أثار قرار رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، يوم الخميس الماضي، والذي قضى بإقالة أكثر من 60 مسؤولاً جامعياً، تساؤلات حول ما إذا كانت قطاعات أخرى في الدولة ستشهد خطوات مماثلة، وسط انقسام في الآراء بين من يعتبر الخطوة ضرورية أخذاً بعين الاعتبار حقيقة سيطرة رموز نظام الرئيس المخلوع عمر البشير على التوظيفات، وبين من يبدي حذراً من نهج العقاب الجماعي للمحسوبين على "الدولة العميقة".
وجاء قرار حمدوك، الذي عيّن في منصبه في 22 أغسطس/ آب الماضي، بعد مطالبات مُستمرة من نقابات جامعية وقواعد طلابية بتطهير المؤسسات الجامعية التي يُعتقد بسيطرة عناصر النظام السابق عليها، على مستوى رؤساء المجالس ومدراء الجامعات ونوابهم. وشملت قرارات حمدوك إعفاء 28 رئيس مجلس جامعة، وهو المنصب الذي ظل حكراً على رموز نظام البشير، مثل إبراهيم غندور، وعوض الجاز، ومكاوي محمد عوض، وعبد الحليم المتعافي، وحسبو محمد عبد الرحمن وأحمد إبراهيم الطاهر. كذلك أعفى 35 موظفاً، هم كل مدراء الجامعات الحكومية و4 من نوابهم. وعيّن حمدوك 34 مديراً للجامعات السودانية، أبرزهم فدوى عبد الرحمن طه مديرة لجامعة الخرطوم، كبرى الجامعات الحكومية. وستكون عبد الرحمن بذلك أول امرأة تتولّى منصب مدير لهذه الجامعة.
وقال القيادي في قوى "إعلان الحرية والتغيير"، كمال بولاد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قرار إقالة مدراء الجامعات إجراء طبيعي ينسجم مع روح التغيير وأهداف الثورة، وتحديداً ما يتعلق بالإصلاح الهيكلي والفني في مسار التعليم في البلاد الذي دمرته سياسة النظام البائد خلال 30 عاماً، والتي أنتجت سلبيات كبيرة، أثرت كماً ونوعاً على التعليم". وأوضح بولاد، لـ"العربي الجديد"، أن "عملية تصفية الدولة العميقة مستمرة، وستطاول حسب الخطة الموضوعة الكثير من المؤسسات، وفي مقدمتها مؤسسات الخدمة المدنية، مع التركيز على القطاعات الإنتاجية". وتوقع أن "تستميت الدولة العميقة، التي أسس لها نظام البشير، في الدفاع عن نفسها، وأن تتخذ كافة الوسائل لمقاومة تصفيتها، لارتباطها بمصالح عناصر النظام السابق"، لكنه جزم بأن "النتيجة ستكون لغير صالحها، وأن تمضي عملية التغيير الجذري إلى نهايتها كجزء من أهداف الثورة".
أما الصحافي خالد أحمد فعدّ قرارات حمدوك من أهم القرارات التي اتخذها "في إطار تنظيف المؤسسات والهيئات من عناصر ورموز النظام السابق، كما ستعيد تلك القرارات فتح المجال أمام الكفاءات لقيادة هذه المؤسسات التعليمية المهمة". وقال أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام السابق، وحتى يسيطر على المؤسسات التعليمية في إطار ما عرف بسياسة التمكين لعناصره، عمل على فصل وتشريد أغلب أساتذة الجامعات السودانية، خصوصاً جامعة الخرطوم، مع العمل على تعيين موالين له، غير مؤهلين، في تلك المواقع، ما سبب تراجعاً في المستوى العلمي للجامعات السودانية والمعاهد العليا". وأوضح أنه عبر "الاطلاع على قائمة مدراء الجامعات الذين تمت إقالتهم، ستجد أن غالبيتهم من رموز النظام السابق، حيث الانتماء التنظيمي والولاء للنظام يقدم على المؤهلات"، مشيراً إلى أن "سياسة التمكين التي اتبعها النظام وصلت إلى مرحلة تجريف الحياة السياسية الطلابية في الجامعات، بمنع النشاط السياسي المعارض في بعضها، والعمل للسيطرة على الاتحادات الطلابية في باقي الجامعات، عبر تزوير الانتخابات الخاصة بالطلاب". وأكد أن "إعادة الأوضاع إلى طبيعتها في مؤسسات التعليم العالي تحتاج إلى وقت وعمل جاد، وأن تكون قوى الثورة حاضرة ومساهمة في هذا التغيير، حيث للأسف ما يزال النظام السابق يسيطر على الجهاز الإداري للدولة عموماً وفي مجال التعليم العام، ومن ضمنها الجامعات. وهناك ملف أيضاً يحتاج إلى معالجة، هو الجامعات الخاصة، إذ إن عدداً كبيراً منها لا يزال مملوكاً لرموز النظام السابق".
