات وأحياء أور والشعب والتنك والحسينية والعامل والشعلة، مع حديث أن من تم اعتقالهم هم محركون للتظاهرات وظهروا في مقاطع فيديو مصورة.

يأتي ذلك بالتزامن مع عمليات جديدة أطلقها الجيش العراقي ضد ما وصفه بجيوب إرهابية لتنظيم "داعش" غرب وشمال العراق، وسط تشكيك في توقيتها، خصوصاً مع إطلاق بعض القوى السياسية وقيادات في الحشد الشعبي تصريحات عن أن التظاهرات أعطت متنفساً لتنظيم "داعش" لترتيب صفوفه، غير أن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول قال، لـ"العربي الجديد"، إن العملية، التي تشمل الأنبار وصلاح الدين وكركوك، امتداد لسلسلة عمليات "إرادة النصر" وليست لها علاقة بالتظاهرات، ومخطط لها مسبقاً. وأشار إلى أنها "عمليات من أجل ملاحقة فلول داعش وتعزيز الاستقرار الأمني"، موضحاً أن "القطعات الأمنية والعسكرية مسيطرة على الوضع على الأرض، وهناك استقرار في الوضع الأمني وهناك محاولة استغلال من قبل عناصر داعش للتظاهرات في بعض المناطق التي ما تزال فيها بعض البؤر الإرهابية، ولهذا العمليات مستمرة من أجل عدم إعطاء فرصة للإرهابيين". وأوضح عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عباس صروط أن "هناك تهويلاً بقضية عدم الاستقرار الأمني بسبب التظاهرات الشعبية والحديث عن عودة داعش بسبب هذه التظاهرات، وهذا التهويل غير صحيح وبعيد عن الواقع". وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "الجهات التي تروج لهكذا أخبار وشائعات تستفيد من الحكومة، ولهذا فإنها تسعى إلى تشوية التظاهرات التي لديها مطالب مشروعة ومحقة".

المساهمون