انتهت جولة المفاوضات الثلاثية حول سدّ النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، في الخرطوم، بفشل ذريع، ودون تحقيق أي تقدم، إذ أعلنت مصر رسمياً عبر وزارة الموارد المائية والري، مساء اليوم، أن المفاوضات حول خطة الملء الأول للخزان "وصلت إلى طريق مسدود".
وذكرت الوزارة أن إثيوبيا رفضت التفاوض حول الخطة المصرية المقترحة، وقدمت مقترحاً جديداً يناقض كل ما اتُّفق عليه سلفاً حول ضرورة مراعاة الأطراف المختلفة ومصالحها، ما أدخل المفاوضات رسمياً "مرحلة الجمود التام".
رغم ذلك، قال الوزير السوداني ياسر عباس، في تصريحات صحافية، إنّ الأطراف لا تزال قادرة على التفاوض حول الموضوعات الخاصة بسدّ النهضة، مشيراً إلى أنّ الاجتماعات ناقشت بعض الأرقام والحدّ الأدنى المسموح به للتصرف في المياه، والموسم والشهور التي تُملأ فيها بحيرة السد، مشيراً إلى أن الطرف الإثيوبي اقترح أن تكون مدة الملء ما بين 4-7 سنوات، ولم يوضح في الوقت نفسه الموقف المصري من المقترح الإثيوبي.
وأضاف أنّ هناك خلافات لا تزال عالقة، لكنه أشار إلى وجود تقدم كبير أُحرز، لم يفصح عنه.
وحول المقترح المصري بإشراك طرف رابع في المفاوضات، أوضح الوزير السوداني أن اللجان الفنية مستمرة في عملها وقادرة على مناقشة الخلافات وتقديم مقترحات لتجاوزها.
في المقابل، قال وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سلشي بقل، إنّ مفاوضات سد النهضة "لم تصل إلى طريق مسدود".
وأوضح الوزير الإثيوبي، في مؤتمر صحافي بسفارة أديس أبابا في العاصمة الخرطوم، السبت، أنّ بلاده ترفض الوساطة من أي جهة، وأن التفاوض سيستمر بين البلدان الثلاثة من أجل الوصول إلى اتفاق.
وأضاف، وفق ما نقلته "الأناضول"، أنّ "الخبراء من إثيوبيا ومصر والسودان قدموا بعض المقترحات، ما يعني أن المفاوضات لم تصل إلى طريق مسدود".
وتابع، "الوفد المصري تقدم بمقترح يستحيل تنفيذه، لمطالبته بــ40 مليار متر في السنة، بينما مخزون إثيوبيا حوالي 20 مليار متر، ما يعني أن إثيوبيا تعطي مصر من مخزونها الاستراتيجي".
وزاد، "الوفد المصري رفض مقترح السودان المحدد بــ35 مليار متر". ومضى بالقول، "مصر تطالب بأشياء مدهشة وموقفها كان مفاجئاً".
أما وزير الري المصري فلم يُدلِ بأي تصريحات، ولم يشارك في المؤتمر الصحافي.
وكانت مصر تسعى إلى إعادة تفعيل اجتماعات المجموعة الوطنية العلمية المستقلة، وبحسب المصادر، فإنه لا يمكن الرهان على المخرجات الخاصة بهذه المجموعة لإيقاف التقدم الإنشائي الإثيوبي، لكن مصر ترغب في الحصول على تقارير فنية وعلمية متماسكة يمكن استخدامها في الترويج الدبلوماسي الذي تقوم به الخارجية المصرية حالياً لانتزاع تعاطف أوروبي مع قضيتها، وللضغط على إثيوبيا لإبداء مزيدٍ من المرونة.
وأشارت المصادر إلى أن الدول الغربية التي دُعي سفراؤها إلى اجتماع مع مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية حمدي لوزا الشهر الماضي لإطلاعهم على موقف المفاوضات المتعثر "لم تُبدِ حتى الآن مواقف واضحة بشأن الضغط على أديس أبابا"، ولبعض الدول، مثل إيطاليا وفرنسا، مصالح مباشرة في استمرار العمل بوتيرة متسارعة في السدّ بمشاركة بعض مستثمريها، بينما تنظر دول أخرى إلى إثيوبيا كدولة واعدة بنظام سياسي حديث يمكن الرهان عليه والتعاون معه والاستثمار فيه.
وذكرت المصادر أنه لا توجد في الأفق أي بادرة للقاء حاسم بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، نظراً لاتساع الفجوة بين الواقع العملي والتصريحات التي يدلي بها الأخير في المناسبات المختلفة. وبحسب المصادر، فإن "خبراء الري يرون أن المعالجة السياسية للقضية منذ توقيع الاتفاق الثلاثي في مارس/ آذار 2015 لا تسير بشكل صحيح، لأنها تركز على الخطابات الدعائية، لا على الأرقام والإحصائيات"، وأن حلّ القضية حالياً يتطلب "تغييراً جذرياً في سياسة مصر"، ويتطلب أيضاً "حلاً سياسياً بالدرجة الأولى".
وفي الآونة الأخيرة، عبّرت مصر عن تفاقم مخاوفها بسبب عدم التوصل إلى حلّ بعد سنوات من التفاوض، واعترف الرئيس المصري خلال المؤتمر الثامن للشباب الذي عُقد يوم السبت الماضي بصعوبة الموقف، ملقياً باللائمة على ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 بأنها سبّبت إسراع إثيوبيا في إنشاء السد.
وكان السيسي قد صرح مطلع عام 2018 بأنه "لم تكن هناك أزمة من الأساس حول سدّ النهضة"، بعد اجتماع في أديس أبابا مع نظيره السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايله ميريام ديسالين، على هامش حضورهم قمة الاتحاد الأفريقي. وخالف السيسي بذلك كل التصريحات الرسمية المصرية التي أبدى فيها المسؤولون قلقهم وغضبهم من انسداد المسار التفاوضي، وميل الخرطوم إلى مواقف أديس أبابا، وعدم مراعاتهما المخاوف المصرية من تفاقم الفقر المائي. لكن الحكومة المصرية عادت الشهر الماضي لتعرب عن مخاوفها من إطالة فترة التفاوض بحجة عدم الاستقرار السياسي في السودان.