اقــرأ أيضاً
لكن القيادي في حزب المؤتمر الشعبي المعارض أبو بكر عبد الرازق، اعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "كل مدراء الجامعات استقالوا قبل إقالتهم من مناصبهم، وذلك بسبب عبارات مسيئة صدرت بحقهم على لسان وزيرة التعليم العالي انتصار صغيرون". وأكد أن "أغلب المقالين لا علاقة لهم بالتيار الإسلامي ولا المؤتمر الوطني (حزب البشير)، بل هم من الكفاءات، وهذا ما ستؤكده الأيام المقبلة". وقال إن "الدولة العميقة التي تتحدث عنها الحكومة وقوى إعلان الحرية والتغيير لا وجود لها في الواقع، وإنما هي دولة تابعة للشعب السوداني"، معتبراً أن "مصطلح الدولة العميقة مقصود به إحلال كوادر تحالف الحرية والتغيير مكان من يتم إقصائهم، وفي ذلك تكرار لتجربة تطهير حدثت في ثورات سابقة، ولم تكن لها أي نتيجة إيجابية". وأضاف أن "السلطة الجديدة إذا مضت على ذات النهج الإقصائي فلن تُكمل الفترة الانتقالية المحددة لها، وسيفتح هذا النهج الباب أمام محاولات انقلابية تطيح السلطة، وتلغي كل ما فعلته الحرية والتغيير وحكومتها".
من جهته، يُبدي نائب مدير جامعة أم درمان الإسلامية البروفيسور، إبراهيم الكاروري، وهو أحد من تمت إقالتهم، خشيته أن "تكون الطريقة التي عوملوا بها مؤشراً إلى منهج إقصائي للحكومة الجديدة، وستمتد بذات الطريقة إلى مختلف القطاعات الحكومية". وأوضح الكاروري، لـ"العربي الجديد"، أن "قوى الحرية والتغيير لم تترك مجالاً للتكهّن حين أعلنت عزمها تعيين مدراء جامعات ممن يؤمنون بميثاق الحرية والتغيير استناداً إلى مصطلح وشعار الدولة العميقة"، مشيراً إلى أن "ذلك غير مبرر على الإطلاق وأن المطلوب وضع معايير موضوعية تقوم على الكفاءة في اختيار المناصب الحكومية دون عزل على أسس سياسية، بل على أسس علمية". وأشار إلى أن "نهج العزل والإقصاء، لو استمر بالطريقة التي تريدها أطراف في الحرية والتغيير، لن يقود إلا إلى الاحتقان، ويولّد شكلاً من أشكال الاستقطاب الحاد"، مشيراً إلى أن "حمدوك، على العكس من غيره، لا يريد أن تصل الأمور إلى تلك المرحلة".
ووجدت خطوة إقالة المسؤولين الجامعيين ترحيباً وسط أساتذة الجامعات السودانية. وأصدر تجمع خاص بهم بياناً، اعتبر فيه أن الخطوة "تعد أول خطوة ثورية في طريق استئناف الدراسة بالجامعات والكليات والمعاهد العليا"، مشيراً إلى أن من "تم تعيينهم يؤمنون بأهداف الثورة في الحرية والسلام والعدالة، وسيعملون من أجل جامعات مستقلة، أكاديمياً وإدارياً ومالياً". وقال المتحدث باسم تجمع الأساتذة علي كوباني، لـ"العربي الجديد"، إن النظام السابق سيطر تماماً على الجامعات، وعمد إلى فصل وتشريد الأساتذة غير الموالين له سياسياً، مع تعيين كوادر تدين له بالولاء، موضحاً أن "النظام اتخذ بعد ذلك قرارات مدمرة للتعليم الجامعي، منها سحب خدمات السكن والإعاشة عن الطلاب، هذا عدا عن إنشاء جامعات وكليات تفتقر لأبسط المعينات التعليمية". وقال "إنهم يأملون من الإدارات الجديدة للجامعات العمل على إعادة استقلاليتها، أكاديمياً وإدارياً ومالياً، ويحققون قبل ذلك أهداف وبرامج الثورة".
اقــرأ أيضاً
وجاء قرار حمدوك، الذي عيّن في منصبه في 22 أغسطس/ آب الماضي، بعد مطالبات مُستمرة من نقابات جامعية وقواعد طلابية بتطهير المؤسسات الجامعية التي يُعتقد بسيطرة عناصر النظام السابق عليها، على مستوى رؤساء المجالس ومدراء الجامعات ونوابهم. وشملت قرارات حمدوك إعفاء 28 رئيس مجلس جامعة، وهو المنصب الذي ظل حكراً على رموز نظام البشير، مثل إبراهيم غندور، وعوض الجاز، ومكاوي محمد عوض، وعبد الحليم المتعافي، وحسبو محمد عبد الرحمن وأحمد إبراهيم الطاهر. كذلك أعفى 35 موظفاً، هم كل مدراء الجامعات الحكومية و4 من نوابهم. وعيّن حمدوك 34 مديراً للجامعات السودانية، أبرزهم فدوى عبد الرحمن طه مديرة لجامعة الخرطوم، كبرى الجامعات الحكومية. وستكون عبد الرحمن بذلك أول امرأة تتولّى منصب مدير لهذه الجامعة.
وقال القيادي في قوى "إعلان الحرية والتغيير"، كمال بولاد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قرار إقالة مدراء الجامعات إجراء طبيعي ينسجم مع روح التغيير وأهداف الثورة، وتحديداً ما يتعلق بالإصلاح الهيكلي والفني في مسار التعليم في البلاد الذي دمرته سياسة النظام البائد خلال 30 عاماً، والتي أنتجت سلبيات كبيرة، أثرت كماً ونوعاً على التعليم". وأوضح بولاد، لـ"العربي الجديد"، أن "عملية تصفية الدولة العميقة مستمرة، وستطاول حسب الخطة الموضوعة الكثير من المؤسسات، وفي مقدمتها مؤسسات الخدمة المدنية، مع التركيز على القطاعات الإنتاجية". وتوقع أن "تستميت الدولة العميقة، التي أسس لها نظام البشير، في الدفاع عن نفسها، وأن تتخذ كافة الوسائل لمقاومة تصفيتها، لارتباطها بمصالح عناصر النظام السابق"، لكنه جزم بأن "النتيجة ستكون لغير صالحها، وأن تمضي عملية التغيير الجذري إلى نهايتها كجزء من أهداف الثورة".
لكن القيادي في حزب المؤتمر الشعبي المعارض أبو بكر عبد الرازق، اعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "كل مدراء الجامعات استقالوا قبل إقالتهم من مناصبهم، وذلك بسبب عبارات مسيئة صدرت بحقهم على لسان وزيرة التعليم العالي انتصار صغيرون". وأكد أن "أغلب المقالين لا علاقة لهم بالتيار الإسلامي ولا المؤتمر الوطني (حزب البشير)، بل هم من الكفاءات، وهذا ما ستؤكده الأيام المقبلة". وقال إن "الدولة العميقة التي تتحدث عنها الحكومة وقوى إعلان الحرية والتغيير لا وجود لها في الواقع، وإنما هي دولة تابعة للشعب السوداني"، معتبراً أن "مصطلح الدولة العميقة مقصود به إحلال كوادر تحالف الحرية والتغيير مكان من يتم إقصائهم، وفي ذلك تكرار لتجربة تطهير حدثت في ثورات سابقة، ولم تكن لها أي نتيجة إيجابية". وأضاف أن "السلطة الجديدة إذا مضت على ذات النهج الإقصائي فلن تُكمل الفترة الانتقالية المحددة لها، وسيفتح هذا النهج الباب أمام محاولات انقلابية تطيح السلطة، وتلغي كل ما فعلته الحرية والتغيير وحكومتها".
ووجدت خطوة إقالة المسؤولين الجامعيين ترحيباً وسط أساتذة الجامعات السودانية. وأصدر تجمع خاص بهم بياناً، اعتبر فيه أن الخطوة "تعد أول خطوة ثورية في طريق استئناف الدراسة بالجامعات والكليات والمعاهد العليا"، مشيراً إلى أن من "تم تعيينهم يؤمنون بأهداف الثورة في الحرية والسلام والعدالة، وسيعملون من أجل جامعات مستقلة، أكاديمياً وإدارياً ومالياً". وقال المتحدث باسم تجمع الأساتذة علي كوباني، لـ"العربي الجديد"، إن النظام السابق سيطر تماماً على الجامعات، وعمد إلى فصل وتشريد الأساتذة غير الموالين له سياسياً، مع تعيين كوادر تدين له بالولاء، موضحاً أن "النظام اتخذ بعد ذلك قرارات مدمرة للتعليم الجامعي، منها سحب خدمات السكن والإعاشة عن الطلاب، هذا عدا عن إنشاء جامعات وكليات تفتقر لأبسط المعينات التعليمية". وقال "إنهم يأملون من الإدارات الجديدة للجامعات العمل على إعادة استقلاليتها، أكاديمياً وإدارياً ومالياً، ويحققون قبل ذلك أهداف وبرامج الثورة".